أمير الكويت الجديد أمام إرث من التحديات السياسية والاقتصادية

أمير الكويت الجديد أمام إرث من التحديات السياسية والاقتصادية

تنتظر أمير الكويت الجديد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تحديات سياسية واقتصادية جسيمة لكسب رهان اللحاق بالجيران الخليجيين تنمويا واقتصاديا. وتتوفر لدى الكويت مقدرات مالية هامة لكن الفساد المستشري حال دون ذلك.

الكويت – تأخرت الكويت عن اللحاق بجاراتها الخليجيات بسبب تباطؤ اقتصادها والمشاحنات السياسية التي تشهدها وتعثر الإصلاحات، وهو واقع سيتعين على الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أن يتصدى له بعد أن يؤدي القسم أميرا للبلاد الأربعاء أمام البرلمان.

ومع توليه رسميا قيادة الدولة العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) يُنتظر منه أن يدير شؤون الكويت التي تعاني من عدم استقرار سياسي. فهو يرث دولة شهدت تشكيل خمس حكومات خلال سنة واحدة وتنظيم ثلاثة انتخابات برلمانية في ثلاث سنوات.

وينجم عدم الاستقرار عن خلافات بين شخصيات من الأسرة الحاكمة والبرلمان، ولا يؤدي فقط إلى إبعاد المستثمرين وإنما يعوق كذلك الإصلاحات التي يحتاج إليها الاقتصاد الكويتي المعتمد على النفط بغرض تنويع موارده. ومن ثم ستُناط به أيضا مهمة إنعاش اقتصاد يعوقه الإنفاق العام المتضخم.

وبات الشيخ مشعل، وله خمسة أبناء وسبع بنات، الحاكم السابع عشر للكويت. وسيكون أمامه عام لتسمية ولي العهد، وسط تكهنات بشأن اختيار شخصية من الجيل الأصغر سنًّا والسير على خطى السعودية.

وقال الأستاذ الجامعي بدر السيف إن اختيار ولي العهد سيعكس “الديناميكيات الداخلية للأسرة الحاكمة. وسواء شهدت الكويت أول تحول جيلي منذ عقود أم لا فإن البلاد ستحتاج إلى تحقيق إنجازات على عدة أصعدة”.

والشيخ مشعل الذي يتولى السلطة عن عمر يناهز 83 عاماً شغل مناصب رفيعة في أجهزة الأمن والدفاع الكويتية، واعتاد على تسيير شؤون الحكم نظرًا لتوليه على مدى العامين الماضيين المهام الرئيسية للأمير الراحل الشيخ نَوَّاف الأحمد الجابر الصباح الذي توفي السبت.

وقال عصام الطواري المحلل الكويتي إن الأمير الراحل ترك له “إرثا مليئا بالتحديات” يتطلب إصلاحات جادة وتغييرات في البنى والهيكليات.

ورأى الخبير الاقتصادي وفي شؤون الخليج جاستن ألكسندر “إن القرارات التي سيتم اتخاذها خلال السنوات القليلة المقبلة لها أهمية حاسمة في تحديد ما إذا كانت الكويت ستسير على درب الازدهار على المدى الطويل”.

وقال ألكسندر “يشمل ذلك اعتماد سياسات مالية واقتصادية تضع البلاد على المسار الصحيح وتجاوز الخلافات السياسية التي جعلت الكويت غير قادرة على النهل من إمكاناتها في العقود الأخيرة”.

وتمتلك الكويت، المتاخمة للمملكة العربية السعودية والعراق، 7 في المئة من احتياطيات النفط الخام في العالم. وليس لديها سوى القليل من الديون كما تدير أحد أقوى صناديق الثروة السيادية في العالم.

ومع ذلك، فهي تعاني من المواجهات المستمرة بين النواب المنتخبين ووزراء الحكومة التي يعين الأمير رئيس وزرائها. ومن ثم فإن أسرة الصباح تمسك بزمام الحياة السياسية، على الرغم من النظام البرلماني المعمول به منذ عام 1962.

وحال التعثر السياسي دون إقرار الإصلاحات الضرورية لتنويع الاقتصاد وازداد الوضع قتامة بسبب العجز المتكرر في الميزانية وتدني الاستثمار الأجنبي.

