أزمة الدولار تلقي بظلالها على انتخابات الرئاسة في مصر

أزمة الدولار تلقي بظلالها على انتخابات الرئاسة في مصر

تجد الحكومة المصرية نفسها في مأزق حيال التعامل مع أزمة الدولار المتفاقمة، والتي باتت تؤثر على المواطنين، ولم تفلح التطمينات الحكومية في نزع حالة القلق السائدة من ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري، حيث يعتقد الكثيرون أن ما تشيعه الحكومة لا يعدو كونه مسكنات في ظل خشيتها من تأثيرات الأزمة على الاستحقاق الرئاسي.

القاهرة – تصدرت أزمة الدولار وانعكاساتها وتراجع قيمة الجنيه في مصر على المشهد السياسي الراهن قبل أيام من انتخابات الرئاسة التي تنطلق في الخارج الجمعة، وسط تأكيدات رسمية بنفي تعويم جديد للجنيه المصري عقب الانتخابات.

وعكست تطمينات الحكومة عن رغبة في تهدئة الوضع الداخلي بعد أن وصل سعر الدولار مقابل الجنيه في السوق الموازية (السوداء) إلى 50 جنيهاً، مع ثبات السعر الرسمي عند نحو 31 جنيها، ما ترك تأثيراً سلبيا على أسعار السلع.

وأدخل الرئيس عبدالفتاح السيسي تعديلات على مجلس إدارة البنك المركزي المصري، وعيّن نائبا جديدا لرئيسه، واستحدث منصب مساعد رئيس البنك المركزي ليشغله لأول مرة المصرفي محمد أبوموسى، وسط توقعات أن تشهد لجنة السياسات النقدية تعديلات في عضويتها بعد خروج ثلاثة من أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي.

وتعقد لجنة السياسات اجتماعها المقبل عقب انتهاء انتخابات الرئاسة بالداخل في الحادي والعشرين من ديسمبر المقبل، لتحديد سعر الفائدة على الإيداع والاقتراض.

وتعد التغييرات مؤشرا على مستوى اتخاذ قرارات تتعلق بالسياسة النقدية، في ظل رفض لإجراءات اتخذتها المجموعة الوزارية المالية، تسببت في تراجع قيمة الجنيه كثيرا مقابل الدولار، وإرسال إشارة سياسية تؤكد أن النظام المصري يعتزم اتخاذ خطوات إصلاحية لتجاوز المشكلات الحالية.

وقال أمير محمود، وهو موظف بإحدى الشركات الحكومية، إن حل أزمة الدولار التي تركت أثراً سلبياً بالغاً على حياته اليومية أكثر أهمية من متابعة سير انتخابات الرئاسة، وما ينتظره منها هو اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية للحد من ارتفاع الأسعار، وهو الإنجاز الحقيقي الذي يبحث عنه ليتمكن من تأمين قوت أسرته.

وأضاف محمود في تصريحات لـ”العرب” أن طمأنة المواطنين بعدم تعويم الجنيه لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي لا يجدي نفعاً مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم ووجود مشكلات في توفير العملات الصعبة لأن حركة الأسواق تعبر عن المأزق الاقتصادي، وهناك قناعة بأن الوضع الحالي لن يستمر طويلاً إلا إذا حدثت معجزة تستطيع من خلالها الحكومة توفير عشرات المليارات من الدولارات لسد الفجوة الحالية.

ووعد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي بانتهاء أزمة الدولار قريبا، ورآها “عابرة وسوف تنتهي في فترة قصيرة”، وهو ما يعتبره مواطنون، ومن بينهم أمير، نوعا من المسكنات السياسية لا تتطابق مع الواقع الذي تستمر فيه قيمة الجنيه في التراجع.

وأكد عضو مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي (معارض) النائب إيهاب منصور أن مصر في حاجة إلى إدخال تعديلات كبيرة على السياسات النقدية بعد انتخابات الرئاسة، حيث وصل الأمر لتدني غير مسبوق في قيمة الجنيه، مع صعوبات تواجهها الحكومة في توفير الدولار اللازم للاستيراد مع تصاعد شكاوى المستثمرين.

