تفجيرات إيران في ذكرى سليماني… السيناريوهات والدلالات والتوظيف

تفجيرات إيران في ذكرى سليماني… السيناريوهات والدلالات والتوظيف

شهدت إيران الأربعاء تفجيرين في محافظة كرمان قرب قبر قاسم سليماني في الذكرى الرابعة لاغتياله في العراق على يد الولايات المتحدة، وقُتل نحو أكثر من مئة شخص. تنبع أهمية الحادثة مما حملته من دلالات لارتباطها بالسياق الإقليمي الحالي، حيث العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.
جاء الانفجار خلال الاحتفال الإيراني في الذكرى الرابعة لمقتل سليماني، وسبق ذلك تصريحات لمسؤولين الإيرانيين حول ارتباط ما يحدث في غزة باغتيال سليماني وتواتر التصريحات حول دوره العسكري داخل الإقليم.
وثارت التساؤلات حول المسؤول عن التفجيرين، وحول موقف إيران، لا سيما إذا كان المتسبب لاعباً إقليمياً، أي إسرائيل. وصرح المسؤولون الإيرانيون بأنها “حادثة إرهابية”، ثم جرى اتهام “الأعداء”، لكن لا تزال المعلومات شحيحة، وجاءت السيناريوهات متعددة إزاء سبب الحادثة، لكن الأهم هنا هو دلالتها وكيف سيتم توظيفها من قبل إيران؟

تمحورت التكهنات حول أنها قد تكون حادثة إرهابية بفعل تنظيم “داعش”، عدو إيران، وما بين إحدى الجماعات المعارضة المسلحة في الداخل، أو إسرائيل، وإلى حين تكشف المعلومات حول الأمر، لنركز على دلالة وقوع حادثة بهذه الجسامة، وهل ترد إيران في حال رجح السيناريو الخاص بإسرائيل؟ وما هو شكل الرد المتوقع وحدوده؟
أيّاً كان المسؤول عن الحادثة، لكن كونها وقعت في الداخل الإيراني في ذكرى مقتل سليماني، بعد أسبوع من اغتيال إسرائيل، رضى موسوي مساعد سليماني في سوريا، وقتل عدد آخر من قادة “الحرس الثوري” في دمشق، ثم خروج تصريح المتحدث باسم “الحرس” الذي ربط عملية “طوفان الأقصى” بسليماني وبأنها عملية انتقامية لمقتله، وبعد اعتراض حركة “حماس” ورفض ربط عمليتها العسكرية في غزة بتحقيق أهداف إيرانية، بدأ الحديث الإيراني عن دور سليماني في تقوية ودعم ما يسمى “محور المقاومة”، فكل ما سبق يشير إلى أن الانفجار يشكل دلالة على الفشل الأمني والاستخباراتي للمؤسسات الأمنية الإيرانية، بل فشل النظام بمؤسساته التنفيذية والأمنية في حل القضايا المحلية الداخلية ومنها الإرهاب الداخلي. فكيف أنه في ظل الأوضاع الإقليمية سالفة الذكر لم تتخذ طهران الإجراءات والاحتياطات الأمنية اللازمة التي تمنع تفجيرين في زمان ومكان حرجين؟
أما في حال ترجيح سيناريو أن المسؤول عنهما إسرائيل، وكلها افتراضات، لكن هنا الأهم أن نعي موقع الحادثة في ظل الأوضاع الإقليمية، فإن العملية تختلف عما كانت تقوم به تل أبيب من عمليات ضد إيران في إطار حرب الظل المعروفة بينهما، فكثيراً ما استهدفت إسرائيل المنشآت العسكرية والاقتصادية والنووية لإيران، حتى إنها نفذت عمليات في الداخل الإيراني لاغتيال شخصيات مهمة للنظام مثل محسن فخري زادة، أهم عالم نووي لديه، فضلاً عن استهداف الوجود العسكري لإيران و”حزب الله” في سوريا.

