كان موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ بداية الحرب الجارية على غزة، الأكثر وضوحا، بين زعماء العالم الغربي، وحتى بين كبار المسؤولين في إدارته، في تبنّيه موقف حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية، بل والحماس لمشاركة بلاده عمليا في العدوان على قطاع غزة الذي يسكنه أكثر من 2,3 مليون فلسطيني.
بدأ الأمر بزيارته هو شخصيا لإسرائيل وكذلك وزير دفاعه لويد أوستن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، وحضوره اجتماعات لـ«مجلس الحرب» الحكومي في تل أبيب، ثم بالمسارعة في إرسال حاملات طائرات وغواصة نووية وإطلاق جسر جوي لنقل العتاد العسكري، والقوات أيضا، للمشاركة في العدوان على غزة.
بعد الود المفقود السابق بين بايدن ونتنياهو، على خلفية محاولة «انقلاب» الأخير على «المحكمة الإسرائيلية العليا» وبسبب طبيعة حكومته اليمينية المتطرّفة ورعايتها هجمات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة، جاءت عملية «كتائب القسام» وفصائل المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين أول/أكتوبر لتغلق فجوة الخلاف «الداخلي» بين أمريكا وإسرائيل، لصالح تكريس عمليّة «القضاء على حماس» و«منع توسيع الصراع الإقليمي».
كان لافتا، حتى بالمقاييس الأمريكية والغربية، أن يتنكّب الرئيس الأمريكي شخصيا مهمة «الحجّ» لإسرائيل، والمشاركة في مناقشة تفاصيل الحرب على الفلسطينيين، ثم في ترديد مزاعم تل أبيب الواحدة بعد الأخرى، منذ التزامه بروايتها حول قصف «الجهاد الإسلامي» لمشفى المعمداني، مرورا بتحميل «حماس» مسؤولية وقف الهدنة، وتكرار الأكاذيب المفضوحة حول عمل إسرائيل على عدم استهداف المدنيين!
رغم «القصف» الإعلامي، وتبني الرواية الإسرائيلية في مجمل وسائل الإعلام الغربية، فقد تحوّلت التغطية الأمريكية على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتجاهلها للوقائع التي تؤكدها منظمات الأمم المتحدة ومؤسسات حقوقية دولية، أشبه بفضيحة سياسية كبرى.
ألقى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ضوءا كاشفا على الوضع الرهيب في غزة عبر تفعيل المادة 99 من ميثاق المنظمة الأممية، حيث أرسل خطابا إلى رئيس مجلس الأمن أكد فيه «الخطر الجسيم لانهيار النظام الإنساني في غزة» وحثّ المجلس «على المساعدة في تجنب وقوع كارثة إنسانية» مناشدا «إعلان وقف إنساني لإطلاق النار».
دفع هذا الوضع زعيما عالميا، هو الرئيس البرازيلي لولا داي سيلفا، إلى وصف الرئيس الأمريكي بـ«عديم الإحساس تجاه هذه المذبحة الكبرى» معتبرا أن ما يقوم به لا يليق بقائد أقوى دولة على الأرض، كما أنه اعتبر مجلس الأمن والأمم المتحدة والعالم بلا قيادة واصفا بشكل دقيق ما تفعله إسرائيل بـ«الإبادة».
استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل في حربها على غزة يعني مشاركة إدارة بايدن في الحرب على الفلسطينيين، ومسؤوليتها هي أيضا عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة، وعن التداعيات الفظيعة التي ستنعكس على المنطقة العربية والعالم، وكذلك على الاستقطابات السياسية الحادة التي بدأنا نشهد آثارها في صعود اليمين المتطرّف في أكثر من بلد غربي.
وجه موظفون متدربون في «البيت الأبيض» رسالة إلى بايدن ذاكرين فيها أن بينهم فلسطينيين ويهودا وعربا ومسلمين ومسيحيين وسودا ولاتينيين وبيضا، وأنهم يحاولون «إيصال أصوات الشعب الأمريكي» ويؤكدون فيها أنهم ما عادوا قادرين على البقاء صامتين على الإبادة الممارسة ضد الشعب الفلسطيني، وأنهم يطالبون بوقف فوري لإطلاق النار.
السؤال بعد كل ذلك: هل تعمل الإدارة الأمريكية على وقف حرب إبادة الفلسطينيين أم تتابع موقفها الشائن ضد الإنسانية جمعاء؟