الحوثيون… في خدمة إسرائيل؟

الحوثيون… في خدمة إسرائيل؟

تكاد تتحوّل تداعيات الحرب على قطاع غزة إلى معركة إقليمية بتأثيرات عالمية، خصوصاً في ضوء التطوّرات التي يشهدها البحر الأحمر إثر الاعتداءات الحوثية على الملاحة في مضيق باب المندب، وهو أحد أهمّ المضائق البحرية الذي تعبر فيه 40 في المئة من التجارة العالمية. وضخامة هذا التهديد دفعت وزير الدفاع الأميركي إلى إعلان إنشاء تحالف دولي لردع هذه التهديدات.

وبالتالي فإنّ ما يجري أخذ يفرض النظر في أيّ تطوّرات تتّصل بالموقف الإيراني وكيفية التعامل مع طهران على المستوى الدولي. فيما تدور تساؤلات كثيرة حول ما إذا كانت إيران لا زالت تستفيد في المنطقة من كلّ ما يجري منذ عملية طوفان الأقصى، أم أنّ ما جرى وتداعياته سينعكسان عليها سلباً، وهو ما سيجعل نتيجة خطوة حركة حماس “توريطاً” لطهران.

تكاد تتحوّل تداعيات الحرب على قطاع غزة إلى معركة إقليمية بتأثيرات عالمية، خصوصاً في ضوء التطوّرات التي يشهدها البحر الأحمر إثر الاعتداءات الحوثية على الملاحة في مضيق باب المندب

مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، اتّخذت القوى المنضوية في المحور الإيراني مواقف واضحة حول دعم المقاومة الفلسطينية، والقيام بعمليات من مناطق مختلفة، أهمّها جنوب لبنان، اليمن، والعراق. بقي جنوب لبنان في إطار عمليات مضبوطة ومدروسة، وهي في كلّ الأحوال تبقى مبرّرة “نظرياً” باعتبار أنّ لبنان على حدود إسرائيل، وله أراضٍ محتلّة يعمل على المقاومة في سبيل تحريرها. أمّا العمليات التي نفّذها الحوثيون في البحر الأحمر، وعمليات الميليشيات العراقية ضدّ المواقع والقواعد الأميركية، فتأخذ بعداً آخر، وطابعاً مختلفاً.

تهديد مصر… وقناة بن غوريون

في الأيام الأولى للمعارك بدت طهران وكأنّها تكسب بالنقاط، وأنّها صاحبة الدور الأبرز في أيّ مسار أو قرار يتّصل بالوضع في المنطقة، ولا يمكن الذهاب إلى أيّ اتفاقات بدون التفاهم معها. وربّما هذا ما أصرّت على تثبيته أيضاً من خلال عمليات الميليشيات في العراق واليمن لجعل التفاوض مباشراً مع الأميركيين، وكي تكون شريكة في مستقبل صناعة الوضع بالمنطقة ما بعد الحرب على غزة. أمّا في لبنان فلم تستخدم طهران قوّتها الأبرز في المنطقة ككلّ. خصوصاً أنّ الحزب يحتفظ بمكاسب سياسية لا يمكن التضحية بها في أيّ حرب، لأنّها ستؤدّي إلى انهيار شامل في شبكة الأمان اللبنانية وإلى تدمير كبير في لبنان. وهناك تقاطع إيراني أميركي على رفض الحرب في لبنان، وعلى الذهاب إلى مفاوضات سياسية تعيد إنتاج الصيغة التي أرست الاستقرار بين عامَي 2006 و2023.

لكنّ العمليات ضدّ مواقع الأميركيين وضدّ الملاحة في البحر الأحمر يبدو أنّها بدأت تتحوّل عبئاً على إيران وحلفائها. خصوصاً أنّ الأميركيين سيكونون معنيّين أوّلاً بالردّ على الضربات التي طالت قواعدهم وإن لم تؤدِّ إلى سقوط أيّ إصابات في صفوفهم، لكنّ المسألة ترتبط بالهيبة وبالموقف. ولا بدّ من انتظار الردّ الذي لا يعلم أحد كيف سيكون شكله. أمّا ما يتّصل بعرقلة الملاحة في البحر الأحمر، فإنّ المشكلة عالمية، ولذلك شكّلت واشنطن تحالفاً دولياً لحماية هذه الملاحة في البحر الأحمر، خصوصاً أنّه لا يمكن للولايات المتحدة الأميركية التخفّف من أحمال “تكاليف الأمن العالمي” في هذا النظام العالمي الذي تعتبر نفسها تديره والمنتصرة فيه. وهذا يستوجب توجيه ضربات للحوثيين لاحقاً.

مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، اتّخذت القوى المنضوية في المحور الإيراني مواقف واضحة حول دعم المقاومة الفلسطينية، والقيام بعمليات من مناطق مختلفة، أهمّها جنوب لبنان، اليمن، والعراق

هنا أيضاً لا يمكن إغفال التداعيات السلبية لتعطيل الملاحة في مضيق باب المندب، على العديد من الدول، لا سيما أنّ ذلك له تأثير سلبي على عمل قناة السويس، وبالتالي هو استهداف لمصر. وقد يدفع الأمر بتل أبيب إلى البحث عن اعتماد ممرّات بحريّة أخرى، وهذا بمعناه الاستراتيجي قد يخدم نظرية “تشييد” قناة بن غوريون، وبذلك يكون الحوثيون قد أفادوا الإسرائيليين استراتيجياً ولم يلحقوا بهم أيّ ضرر، بل أوقعوا الخسائر في صفوف العرب، ولم تساند عملياتهم الفلسطينيين ولا قطاع غزة الذي أصبح على طريق الدمار النهائي وانعدام مقوّمات الحياة فيه.

بانتظار قرار بايدن “الاستراتيجي”

لا بدّ من انتظار آلية العمل الأميركية، لكن ممّا لا شكّ فيه أنّ هناك إرباكاً كبيراً تعانيه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي تظهر ضياعاً في إدارة الملفّات. وهذا الضياع ليس وليد اللحظة أو الحرب، بل يعود إلى لحظة رفع الحوثيين عن لائحة الإرهاب. فيما يتمّ الآن التفكير في إعادة تصنيفهم على لائحة الإرهاب. ما جرى يثبت مجدّداً صوابية الموقف السعودي، وسط تخاذل أميركي كبير في دعم الحلفاء خلال الحرب على اليمن، التي كانت في نتائجها الاستراتيجيّة حرباً على المضائق والممرّات البحرية، وتهديداً للأمن القومي العربي عموماً، والخليجي خصوصاً.

إقرأ أيضاً: حماس و”ترتيب البيت”: الانضمام إلى “المنظمة”؟

في حال كانت واشنطن جدّية في بناء التحالف لحماية الملاحة بالبحر الأحمر ومواجهة الحوثيين، فهي لا بدّ أن تقدم على عمليات واضحة من شأنها الضغط على إيران في المنطقة ككلّ. وما يسري على اليمن سينطبق على العراق أيضاً، وهو ما يعني تكثيف الضغوط على طهران التي ستجد نفسها مضطرّة إلى التفاوض وتقديم تنازلات على قاعدة “إيران منضبطة.. إسرائيل آمنة ومستقرّة”. أمّا في حال لم تكن الاتجاهات الأميركية جدّية، فإنّ واشنطن ستحاول مجدّداً إعادة تفعيل المشكلة “السعودية الإيرانية” من خلال تسعير التوتّر في اليمن، وبذلك تضرب مندرجات اتفاق بكين، والتقارب السعودي الإيراني. وهذا يعني اعتماد سياسات مشابهة للسياسات الأميركية في المنطقة منذ عام 2003 إلى اليوم، التي كانت تستهدف المصالح العربية ككلّ. في هذا الإطار لا بدّ من إلقاء نظرة على زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمملكة العربية السعودية، ولقائه الأمير محمد بن سلمان، وبعدها استقباله للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. وبحسب المعلومات فإنّ بوتين أبلغ رئيسي بضرورة عدم “اللعب” مع السعوديين. وذلك لا ينفصل عن اللقاء الإيراني السعودي الأخير في الصين لمتابعة بحث تطبيق الاتفاق.