إن وضع إسرائيل الحالي في منطقة الشرق الأوسط يبدو عديم الحل. ومن المتوقع استمرار عدم الاستقرار في المنطقة، بما في ذلك سباق التسلح لكل الجهات المشاركة. ظاهراً يبدو الوضع بلا مخرج ودون حلول سحرية لتثبيت استقرار وسلام في إسرائيل والمنطقة.
أعتقد أن هناك حلاً ممكناً وصحيحاً للمتاهة التي نحن فيها – المبادرة السعودية التي عرضها ولي العهد السعودي عبد الله بن عبد العزيز، التي أصبحت المبادرة العربية للسلام، التي أقرت خمس مرات منذ عرضتها الجامعة العربية، دون أي رد إسرائيلي. لأسفي، العرض الذي سأفصله لاحقاً قائم منذ 2002، لم يرد على هذا العرض ولم يفعل كل رؤساء وزراء إسرائيل منذئذ وحتى اليوم شيئاً بشأنه، رغم أن معظمهم قالوا إن هذه فكرة جيدة.
تبنت المبادرة العربية للسلام الجامعة العربية في 28 آذار 2002 في بيروت، وهي تعكس الموقف الرسمي المشترك للدول العربية بالنسبة لحل النزاع الإسرائيلي -العربي. وتتضمن المبادرة التزاماً من دول عربية وإسلامية لعقد علاقات سلام طبيعية مع إسرائيل والإعلان عن نهاية النزاع معها، تبعاً لثلاثة شروط:
الشرط الأول هو انسحاب إسرائيلي كامل لخطوط الرابع من حزيران 1967 بما في ذلك من الجولان السوري ومن الأراضي التي “تحتلها” إسرائيل في لبنان، مزارع شبعا. الثاني، إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، والثالث، حل عادل ومتفق عليه لمسألة اللاجئين وفقاً لقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة 194، في ظل معارضة توطين اللاجئين في الدول المضيفة لهم دون موافقة تلك الدول. نظرت الولايات المتحدة إلى المبادرة العربية بنظرة إيجابية، وإن كانت تحتفظ لنفسها في الصدارة كوسيط حصري بين إسرائيل والعرب.
مع إقرار المبادرة في الرياض، اقترحت على رئيس الوزراء أرئيل شارون بدلاً من تنفيذ خطة فك الارتباط التوجه للبحث مع السعودية في المبادرة العربية، واقتراح لقاء في القدس أو في الرياض لكل الدول العربية المشاركة في المبادرة، التي تشكل حلاً شاملاً لإنهاء النزاع. لأسفي، رغم اعتقاد شارون أنها فكرة جيدة، فإنه سار نحو فك الارتباط عن غزة وعن شمال “السامرة”.
لاحقاً، طرحت المبادرة العربية على البحث في حكومة إيهود أولمرت وفي الكابينت، ولأسفي، اعتقد أولمرت بأن المبادرة فكرة جيدة لكنه لم يتخذ أي خطوة في هذا الاتجاه. لاحقاً، بصفتي نائباً في المعارضة حاولت أن أقنع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للمبادرة إلى حل شامل من خلال المبادرة العربية، لكنه لم يقبل موقفي. بعد ذلك، أقمت لوبياً في الكنيست لتأييد مبادرة السلام العربية وكان فيه 42 نائباً من كتل مختلفة، لكن لم يكن بوسعنا الدفع قدماً بالمبادرة.
فضائل لا نهاية لها
المبادرة العربية للسلام هي الحل الأفضل، وذلك في ضوء جملة واسعة من الأسباب.
السلام مع كل العالم العربي. حتى من يؤيد السلام مع السلطة الفلسطينية يجب أن يسأل نفسه، لماذا يعقد سلام فقط مع السلطة، إذا كان ممكناً بالثمن ذاته الحصول على سلام شامل مع كل الدول الإسلامية ووضع حد للنزاع العربي الإسرائيلي؟
حل مشكلة حق العودة. المبادرة العربية تحل المشكلة الأكبر للفلسطينيين التي بسببها لم يوقع ياسر عرفات حيال إيهود باراك، وأبو مازن حيال إيهود أولمرت، على اتفاق السلام رغم أنهما عرضا عليهما كل ما طلباه.
لا يمكن لأي زعيم فلسطيني أن يوقع على اتفاق دون أن يضمن حق العودة، لكن المبادرة تحل المشكلة بشكل سلس. الصيغة “حل عادي ومتفق عليه للاجئين”. متفق عليه، معناه أن على إسرائيل أن توافق. منذ العام 2002، عندما نشرت المبادرة، قلت إني أعتقد أنه ليس هناك زعيم عربي في الجامعة العربية يعتقد أن إسرائيل لا توافق على إعادة اللاجئين إلى أراضيها. وعليه، فإن المعنى في واقع الأمر هو أن المبادرة ستلغي هذا المطلب الفلسطيني.
مطلب عودة إسرائيلية إلى خطوط 1967. هنا أيضاً، عندما نشرت المبادرة قلت إنه لا يوجد زعيم عربي يعتقد أن إسرائيل بالفعل ستعود إلى خطوط 1967 حقاً، وبرأيي المقصود هو الحصول على أرض بديلة بمساحة مشابهة. بمعنى أنه إذا ضمت إسرائيل أرضاً غربي جدار الفصل، نحو 5 في المئة من أراضي الضفة، تعطى للفلسطينيين أرض أخرى في منطقة “يهودا” أو في غزة.