وأوضح منصور في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة لم تقم بدورها الاقتصادي كما يجب وباتت أداة تنفيذية غير قادرة على ابتكار أدوات للحل، وأن المستقبل في حاجة إلى كفاءات لديها رؤية مستقبلية قادرة على وقف حالة التدهور الحالية، مع اتساع أزمات غياب الرقابة وتراجع الأدوار الفاعلة لدعم صغار المستثمرين وعدم تحميلهم مسؤولية الصعوبات التي يواجهونها لتوفير العملة.

وذكر منصور، وهو أحد الأعضاء البارزين بالحملة الانتخابية للمرشح فريد زهران، أن الشباب الذين يلتقون معهم في المؤتمرات الجماهيرية الخاصة بانتخابات الرئاسية يريدون الحصول على فرص عمل تساعدهم على تجاوز المشكلات، وهو ما يحتم على الرئيس القادم الدفع نحو تغيير السياسات وتحديد بوصلة الأولويات مجدداً.

وطالب مواطنون بأن ينصب تركيز الحكومة بشكل كلي على إنقاذ الاقتصاد من دون التوسع في صرف أموال كبيرة على الدعاية الانتخابية وتخفيض تكلفتها.

وأيقن قائمون على الحملات الانتخابية للمرشحين أن الإنفاق السخي على الدعاية سيأتي بنتائج عكسية، وهو ما دفع حملة السيسي لإعلان تقليص نفقاتها لصالح التبرع إلى قطاع غزة، واكتفت حملات المرشحين الثلاثة الآخرين بعقد مؤتمرات في عدد قليل من المحافظات.

وحضرت أزمة الدولار بشكل كبير في الحوار الذي أجراه المرشح الرئاسي حازم عمر مع الإعلامي عمرو أديب في برنامج “الحكاية” على فضائية “إم بي سي- مصر” الاثنين، وتحدث عن حاجة مصر إلى سداد 29.6 مليار دولار من الديون قريبا، فضلا عن 37.5 مليار من الديون الثنائية، والتي تحتاج إلى جدولتها، إلى جانب 53 مليار دولار تمثل ديون صندوق النقد الدولي ونادي باريس وبعض الجهات المانحة.

الإقدام على خطوة التعويم متوقعة، والإجراء كان من المفترض اتخاذه منذ أشهر، وتم تأجيله بسبب الانتخابات

وقدم المرشح الرئاسي حلولاً تتماشى مع توجهات الحكومة عبر تأكيده أن تدبير التدفقات المالية من خلال بيع نسب في بعض الشركات والأصول، مشددا على أن الوضع القائم غير مهيأ لذلك ومن الضروري الوصول إلى سعر عادل للجنيه أمام الدولار قبل البيع.

وكشف مصدر مصري لـ”العرب” أن ما يثير قلق الشارع الآن يتعلق بالأزمة الاقتصادية وسبل التعاون معها مع حسم انتخابات الرئاسة مبكرا، ومنح الرئيس السيسي شرعية جديدة تؤكد أن لديه ظهيرا سياسيا كبيرا، وذلك لا يمنع من أن البلاد تواجه فترة حرجة قد تترتب عليها إجراءات صعبة بعد الانتخابات.

وأضاف المصدر أن الإقدام على خطوة التعويم “متوقعة” وإن نفتها الحكومة، وهذا الإجراء كان من المفترض اتخاذه منذ بضعة أشهر، وتم تأجيله بسبب الانتخابات، ومن المهم أن تُقدّم الحكومة سعرا مرنا للجنيه ينهي ظاهرة السوق السوداء، من هنا تكمن أهمية التغييرات التي أقرها السيسي على مجلس إدارة البنك المركزي.

ومن المرجح أن تقدم مصر على عقد اتفاقيات مع صناديق ومؤسسات دولية تضمن توفير الدولار قبل أيّ قرار يخص تعويم الجنيه، وقد يكون هناك حل آخر يتم التفكير فيه ويرتبط بوجود سعرين للجنيه، أحدهما لشراء السلع الرئيسية، والآخر يرتبط بسلع هامشية، ما يتيح التعامل بهذا السعر داخل البنوك ولا يتجه الدولار إلى السوق السوداء.

وأشارت تقارير محلية إلى أن توفير الدولار سيكون عبر أكثر من مشروع، مع تقليل الاستيراد من الخارج، ما يزيد الدخل الدولاري للدولة، وخلال فترة قصيرة سوف تدخل البلاد نحو 13.5 مليار دولار دون تحديد مصادر المليارات الواردة إلى الداخل.

العرب