شكل اتفاق مؤتمر المناخ “كوب-28” الذي يدعو إلى التخلي تدريجيا عن الوقود الأحفوري، بما في ذلك الفحم والنفط والغاز الطبيعي، والانتقال نحو الطاقة المتجددة والمستدامة، معضلة اقتصادية كبيرة في دول الخليج التي تعتمد على النفط موردا أساسيا لدخلها القومي.
ويتضمن اتفاق “كوب-28” الذي اختتم مؤخرا في الإمارات، التزام الدول الموقعة باتخاذ إجراءات للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بما في ذلك خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري، وينص الاتفاق على أن الدول الموقعة ستعمل على الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة، ودعم البحث والتطوير في مجال الطاقة النظيفة.
وعقب الإعلان عن هذا الاتفاق، ثارت تساؤلات عدة حول تأثير هذا الاتفاق على صادرات دول الخليج من النفط والتحديات الاقتصادية التي ستواجهها مستقبلا.
وتباينت الآراء بين الخبراء في مجال الطاقة والنفط حول تأثير هذا الاتفاق على صادرات الخليج، فالبعض يرى أن تنفيذ التوصيات التي تضمنها الاتفاق قد يؤدي إلى تراجع تدريجي في الطلب على النفط العالمي، مما قد يؤثر سلبا على صادرات الخليج. في حين يعتقد البعض الآخر أن الطلب على النفط سيظل قويا في المدى المتوسط، وبالتالي فإن صادرات الخليج لن تتأثر بشكل كبير.
مسألة شائكة
وفي هذا الصدد يقول الخبير النفطي الكويتي كامل الحرمي إن توصيات مؤتمر “كوب-28” بشأن التخلي عن الوقود الأحفوري لا يوجد نطاق زمني محدد لتطبيقها، بالإضافة إلى أن خفض الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري هي مسألة صعبة وشائكة، وبخاصة من جانب الدول المنتجة والمصدرة للنفط.
ويقول الحرمي، في حديث للجزيرة نت، إنه من المتوقع أن يؤدي انتقال الدول الصناعية الكبرى إلى تطبيق توصيات اتفاق “كوب-28” إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط على المدى الطويل، وذلك لأن هذه الدول ستحتاج إلى وقت لتنفيذ سياسات التحول إلى الطاقة النظيفة، التي ستؤدي إلى انخفاض اعتمادها على الوقود الأحفوري، بما في ذلك النفط.
ويوضح أنه رغم أن هذا الانخفاض سيكون تدريجيا على مدى السنوات القادمة، فإنه من المتوقع أن يكون له تأثير كبير على صادرات الخليج من النفط.
ويضيف الحرمي “في الوقت الحالي، تواجه الدول الخليجية منافسة شديدة بسبب الكميات الكبيرة من النفط القادمة من أميركا وكندا والبرازيل، وتنتج هذه الدول كميات كبيرة من النفط الخام، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار العالمية للنفط، وذلك لأن هذه الكميات ستؤدي إلى زيادة المعروض العالمي من النفط، مما سيؤدي إلى انخفاض الأسعار”.
وأشار إلى أن هذه الكميات تضغط على دول أوبك بلس لخفض إنتاجها، وذلك في ظل سعيها للحفاظ على أسعار النفط عند مستويات مناسبة لها، متوقعا أن ينخفض سعر النفط في قادم الأيام.
مواجهة التحديات
وتوقع الخبير النفطي أن يؤدي انخفاض سعر النفط إلى ضغط على ميزانيات الدول النفطية، بما في ذلك الدول الخليجية، وذلك لأن هذه الدول تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط لتمويل ميزانياتها، مشددا على أنه لمواجهة هذا التحدي، لا بد للدول النفطية من التخطيط للمستقبل واتخاذ إجراءات لتنويع اقتصاداتها وخفض اعتمادها على النفط.
ويرى الحرمي أنه لمواجهة هذه التحديات، تحتاج الدول الخليجية إلى اتخاذ إجراءات إستراتيجية، بما في ذلك:
من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي السعودي تركي فدعق أن تطبيق هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مؤتمر “كوب-28” سيستغرق ما بين 10 و20 عاما، وبالتالي لن تظهر أي تأثيرات لهذا الاتفاق خلال عقد كامل على الأقل.
