العشائر في سوريا “صراع البقاء” على ضفاف الفرات

العشائر في سوريا “صراع البقاء” على ضفاف الفرات

يحيل الاقتتال المستعر والمتجدد بين العشائر العربية وقوات وحدات الحماية الكردية مصير أرض الشرق السوري إلى المجهول بخاصة مع عدم وجود تسوية سياسية واضحة المعالم منذ اندلاع الصراع بين الطرفين، مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، أو حتى بصيص أمل للوصول إلى اتفاق ينهي حالة الحرب الدائرة.

طريق مسدود يشوبه كثير من العقبات وسط منطقة ترزح على صفيح ساخن، وتضج بالتوترات من كل حدب وصوب، فمع صراع العشائر والقوات الكردية أو قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وعودة اشتعال المعارك مجدداً بعد إعلان شيخ قبيلة العكيدات إبراهيم الهفل ما وصفه بـ”النفير العام” ضد قوات قسد.

إعلان “النفير العام” يأتي – بحسب الهفل – نصرة لعشيرة البكارة (إحدى العشائر العربية في المنطقة) بالريف الغربي من دير الزور.

وتتحدث المعلومات الواردة عن مصرع شقيق الشيخ خالد الموزر شيخ قبيلة المناصرة المنحدرة من قبيلة البكارة أثناء ملاحقة عناصر قوات “قسد” لشقيقه قبل إردائه قتيلاً بالرصاص على خلفية مداهمات لمنازل في الريف الغربي للمحافظة.

في غضون ذلك ومع إعلان حالة الحرب من العشائر قبل أيام، كثفت الفصائل المقاتلة التابعة لها هجمات مسلحة على عديد من النقاط لقوات “قسد”، وهو تحالف عسكري لمكونات دينية وطائفية وعرقية تضم العرب والأكراد والمسيحيين والآشوريين والتركمان وغيرهم.

ويجزم مراقبون للشأن السوري بقدرة التأثير الواسع لتسجيلات الشيخ الهفل كمحرك لاشتعال معارك واتساعها، معتبرين بياناته المسجلة رصاصة بداية لتجديد الصراع، إذ سبقتها تسجيلات عدة وجميعها كانت تحمل الرسالة ذاتها وهي النفير العام للعشائر منذ اندلاع الصراع قبل ثلاثة أشهر.
مقابل ذلك تبرر مصادر عشائرية ذات اطلاع إلى كون تحرك القبائل العربية يأتي باعتباره رد فعل على تصرفات “قسد” التي يتفرد الأكراد بالسيطرة المطلقة على قيادتها منذ تشكيلها واعتقالها عشرات الشبان والرجال من القبائل العربية ذات الغالبية السكانية في المنطقة بحجة الانتماء لتنظيم الخلافة أو التعاون مع فلوله.

وكان إنشاء “قسد” بغية حماية المدنيين من خطر الجماعات المتشددة عام 2014 حيث سيطر حينها تنظيم “داعش” الإرهابي على مساحات واسعة في الشمال والشمال الشرقي والبادية، وكان للقوات الكردية بالتعاون مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة دور بارز في إسقاط تنظيم “داعش” عام 2019 بآخر معاقله (الباغوز) ريف دير الزور الشرقي شرق البلاد.

صراع النفوذ

وإزاء ذلك تشير المعلومات الأولية إلى شن هجمات للعشائر بعد فترة هدوء خيم على طرفي النزاع، إذ سبق وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن تسويات عدة لمن حمل السلاح من العشائر، في الوقت ذاته طاولت الهجمات عدداً من المقار على ضفاف الفرات وتحديداً ببلدات زغير جزيرة والشحيل والشنان ودارت اشتباكات عنيفة.

ولعل الضربة الأقوى التي تلقتها القوات الكردية هي مصرع قيادي بارز، شيروان حسن ويطلق عليه “روني ولات” في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ويعد من أبرز أعضاء المجلس العسكري في دير الزور، إثر عملية تصفية نفذها مجهولون بعد خروجه من اجتماع بإحدى قواعد التحالف الدولي في المنطقة، بينما أكد بيان نشر على وسائل التواصل التابعة لقوات العشائر تبنيها استهداف القيادي الكردي بعبوة ناسفة قرب حقل العمر النفطي.

