الخرطوم – كشف اللقاء الذي عقدته تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) مع قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) عن وجود رغبة ملحة من الطرفين في التوصّل إلى حل سياسي يقضي بوقف الحرب الراهنة، ما يضيّق الخناق على قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وأطراف أخرى تستهدف إطالة أمد الصراع لضمان البقاء في السلطة وإفشال عملية التحول الديمقراطي.
والتقى حميدتي مساء الاثنين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا برئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك، الذي يقود تحالف “تقدم”، إلى جانب عدد من السياسيين أغلبهم ينتمون إلى قوى الحرية والتغيير (التحالف الحكومي السابق في السودان).
ووقع الطرفان عقب اللقاء على إعلان سياسي مشترك يتضمن تفاهمات، من بينها تشكيل لجنة مشتركة لإنهاء الحرب.
وتصدر ملف وقف الحرب ومنح أولوية للقضايا الإنسانية جدول اجتماع جرى استكماله الثلاثاء وسط توقعات بالإعلان عن مخرجات نهائية لعرضها على الرأي العام.
لقاء حميدتي وحمدوك وضع مناصري استمرار الصراع في مأزق أمام الشعب الذي يريد إنهاء الحرب المأساوية التي تضرر منها السودانيون
وقالت رشا عوض المتحدثة باسم “تقدم” إن “اللقاء ركز على القضية الإنسانية وحماية المدنيين وإيصال المساعدات”، مضيفة أن “المناقشات سوف تبحث أيضا مسألة التوصل إلى اتفاق لوقف العداوات، وهو أمر مرتبط بالأزمة الإنسانية في البلاد”.
وأوضحت أن تحالف “تقدم” طرح خارطة طريق أعدها لإنهاء الحرب واستعادة السلام والتحول المدني الديمقراطي، ضمن رؤيته للترتيبات السياسية لمرحلة ما بعد الحرب، لافتة إلى أن “التحالف قدم دعوة مماثلة للقاء البرهان، وبانتظار الرد عليها”.
ويعد لقاء أديس أبابا اختراقا جديدا لجهود إنهاء الحرب في السودان، والتقارب بين قوات الدعم السريع والقوى المدنية يشي بوجود تفاهم بشأن المسارات السياسية التالية لخطوة وقف إطلاق النار.
وأكد قائد الدعم السريع من خلال اللقاء تأييده لوقف إطلاق النار والذهاب باتجاه الحلول السياسية بعد أن واجهت قواته اتهامَ ارتكابِها انتهاكات ضِمن مناطق سيطرت عليها في ولاية الجزيرة أخيرا.
وجاء لقاء حميدتي و”تقدم” عقب إرجاء اجتماع كان سيعقد بين قائدي الجيش والدعم السريع في جيبوتي، وهو ما جعل الثاني أكثر استجابة لنداء تحالف “تقدم” الذي طلب اللقاء مع القائدين في خطاب وجهه حمدوك قبل نهاية ديسمبر الماضي.
وأوضح المحلل السياسي السوداني حاتم إلياس أن اللقاء وضع مناصري استمرار الصراع في مأزق أمام الشعب الذي يريد إنهاء الحرب المأساوية التي تضرر منها السودانيون بشكل بالغ والآن يرغبون في السلام العادل دون اللجوء إلى تكتيكات من شأنها إطالة أمد المعارك أو ذات علاقة باعتبارات حزبية ضيقة، ما يشير إلى أن تحالف “تقدم” والدعم السريع سبقا الجهات الداعية إلى الحرب بخطوات كبيرة.
وأضاف إلياس في تصريح لـ”العرب” أن “أهمية اللقاء تكمن في أن الشعب مقتنع بأن قائد الدعم السريع على قيد الحياة، وأن عملية ترويج وفاته عادت على أصحابها بنتائج عكسية، وأن الرغبة في الانحياز إلى الجيش بها عاطفة تحجب الحقائق الميدانية”.
ولفت إلياس إلى أن “نجاح الحوار المزمع بين حميدتي والبرهان يرتبط بمدى تخلص الأخير من مراكز القوى التي تحيط به، وفي هذه الحالة يمكن نجاح جهود السلام، غير أن الواقع يشير إلى أن البرهان محاصر في السلطتين العسكرية والسياسية”.
وتعد زيارة حميدتي إلى أديس أبابا الثانية في أقل من أسبوع؛ إذ وصل إلى إثيوبيا الخميس الماضي قادما من أوغندا في أول رحلة خارجية منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي.
وأكد حميدتي في خطاب له أدلى به بمناسبة عيد الاستقلال أن قوات الدعم السريع لا تنوي أن تكون بديلا عن الجيش، داعيا القوى المدنية إلى اتخاذ خطوات جدية لبدء حوار ينهي الحرب وتشكيل حكومة جديدة وبناء نظام يحقق سلاما ويعالج أسباب الحرب.
وأشارت انتصار محمد الطيب، عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، إلى أن “لقاء حميدتي و’تقدم’ هام بالنسبة إلى القوى المدنية التي تستهدف إيصال رسالة إلى المجتمع الدولي يفيد مضمونها بأن هناك مسارا تتوافق عليه عدة قوى سياسية، ولا بد أن تكون حاضرة في أي مسعى لإنهاء الحرب والتخطيط لما هو أبعد من ذلك”.
وذكرت لـ”العرب” أن “تحالف ‘تقدم’ يرمي للتوصل إلى حد أدنى من التوافق مع قائد الدعم السريع حول خطته بشأن الملفات المتعلقة بالفترة التالية لوقف الحرب”.
وأوضحت الطيب أن “اللقاء هدف إلى بناء إجراءات الثقة بين القوى المدنية والدعم السريع وإرسال إشارات إلى المجتمع الدولي تفيد بأن هناك قوى سياسية موحدة ترغب في تأسيس مسار توافقي مع القوى المتحاربة، بما يسهم في الحصول على دعم دولي للجهود السياسية يساعد على توسيع دائرة القوى المنضوية تحت لواء ‘تقدم’”.
وقدمت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية رؤية للحل تتكون من أربعة محاور، تتمثل في الاتفاق على وقف إطلاق النار وفتح مسارات آمنة للسكان ومعالجة الأزمة الإنسانية ثم الدخول في عملية تشمل الإصلاح الأمني والعسكري وقضايا العدالة الانتقالية وإعادة البناء المؤسسي لأجهزة الدولة.
وأكدت الطيب أن الصراع الضاري حاليا هو بين قوات الدعم السريع وكتيبة البراء وغيرها من الكتائب المحسوبة على فلول البشير، وأن قادة الجيش ليس لهم حضور في المشهد العسكري مع توالي انسحاب حاميات الجيش في عدة ولايات، ما يثبت عدم وجود رغبة في القتال ويفتح الباب أمام ضرورة الإصلاح الهيكلي للجيش.
ومن المتوقع إرجاء نقاط مثل معاقبة مرتكبي الجرائم ضد المدنيين إلى مرحلة لاحقة إلى حين التوافق على الخارطة السياسية المستقبلية لمرحلة ما بعد الحرب.
وأعلنت التنسيقية دعمها لمنبر جدة التفاوضي ومبادرة الاتحاد الأفريقي التي طرحت في الخامس والعشرين من يونيو الماضي، وتتبنى خطة تدمج بين رؤية منبر جدة ومقترحات الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد”، وتنص على إجراءات تؤدي إلى وقف الحرب وإطلاق عملية سياسية تفضي إلى انتقال السلطة من الجيش إلى المدنيين.
العرب