ويشير فدعق، في حديث للجزيرة نت، إلى أن دول الخليج تدرك أن العالم يتجه تدريجيا نحو التخلي عن الوقود الأحفوري، وعليها أن تساير هذا الاتجاه، وأحد السبل لتحقيق ذلك هو التحول إلى الطاقة النظيفة والمتجددة والمنتجات البتروكيميائية.
ويضيف أنه مع توجه العالم نحو الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بدلا من الوقود الأحفوري، وبما أن الوقود الأحفوري يُستخدم بشكل رئيسي في السيارات، فإن انخفاض الطلب على الوقود الأحفوري سيؤثر سلبا على صادرات النفط في دول الخليج، لافتا إلى أنه بسبب ذلك، تسعى دول الخليج إلى التحول إلى المنتجات النفطية التي يمكن أن تستخدم في مجموعة متنوعة من الصناعات.
جانب من مؤتمر “كوب-28” بشأن المناخ الذي عقد في دبي في الفترة بين 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/كانون الأول (شترستوك)
تأثير على المدى البعيد
ويعتبر فدعق أن هذه الخطوة ضرورية لدول الخليج للاستعداد للمستقبل، حيث إن الطلب العالمي على الوقود الأحفوري سيستمر في الانخفاض في السنوات القادمة، مشيرا إلى أنه وفق آخر الدراسات فإن نسبة الوقود المستخدم في وسائل النقل المختلفة تمثل أكثر من 50% من إجمالي الوقود المنتج عالميا.
وعما إذا كان اتفاق “كوب-28” سيؤثر على حجم النفط الذي تنتجه دول الخليج، يشير الخبير الاقتصادي السعودي إلى أن التغير في مستويات الإنتاج يتماشى مع التغير في مستويات الطلب، موضحا أن مستويات الإنتاج يحددها حجم الطلب العالمي، ومستويات الطلب يحددها النمو الاقتصادي في العالم الذي سيتم تعويض جزء منه بالبدائل التي تحل محل الوقود مثل السيارات الكهربائية وغيرها من وسائل الطاقة المتجددة.
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي أحمد عقل أن قرارات “كوب-28” وغيرها من التجمعات العالمية بشأن المناخ لها تأثير على المدى المتوسط والطويل في موضوع النفط، لافتا إلى أن فكرة التحول من الوقود الأحفوري والاستغناء عنه راودت الكثير منذ فترة طويلة، والعمل على تطبيقها على أرض الواقع ليس بالأمر السهل.
ويقول عقل، للجزيرة نت، إن إنتاج العالم حاليا من النفط يفوق أكثر من 100 مليون برميل يوميا، وهذه احتياجات العالم من الطاقة، والوسائل التقنية والتكنولوجية الموجودة للاستغناء عن هذه المصادر وتحويلها إلى مصادر متجددة وصديقة للبيئة ليست كافية حتى الآن، ولكن العمل عليها وإيجاد حلول لهذا الأمر عمل مستمر، ليس فقط بهدف الحفاظ عل البيئة ولكن بهدف اقتصادي أيضا يتمثل في تقليص الدول لنفقاتها على الوقود الأحفوري.
ويتوقع ألا تحدث تأثيرات تذكر على المدى القريب فيما يخص صادرات الخليج بسبب اتفاق “كوب-28″، لافتا إلى أنه “مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ومع بداية وقف إمدادات النفط الروسي رأينا كيف بحثت جميع الدول عن مصادر وممولين جدد للغاز وللنفط ولم تكن مصادر الطاقة المتجددة كافية لسد حاجات السوق الأوروبية وبعض الدول فيها”.
ويتفق مع الآراء السابقة الخبير الاقتصادي القطري خالد الخاطر الذي يرى صعوبة نجاح هذا التحول، مشيرا إلى أنه حتى في حال نجاحه فسيحتاج فترة زمنية طويلة.
ويعرب الخاطر، في حديث للجزيرة نت، عن اعتقاده أن الهدف من هذا الاتجاه العالمي في نهاية المطاف هو تحميل الدول المنتجة والمصدرة للنفط ضريبة أو تكلفة التلوث الذي تعاني منه الكرة الأرضية.
المصدر : الجزيرة