الرباط- تحمل المغربية “رحمة اليبزار” عصا طويلة ورفيعة بين يديها وتضرب بها أغصان شجرة الزيتون البعيدة لتتساقط حباته على أرض مفروشة ببساط من البلاستيك، تتوقف للحظات قبل أن تستأنف العمل بينما تلفح شمس نوفمبر/تشرين الثاني -غير المعتادة- وجهها، وعلى الجانب الآخر تقطف رفيقتها شريفة حبات الزيتون بيديها من الأغصان المنخفضة.
بدأت عائلة رحمة جني الزيتون منذ 3 أسابيع شأنها شأن باقي عائلات القرية، يحملون معهم قنينات ماء وبعض الأكل ويستمرون في العمل من شروق الشمس إلى غروبها.
تقول للجزيرة نت إن الفلاحين استبشروا خيرا بهطول المطر في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، غير أن السماء انحبست منذ ذلك الحين وارتفعت درجة الحرارة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني بشكل غير معهود في مثل هذا الوقت من السنة ما أثر على محصول الزيتون.
جني مستمر
على طول الطريق المؤدية إلى جماعة ازغيرة في إقليم وزان شمال المغرب، رصدت الجزيرة نت تواصل عملية جني محصول الزيتون، حيث تتوزع النساء حول الأشجار منهمكات في العمل بجد وحماس، بينما تنبعث روائح زيت الزيتون من المَعاصِر المنتشرة على جنبات الطرق.
في هذه المنطقة، تختص النساء بمهمة جني الزيتون، إذ يعملن في الحقول على قطفه وفي البيت على فرزه وتخليله، بينما مهمة الرجال محددة في نقل المحصول إلى المعصرة والإشراف على تحويله إلى زيت.
تستيقظ رحمة في الصباح الباكر لتقصد الحقل وتقضي اليوم في العمل رفقة بعض أفراد العائلة وعاملتين أجرهما اليومي 2.5 سطل من الزيتون.
بعد إنهاء جني حبات الزيتون من الشجرة، تتعاون النسوة على جمعه من الأرض وإزالة أوراق الشجر قبل وضعه في كيس لأخذه في المساء مع باقي المحصول إلى البيت.
تتوقف العاملة شريفة عن العمل، وتقول للجزيرة نت “لقد أثر الجفاف على المحصول، فالمطر ضروري لينضج الزيتون وتكبر حباته وتعطي زيتا أكثر”.
وتشير إلى إحدى الأشجار التي أنهت للتو جنيها “هذه الشجرة لم تعطنا سوى نصف المحصول الذي كنا نحصل عليه منها في السنوات الماضية”.
تعود النسوة للعمل، وهن يتذاكرن الأيام الخوالي ويجمعن على وصفها بأنها كانت أيام خير ورخاء وبركة مقارنة بهذه الأيام.
“لقد تغير كل شيء، درجة الحرارة مرتفعة في فصل الخريف على غير العادة، لقد غيّر الجفاف وقلة المياه حياة الفلاحين وهدد أراضيهم ومحاصيلهم”، تقول رحمة بزفرة حنين.
تتوقع وزارة الفلاحة أن يبلغ إنتاج الزيتون لهذا العام حوالي 1.07 مليون طن، وهو المستوى نفسه المسجل في الموسم السابق، وينخفض هذا الإنتاج بنسبة 44% عن إنتاج خريف 2021 الذي سجل أعلى مستوى إذ بلغ 1.9 مليون طن.
ويتركز 63% من الإنتاج المتوقع في جهات فاس-مكناس والشرق وطنجة-تطوان-الحسيمة، في حين تشهد جهات الرباط سلا القنيطرة، ودرعة-تافيلالت، وطنجة-تطوان-الحسيمة ارتفاعا في الإنتاج بنسبة 39% و14% على التوالي مقارنة بخريف 2022.
وتأثر الإنتاج بشكل أساسي في جهات مراكش-آسفي، والشرق وبني ملال-خنيفرة، حيث تراجع بـ 42% و17% و10% على التوالي.
وبخصوص الأسعار، تكشف وزارة الفلاحة المغربية أن الإنتاج المتوقع للزيتون على أساس الأسعار الحالية سيحقق معاملات تقدر بحوالي 7.4 مليارات درهم (حوالي 734 دولارا) بزيادة 10% مقارنة بالعام الماضي.