وتحاول قوات سوريا الديمقراطية خفض حدة التوترات واحتواء المشهد وهذا ما يبدو جلياً مع تخفيف حدة رد الهجمات المسلحة التي تستهدف نقاطها والاكتفاء بالدفاع، وسط استخدام العشائر أسلوب تكتيك قتالي جديد يعتمد على (الكر والفر) حين باءت الهجمات المركزة والكثيفة بالفشل، فضلاً عن استخدامها طرائق حرب العصابات، وإطالة أمد الحرب والاعتماد على الضربات الخاطفة، مع توحيد صفوفها في الآونة الأخيرة.

وأبدى في هذا الجانب قائد قوات “قسد” مظلوم عبادي رفضه بأن تتحول مناطق سيطرة قواته في الشمال والشمال الشرقي إلى ساحة معركة بين أميركا وإيران بعد اجتماع دوري ضم قيادات عسكرية لـ”قسد”، ونشر بيان على منصاتها الرسمية، في وقت واظبت على اتهام الفصائل المقاتلة من العشائر بكونها مدعومة من حكومتي دمشق وطهران.

ويفسر رئيس المجلس الأعلى للعشائر العربية في سوريا، الشيخ مضر الأسعد في حديثه لـ”اندبندنت عربية” تجدد المعارك بأنها ناتجة من أعمال الاعتقال المستمرة لأبناء العشائر، وقصف المباني والمنازل المدنية والبلدات والمزارع من مسافات بعيدة، منوهاً بمشاركة قوات من جبال قنديل المدربة بشكل عال من قبل الولايات المتحدة، لكن اليوم وفق رأيه تتجه الحرب إلى كونها سريعة وخاطفة للمحافظة على حياة المدنيين، وسط مشاركة مقاتلين متمرسين.

يأتي كل ذلك وسط خشية أميركا من تزايد التوترات بين فصائل العشائر والقوات الكردية لا سيما تزايد وتيرة المناكفات والهجمات بين فصائل موالية لإيران، حيث تسيطر الولايات المتحدة على أكبر حقول النفط والغاز في المنطقة وحولتها إلى قواعد عسكرية، ولهذا يفسر متابعون عدم التدخل المباشر للقوات العسكرية الأميركية في النزاع الحاصل بين العشائر والأكراد، باستثناء الدعم اللوجيستي والمعلوماتي للقوات الكردية التي تعد حليفة لواشنطن منذ اندلاع الحرب.

وشهدت المنطقة تسيير دوريات عسكرية من الجيش الأميركي خلال الأسبوع الماضي في بلدات مثل الطيانة والشحيل وغيرها والمواقع التي تشهد هجمات متلاحقة من قبل العشائر العربية باتجاه مناطق “قسد” شرق دير الزور.

ترقب وحذر

في المقابل، طالب رئيس مجلس العشائر الشيخ الأسعد القوات الأميركية عدم دعم حزب العمال الكردستاني المصنف على القوائم الاتحاد الأوروبي بالإرهابي، لكن على رغم ذلك تتابع واشنطن تقديم الدعم العسكري والمالي واللوجيستي والإعلامي له.

وأضاف “إذا أرادت أميركا البقاء في المنطقة بالجزيرة والفرات من أجل محاربة الإرهاب لا بد من وضع العشائر العربية لمحاربة الإرهاب بكل صوره وألوانه، وفي حال الاستمرار في دعم القوات الكردية سيخسرون الحاضنة العربية التي تشكل أكثر من 90 في المئة بمنطقة الجزيرة والفرات، ويعني مناصرتهم عدواً رئيساً للعشائر في الحسكة ودير الزور ومنبج وبقية المناطق التي تقع تحت سيطرة الأكراد”.

في هذه الأثناء تعيش قوات “قسد” حالاً من الترقب والحذر حيال ما يدور حولها من تهديدات إن كان من جهة العشائر العربية التي تطمح إلى البقاء على أرضها ومد نفوذها على ضفاف الفرات، أو من جهة الجيش التركي الذي يتربص لاستكمال منطقته الآمنة باجتياح مناطق تسيطر عليها الإدارة الذاتية الكردية، أو من التهديد الداخلي القادم من جيوب وفلول تنظيم “داعش” وخطره القادم من البادية الذي يسعى إلى فك احتباس عشرات الآلاف من زعماء وقادة وعناصر التنظيم المعتقلين والسجناء لدى قوات “قسد”.

وفي حال إفلات عناصر “داعش” السجناء فهذا يعني انفجار أكبر قنبلة موقوتة منذ اندلاع الحرب السورية وعودة للمربع الأول، وكلها تهديدات تحدث على ضفاف الفرات وتحدي البقاء بين جميع أطراف النزاع.