ويقول ألكسندر إن “الاختبار الأول للشيخ مشعل سيكون اختيار ولي العهد” وسط تكهنات حول ما إذا كانت هذه المهمة ستنتقل إلى الجيل الجديد. وهو وفق الدستور الكويتي، أمامه عام واحد ليقرر، علمًا أن الأمير الراحل فعل ذلك في خلال سبعة أيام.

وسيتعين عليه أيضًا اختيار رئيس وزراء جديد لتشكيل حكومة جديدة، وهي خطوة ستحدد طبيعة العلاقات مع مجلس الأمة الذي يضم في صفوفه ممثلين عن المعارضة.

وقال بدر السيف الأستاذ في جامعة الكويت إن سلاسة الحكم ستتوقف إلى حد كبير على “التعاون بين الحكومة والبرلمان”.

وفي خطابه في مستهل الدورة الجديدة للمجلس في أكتوبر، انتقد الشيخ مشعل النواب والحكومة لفشلهم في الارتقاء إلى مستوى ما هو منوط بهم.

وعلى الصعيد الداخلي، قال الطواري إن “إصلاح القطاع العام.. هو أولوية واضحة (أخرى)”، في حين تعاني الكويت من الإنفاق الحكومي المتضخم والبيروقراطية المفرطة.

وخصصت مسودة ميزانية 2023 – 2024 التي نشرت هذا العام أكثر من 86 مليار دولار للإنفاق الحكومي، منها 80 في المئة لأجور الخدمة المدنية والدعم العام.

لكن في الخامس من ديسمبر، أمر الشيخ مشعل بإيقاف التوظيف في قطاعات الدولة لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، في ما يعد إشارة إلى التحرك لمعالجة المشكلة.

وقالت هيلة المكيمي أستاذة العلوم السياسية في جامعة الكويت إن إعادة هيكلة مؤسسات الدولة ستكون على رأس أولويات الشيخ مشعل.

وأضافت “من بين أهم أولويات أمير البلاد هو ضخ دماء شبابية في المناصب القيادية وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة بدمج البعض وإنشاء أخرى جديدة علاوة على تنويع مصادر الدخل”.

وأمضى الشيخ مشعل سنوات عديدة في وزارة الداخلية وكان نائبا لرئيس الحرس الوطني الكويتي من 2004 إلى 2020. وقضى معظم سنواته العملية في جهاز الأمن والمخابرات الكويتي، ونأى بنفسه عن الخلافات المريرة داخل الأسرة الحاكمة.

وهو يتولى مقاليد الحكم في فترة حرجة بالنسبة إلى دول الخليج المنتجة للنفط وسط دعوات متزايدة للتحول في مجال الطاقة.

فالكويت، العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، واحدة من أكثر المناطق التي تعاني من ارتفاع الحرارة على وجه الأرض، ولكنها ما زالت تعتمد على النفط كمصدر رئيسي للعائدات.

وفي حين خطت جارتاها، السعودية والإمارات، خطوات واسعة نحو تنويع اقتصاداتهما، ما زالت الكويت بعيدة عن ذلك.

وقال بدر السيف إن “المشروع الرئيسي للبلاد يجب أن يكون إدارة انتقالها بأمان إلى عصر ما بعد النفط”. وهي خطوة ضرورية بعد أن وافقت أكثر من 190 دولة على أول دعوة على الإطلاق للتحول نحو التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري في ختام مفاوضات المؤتمر الثامن والعشرين للأمم المتحدة للمناخ في دبي الأسبوع الماضي.

وعلى صعيد السياسة الخارجية، قال السيف إنه من غير المتوقع أن يشهد تغييرًا كبيرًا بالنسبة إلى الكويت، حليفة الولايات المتحدة وتحافظ مع ذلك على علاقات جيدة مع إيران وجاراتها في الخليج العربي.

وأضاف إن الأمير مشعل “يكن احتراماً كبيراً للسعودية ولتحوّلها”.

ووصف المحلل السعودي سليمان العكيلي الرياض بأنها “صمام أمان للكويت”. وأضاف أن “كل حكام الكويت كانوا يدركون أهمية العمق الإستراتيجي للعلاقات السعودية – الكويتية والشيخ مشعل بلا شك سيسير على ذلك النهج السياسي”.

العرب