ومن ثم فإن العملية إذا نفذها طرف إقليمي فهذا يعني توسيع الاستراتيجية المستخدمة ضد إيران لتستهدف إحداث توترات داخلية، يمكن أن تؤجج الغضب ضد نظام يثبت فشله في تأمين منشآته الحيوية والبنى التحتية وتوفير الأمن للمواطنين، بما يعكس أولوياته التي تركز على ترسيخ النفوذ خارجياً على حساب الحاجات الداخلية.
ومن ثم كيف يمكن أن يكون الرد الإيراني في حال ذهبت التكهنات باتجاه إسرائيل؟ في واقع الأمر ليس من مصلحة إيران الدخول في صراع مفتوح مع إسرائيل بصورة عامة، لا سيما في الوقت الراهن، إذ تستفيد طهران من التوترات في غزة والبحر الأحمر من دون أن تكون فاعلاً رئيساً فيها، بل إنها استغلت انشغال المجتمع الدولي بغزة وعملت على زيادة كميات اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أي بعد شهر من العملية العسكرية في القطاع، فضلاً عن تسلّمها الأموال المجمدة من قطر وفق الاتفاق مع واشنطن، بحسب ما أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية الذي أكد أن الأموال ستُنفق وفق ما تحدده الحاجات الإيرانية، أي بعيداً من التزام الشرط الأميركي للإفراج عن الأموال والقاضي باستخدامها لأغراض إنسانية. كل تلك المنافع لا يمكن لإيران أن تتغافل عنها لتدخل في صراع مفتوح ربما تستغله إسرائيل لدفع واشنطن ضد طهران.
ومن ثم لن يكون هناك رد إيراني يخرج عن المسارات المحددة في المواجهة مع إسرائيل، أي هجمات تشنها الميليشيات العراقية على قواعد أميركية في العراق أو في سوريا، واستمرار حرب الظل بما تتضمنه من هجمات سيبرانية وحرب في أعالي البحار، أي لن يكون هناك رد إيراني بعيداً من المستوى المعتاد بين طهران وواشنطن وتل أبيب.
وبعيداً من الجهة المسؤولة عن التفجيرين، فإن الزاوية المؤكدة هنا هي محاولة النظام الإيراني توظيف الحادثة للدعوة إلى الوحدة والتماسك الداخلي لمواجهة التهديدات الخارجية، وسيركز الخطاب السياسي والإعلامي داخل البلاد على ضرورة التفاف المواطنين وإظهار التماسك حول النظام، تحديداً مع قرب الانتخابات البرلمانية، المقرر عقدها في الربع الأول من العام الحالي. وبصرف النظر عن قدرة النظام على هندسة الانتخابات بما يريده، إلا أن نسب إقبال المواطنين على التصويت تعد أمر مهماً بالنسبة إليه، فالانتخابات السابقة شهدت أقل نسبة تصويت منذ عام 1979 ومن المتوقع في ظل موجة الاحتجاجات الشعبية السابقة التي ما زالت نارها مشتعلة تحت الرماد، ألا يتجاوب المواطنون بالخروج للتصويت، وهو مشهد يتحاشاه النظام حتى لا يكون مؤشراً على تآكل شرعيته بين مواطنيه.
لذا ربما على النظام الإيراني أن يركز على الحاجات والقضايا الداخلية والتعامل معها بدلاً من استمرار عقلية الاضطهاد والتهديد التي تدفعه إلى توجيه موارده المالية والاقتصادية للخارج، لا سيما أن دولاً عربية وخليجية في المنطقة لم تصد محاولات إيران لفتح فصل جديد من العلاقات معها، ولكن على أساس وضع أسس للاستقرار واحترام مصالح الآخرين وشؤونهم الداخلية والعمل على التعاون والتكامل الإقليميين للاستفادة من موارد الإقليم بما يحقق النفع العام.