ظهرت إلى العلن مؤخرا خطة مصرية يتم التباحث بشأنها لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق عملية سياسية شاملة. وتصطدم خطة القاهرة بتناقض حاد في مطالب طرفي الصراع وهو ما يضع قبولها محل تشكيك.
غزة – يشكك محللون في قدرة خارطة الطريق المصرية لإنهاء الحرب في غزة على تحقيق اختراق في جدار الأزمة وإيجاد أرضية مشتركة بين إسرائيل العازمة على تدمير حماس بأي ثمن ورفض حماس التفاوض على المزيد من عمليات تبادل الأسرى دون موافقة إسرائيل على وقف دائم لإطلاق النار والانسحاب من غزة.
ويرى المحللون أن تقريب وجهات النظر لكيفية إيقاف الحرب مهمة شاقة إن لم تكن مستحيلة جراء التباينات العميقة بين طرفي الصراع، إلا أن ظروفا إقليمية ودولية قد تدفع في نهاية المطاف إلى إيقاف الحرب وفق “صفقة” ما تحفظ ماء وجه الطرفين.
وتجري مصر محادثات مع حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين في محاولة للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في الحرب مع إسرائيل في قطاع غزة، والتي أسقطت حتى الآن عشرات الآلاف من القتلى والمصابين ودمرت القطاع الذي تديره حماس وشردت أغلب سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
وتقترح القاهرة خطة من ثلاث مراحل لإنهاء الحرب على غزة لا تلبي، حسب مراقبين، المطالب الإسرائيلية والفلسطينية المتبادلة.
التخلي عن السلطة
إسرائيل منفتحة على تهدئة أخرى، لكنها رفضت مطالب المسلحين الفلسطينيين بإنهاء الحرب وسحب القوات من غزة
قال مصدران أمنيان مصريان إن مصر تقترح أن تتخلى حماس والجهاد عن السلطة في قطاع غزة مقابل وقف دائم لإطلاق النار.
وأضافا أن مسؤولي حماس والجهاد رفضوا مثل هذا المقترح. ونفى مسؤولون من الحركتين علنا ما قاله المصدران.
وتصر قيادات الحركتين على أن مستقبل قطاع غزة بعد الحرب يجب أن يقرره الفلسطينيون أنفسهم وليس وفقا لإملاءات خارجية.
وتريد إسرائيل تدمير الحركتين وقال مساعدون لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن هذا يعني تفكيك القدرات العسكرية وقدرات الإدارة لدى الجماعتين “ونزع التطرف” عن سكان قطاع غزة. ولم يتضح بعد إن كانت إزاحة الحركتين المقترحة عن السلطة ستفي بتلك المطالب.
قال المصدران الأمنيان المصريان إن القاهرة تقترح وقفا لإطلاق النار على عدة مراحل، على أن تكون المرحلة الأولية مؤقتة لمدة أسبوع أو أسبوعين. ومن الممكن تجديد وقف إطلاق النار المؤقت.
وقال مسؤولون فلسطينيون إن وقف إطلاق النار سيكون من ثلاث مراحل، فخلال أول عشرة أيام من هدنة إنسانية تطلق حماس سراح كل النساء والأطفال والمسنين المحتجزين لديها.
وفي المقابل تطلق إسرائيل سراح عدد متفق عليه من السجناء الفلسطينيين من نفس الفئات وتوقف كل العمليات القتالية وتسحب الدبابات من القطاع وتسمح بإيصال المساعدات الغذائية والطبية والوقود وغاز الطهو. وتسمح كذلك بعودة السكان إلى شمال قطاع غزة.
أما المرحلة الثانية فتتضمن إطلاق حماس سراح كل المجندات الإسرائيليات المحتجزات لديها. في المقابل تطلق إسرائيل سراح مجموعة أخرى من الفلسطينيين من سجونها. كما يتبادل الجانبان جثثا محتجزة لكل طرف لدى الآخر منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وقد تستمر المرحلة الثالثة لمدة شهر وبناء على ما ستسفر عنه المفاوضات ستشهد إطلاق سراح كل المحتجزين لدى حماس مقابل عدد متفق عليه من السجناء الفلسطينيين. وستسحب إسرائيل الدبابات من قطاع غزة وسيوقف الجانبان كل الأنشطة القتالية.
حماس تصر على أن إبرام صفقة لتبادل الرهائن يجب أن يؤدي إلى إطلاق سراح كل الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية
وقالت مصادر مصرية إن حركتي حماس والجهاد الإسلامي اللتين تجريان محادثات منفصلة مع وسطاء مصريين في القاهرة، لن تتوقفا عن القتال ما لم يتوقف “العدوان” الإسرائيلي.
