أكدت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إرنا) أن منفذ الهجوم على فعاليات إحياء الذكرى السنوية الرابعة لاغتيال الجنرال قاسم سليماني كان رجلا «تقطعت أشلاؤه» وأن التحقيق جار لمعرفة هويته، وأن الانفجار الثاني «يحتمل أن يكون أيضا هجوما انتحاريا». صدر بعدها إعلان لتنظيم «الدولة الإسلامية» عن مسؤوليته عن الهجوم الذي أسفر عن مقتل ما يقرب من مئة شخص وجرح قرابة 284، وهو ما يثبّت صحة رواية وكالة الأنباء الإيرانية.
كانت الصحف الإيرانية الصادرة قبل يوم من الهجوم الذي وقع في محافظة كرمان جنوب البلاد أول أمس الأربعاء، قد تحدّثت عن الذكرى فخاطبته صحيفة «جام جم» قائلة: «سيصبح اسمك رمزا» أما «سياست روز» الأصولية فعنونت صفحتها الأولى بـ: «القائد الإيراني محور وحدة المقاومة» وقد تابعت في اليوم التالي، الذي شهد الهجوم، الربط بين تلك العملية وما يحصل في المنطقة، وذلك تحت عنوان: «اغتيال في ذكرى الاغتيال: القتل من غزة إلى كرمان».
تابعت جهات ووسائل إعلام هذا الربط، فاعتبر حشمت الله فلاحت بيشه، رئيس لجنة الأمن القومي البرلمانية الأسبق، في افتتاحية لصحيفة «آرمان ملي» الإصلاحية أنه، حتى لو تبنت جهة معينة هذا الهجوم فإن «التجربة التاريخية» الإيرانية، فما جرى يدل على ضلوع أحد ثلاث جهات، تقف على قمتها أجهزة الموساد والمخابرات الأمريكية، ثم بقايا تنظيم «الدولة» الذي يعمل في إيران تحت اسم «دولة خراسان» وأخيرا «سلسلة من الجماعات الخبيثة التي تعتبر بيادق مرهونة لأعداء إيران». أقامت هذه التحليلات علاقة بين اغتيال صالح العاروري، نائب رئيس حركة «حماس» وبالتالي ما يجري في غزة، وما حصل في إيران معتبرة المشهد بأكمله محاولة من الولايات المتحدة الأمريكية لإضعاف العمق الاستراتيجي لإيران.
تصب مجمل هذه التحليلات الإيرانية على الربط بين ما يجري داخل البلاد، وما يحصل في المنطقة، بدءا من اعتبار سليماني، القائد الراحل لـ«فيلق القدس» قائد «محور المقاومة» الذي «حارب الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق» وهو تحليل مبتسر وشديد العمومية والالتباس ولا يسمح سوى برؤية اتجاه واحد للتاريخ.
الوقائع التي شهدتها الشعوب العربية خلال العقدين الماضيين تدل على أن الجنرال الراحل كان مشرفا أيضا على قوى سياسية (مثل حزب «الدعوة» الذي يرأسه نوري المالكي) وعسكرية (مثل ميليشيات عديدة ضمن «الحشد الشعبي» وخارجه) وأن هذه القوى شاركت في قمع الحراكات الشعبية السلمية في العراق (عام 2011، ثم عام 2019) وسوريا (2011) وهو ما فتح الطريق عمليا لظهور التنظيمات السلفية السنّية الانتقامية على شاكلة «القاعدة» ثم «الدولة الإسلامية» التي غدت الحجّة التي لا تستخدمها طهران فقط، بل تشترك فيها مع الأنظمة العربية، وأجهزة الاستخبارات الغربية… وتستخدمها الآن إسرائيل ضد حركة «حماس» لتبرير إبادتها الجماعية للفلسطينيين.
أخذ السياق التاريخي الآنف في الاعتبار لا يجب أن يدفع إلى تجاهل الصراع الطويل الأمد، والمستمر، والمهدد باشتعال حرب إقليمية واسعة، بين إيران وحلفائها الأقوياء في المنطقة، من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، من جهة أخرى، وهو لا يمكن أن يغيّر من حقيقة أن ما تفعله حركة «أنصار الله» (الحوثيون) في اليمن من ضغط على إسرائيل وحلفائها الغربيين، وكذلك ما يفعله «حزب الله» في لبنان، وكذلك ما تفعله بعض المنظمات المحسوبة على طهران في العراق وسوريا من ضغوط على القواعد الأمريكية في البلدين، هي أفعال لها وزنها في إنهاك الجبهة الإسرائيلية، وإشغال حلفائها الأمريكيين والأوروبيين.