لاحقاً، تبين أني كنت محقاً تماماً، إذ عندما أدار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مفاوضات السلام مع حكومة نتنياهو ويئير لبيد وتسيبي لفني، بلغه مندوبو الجامعة العربية بأنهم موافقون على تبادل الأراضي.
الاستفتاء الشعبي. إن التنازل عن أرض للدولة يتطلب حسب القانون الإسرائيلي إجراء استفتاء شعبي. واضح أنه إذا جرى اتفاق السلام مع كل الدول العربية، فإن احتمال الحصول على موافقة الجمهور أكبر بكثير من الاتفاق مع الفلسطينيين وحدهم.
ضمانة لتنفيذ الاتفاق. اتفاق السلام الشامل هو الضمانة لإنفاذ السلام، لأنه إذا ما وقعت كل الدول الإسلامية سلاماً وتطبيعاً مع إسرائيل، فمن سيتجرأ على كسر هذا الاتفاق؟ إذا كان السلام فقط مع الفلسطينيين، يكفي زعيم مصادف لا يريد ذلك، فيموت الاتفاق.
إعادة قطاع غزة إلى حكم السلطة الفلسطينية. هذا أيضاً سبيل ممكن لإعادة قطاع غزة إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، وبذلك إخراج حماس من السلطة. هذا ما كنت أقوله منذ العام 2002.
تعب الدول العربية من الفلسطينيين ومن الإرهاب. الدول العربية أيضاً تعبت من القضية الفلسطينية. وفي بعضها تدور حرب مع الإرهاب. لذا، فمن ناحية الأردن ومصر والإمارات والسعودية أيضاً، يبدو أن اتفاق السلام الشامل سيشكل تعزيزاً للخط المعتدل السني، حيال محور إيران والشيعة.
كل الأسباب والشروحات هذه شددت عليها المرة تلو الأخرى أمام رؤساء الوزراء في إسرائيل، وفي كل محفل بحث في علاقات السلام لإسرائيل مع العرب. لأسفي، لم يبادر أي رئيس وزراء إلى أي خطوة في هذا الاتجاه ولا حتى مكالمة لرؤساء الحكم السعودي. غريب لماذا يتملص رؤساء الوزراء في إسرائيل من الموضوع. ربما يريدون إرضاء الإدارة الأمريكية، التي تريد إبقاء مكانتها الوسيط الأكبر بين إسرائيل والعرب، لذا لا يبادرون إلى خطوات في هذا الاتجاه.
خطوة هائلة. أعتقد أنه على إسرائيل قيادة خطى السلام بنفسها وألا تنتظر أحداً. أنا واثق بأنه إذا ما بدأ رئيس وزراء إسرائيلي في خطوة في هذا الاتجاه، وجرت مفاوضات لتحقيق المبادرة، فإن العالم كله سيقف مصفقاً.
اليوم أكثر من أي وقت مضى هو الوقت الصحيح للدفع قدماً بالمبادرة، وأساساً في ضوء الحرب الجارية مع حماس وفي ضوء تحسين العلاقات بين إسرائيل والسعودية والإمارات. أقدر بأنه إذا ما طلبت إسرائيل من السعودية الدفع قدماً بالمبادرة، سيكون هذا بالتوازي خطوة هائلة للتقدم في اتفاق السلام مع السعودية، كون هذه الخطوة ستحترم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وتعظم النفوذ السعودي في المنطقة.
نحن اليوم بحاجة إلى إسناد أمريكي وأوروبي وعربي لإنهاء حكم حماس في غزة، وهذه الخطوة تنخرط جيداً مع مبادرة السلام. خطوة إسرائيلية لتحقيق مبادرة السلام العربية ستحقق لنا الإسناد الدولي لمواصلة القتال وتصفية حكم حماس، ومن جهة أخرى سيكون هذا حجر الزاوية لإقامة تحالف دولي لإعمار غزة وتنفيذ سلام حقيقي مع السلطة الفلسطينية التي ستكون مسؤولة عن غزة أيضاً.
أخشى أن المراوحة في المكان والتملص من اتخاذ القرارات سيمسان بقدرة إسرائيل على إكمال إسقاط حماس، وسيضران بالدعم الأمريكي والعالمي لمواصلة القتال على مدى الزمن، ما قد يؤدي إلى عدم تحقيق أهداف الحرب، وأساساً يؤدي إلى استمرار النزاع وتبذير مقدرات هائلة، دون تقدم في تحقيق سلام مستقر ودائم.
إن القرار في هذا الاتجاه ليس سهلاً، لكن تجاهل إمكانية تحقيق سلام شامل سيكون بكاء للأجيال. أتوقع من رئيس وزراء إسرائيل أن يتجرأ لفحص الطرق لسلام شامل والكفاح من أجل تحقيقه. أما إغماض العيون أمام المبادرة، التي لا تزال على الطاولة وعدم محاولة إجراء بحث مع السعودية على الأقل، حتى بدون تعهد مسبق لقبول كل أجزائها، فسيكون خطأ جسيماً.