وردا على سؤال عن المبادرات المطروحة على حماس بشأن وقف إطلاق النار، قال أسامة حمدان القيادي في الحركة بمؤتمر صحفي في لبنان إن هناك أفكارا كثيرة مطروحة تتعامل معها حماس على أساس رغبتها في “وقف شامل للعدوان وليس هدنا” مؤقتة. وأضاف أن الحركة منفتحة على الأفكار التي قد تؤدي إلى ذلك.
وتصر حماس والجهاد الإسلامي على أن إبرام صفقة لتبادل الرهائن يجب أن يؤدي إلى إطلاق سراح كل الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية. وقال مسؤول كبير في حركة الجهاد الإسلامي “الكل مقابل الكل”.
وإسرائيل منفتحة على تهدئة أخرى، لكنها رفضت مطالب المسلحين الفلسطينيين بإنهاء الحرب وسحب القوات من غزة.
ويقول محللون إن الاقتراح المصري يسعى إلى المناورة بحقول الألغام من خلال اقتراح مبادلة جميع رهائن حماس المتبقين بجميع الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، والذين يقدر عددهم بأكثر من 7000، على ثلاث مراحل على مدى فترة تصل إلى شهرين يوقف خلالها الطرفان إطلاق النار.
ويشير هؤلاء إلى أن الاقتراح ربما سيسمح لحماس بالتخلي عن مطلبها بوقف دائم لإطلاق النار كشرط مسبق لتبادل الأسرى.
قال مصدر مصري إن فكرة إدارة غزة في مرحلة ما بعد الحرب طرحت، فيما ذكر مسؤولون فلسطينيون أن الفكرة ليست جزءا أو شرطا لمقترح وقف إطلاق النار.
وعلى افتراض أن هدف إسرائيل المتمثل في تدمير حماس غير واقعي، فإن الخطة تتصور كذلك إجراء محادثات مصالحة بوساطة مصرية وقطرية بين حماس وغريمتها السياسية حركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الضفة الغربية.
وترى مصر أن التوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين من شأنه أن يفتح الباب أمام حماس لكي تصبح جزءاً من الإدارة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية والانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وهي مظلة فلسطينية شاملة.
وتدعم القاهرة محادثات لتشكيل حكومة تكنوقراط تتولى إدارة مساعدات الإغاثة وإعادة إعمار غزة وإجراء انتخابات تشريعية. وستشهد المرحلة الأخيرة من المقترح انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة والسماح للنازحين بالعودة.
وتقول دوائر سياسية إن بعض مسؤولي حركة حماس المنفيين يفضلون المصالحة مع فتح التي تنطوي على شكل من أشكال الاعتراف الضمني أو الصريح بإسرائيل بينما ترفض قيادة غزة الميدانية التنازلات.
وتضيف الدوائر أنه إذا أثبت المسؤولون في المنفى نجاحهم، فيمكنهم إحداث نقلة نوعية في ديناميكيات حرب غزة والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني مثلما حدث في اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل ونبذ العنف في الثمانينات.
لكن حماس ترفض حتى الآن نموذج منظمة التحرير الفلسطينية وتقول إن النموذج فشل في إنتاج دولة فلسطينية مستقلة وساهم في إضعاف الفلسطينيين منذ توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993.
وعلى النقيض من إسرائيل، تريد الولايات المتحدة أن ترى سلطة فلسطينية قادرة وفعالة تحكم الضفة الغربية وقطاع غزة.
ونتيجة لذلك قد تجبر المصالحة الفلسطينية الولايات المتحدة على ممارسة ضغط على إسرائيل امتنعت عن ممارسته حتى الآن.
وإلى حد الآن فشلت الولايات المتحدة في إقناع إسرائيل بفكرة تغيير تكتيكاتها العسكرية من أجل الحد من الخسائر البشرية البريئة في صفوف الفلسطينيين.
وأعاقت إسرائيل أيضًا جهود إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لجعل السلطة الفلسطينية، التي فقدت مصداقيتها والمتعطشة إلى السيولة، قابلة للحياة وأكثر ملاءمة للغرض من خلال رفض الإفراج عن 140 مليون دولار من أموال الضرائب الفلسطينية المجمدة منذ 7 أكتوبر حتى تتمكن السلطة من دفع الرواتب.
العرب