ويعزو رئيس الفدرالية المهنية المغربية للزيتون رشيد بنعلي انخفاض الإنتاج بشكل أساسي إلى ارتفاع درجات الحرارة واستمرار موجة الجفاف.
ويقول للجزيرة نت “نعيش موسما صعبا جدا على الفلاح والمستهلك والمُصنع بسبب الظروف المناخية الصعبة المتمثلة في قلة الأمطار والحرارة المفرطة”.
ويشير المتحدث إلى أن الحرارة التي شهدتها المملكة في شهر أبريل/نيسان الماضي -وهي فترة إزهار أشجار الزيتون- أثرت كثيرا على الإنتاج الذي انخفض بشكل مهول، وفق تعبيره.
وانعكس انخفاض الإنتاج على أسعار زيت الزيتون التي ارتفعت بشكل جعل المستهلكين يعزفون عن شراء حاجياتهم منه في بداية الموسم في انتظار ما ستسفر عنه الأسابيع المقبلة.
ويقول بنعلي أيضا إن قلة الإنتاج وارتفاع الأسعار جعلا المهنيين يوجهون رسالة إلى وزير الفلاحة يطالبون فيها بمنع التصدير باستثناء بعض المنتوجات مثل الزيتون المعلب الذي لا يمثل سوى نحو 100 ألف طن من الإنتاج.
واستجابت وزارة الفلاحة لطلب المهنيين، وقررت إخضاع تصدير الزيتون للترخيص، وهو إجراء سيظل ساريا حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وأوضحت وزارة الفلاحة، في بيان، أن هذا القرار يهدف إلى تعزيز قيمة الإنتاج الوطني محليا، وضمان التموين العادي والمنتظم للسوق المغربية، وتثبيت الأسعار عند المستهلك في مستويات عادية، والمساهمة في الأمن الغذائي للمواطن .
وحسب رشيد بنعلي فإن سعر لتر من زيت الزيتون يتراوح حاليا ما بين 80 و85 درهما (أي ما بين 8 و 8.5 دولارات) بزيادة 10 دراهم ( حوالي دولار واحد) عن السنة الماضية، وتوقع أن تنخفض الأسعار في الأسابيع المقبلة مع استمرار عملية جني المحصول وبدء تفعيل قرار منع التصدير.
الزيت مادة أساسية
يعد زيت الزيتون مادة أساسية في المائدة المغربية، إذ تحرص العديد من العائلات على شراء حاجياتها السنوية خلال موسم جنيه، سواء على شكل زيت جاهز أو بالتوجه نحو البوادي لشراء الزيتون والإشراف على طحنه في المعاصر.
ويستهلك المواطن المغربي 4.4 لترات سنويا من زيت الزيتون حسب إحصائيات المجلس الدولي للزيتون لموسم 2021-2022 وهو ما يجعل المملكة تتبوأ الرتبة الثانية عربيا على هذا الصعيد، بينما يصل الاستهلاك الإجمالي للمملكة حوالي 163 مليونا و400 ألف لتر ليضعها في المرتبة الرابعة عالميا والأولى عربيا.
وسجلت صادرات زيت الزيتون خلال عام 2022 أداء جيدا وفق بيانات وزارة الفلاحة، وبلغ حجم الصادرات من هذه المادة خلال الثمانية أشهر الأولى من العام الماضي حوالي 13 ألف طن، وهو ما يمثل ضعف الحجم المسجل في الفترة ذاتها من عام 2021، بينما تبلغ القيمة 456 مليون درهم (حوالي 45 مليون دولار) بزيادة 47%، وتستهدف الصادرات المغربية سوق الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي.
وتمثل زراعة الزيتون حوالي 68% من الأشجار المثمرة بالمغرب، ورغم انتشاره في 10 جهات بالمملكة فإن جهتي فاس-مكناس ومراكش-آسفي تضمان 54% من المساحات المغروسة بالزيتون، غير أن ظروف انحباس المطر وارتفاع الحرارة أثر على الإنتاج.
وتوفر سلسلة (قطاع) الزيتون أكثر من 50 مليون يوم عمل سنويا أي ما يزيد على 200 ألف فرصة عمل قارة، 25% للنساء.
المصدر : الجزيرة