حان الوقت لكسر أصفاد الطاقة المولدة من الفحم

حان الوقت لكسر أصفاد الطاقة المولدة من الفحم

دبي – يحلم آندي دوفرسن في لقطة من الفيلم الكلاسيكي “الخلاص من شاوشانك” بحياة خارج جدران السجن، ويرمز المشهد إلى قوة الأمل والطموح رغم كل الصعاب، وهذا هو السيناريو الذي واجهه مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28) في دبي.

ومثلما وجد دوفرسن نفسه في مواجهة جدران شاوشانك الهائلة، وضع قادة العالم في كوب 28 أهدافا طموحة للهروب من الوقود الأحفوري “بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة”.

وتقول الباحثة أديتيا سينها في تحليل على موقع سنديكيشن بيورو إن “اجتماع دبي كان لحظة محورية في تاريخ اتفاقيات المناخ فلأول مرة منذ المؤتمر الافتتاحي في برلين سنة 1995، شهدنا إشارة صريحة إلى الوقود الأحفوري والحاجة إلى الانتقال بعيدا عنه لوقف ظاهرة الاحتباس الحراري. ولم تشر الاتفاقات السابقة سوى إلى الحد من انبعاثات غازات الدفيئة”.

واستمر هذا النهج العام حتى كوب 26 في غلاسكو عام 2021 عند تقديم التزام أكثر تحديدا لمعالجة أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثا، وهو الفحم. ووافقت الدول على تخفيض تدريجي في استخدامه. ثم أقر اجتماع دبي بالحاجة إلى مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات على مستوى العالم بحلول 2030 وتسريع الجهود نحو “التخفيض التدريجي لطاقة الفحم بلا هوادة”.

ويشكّل تحقيق هذه الأهداف الطموحة تحديا هائلا. وتتعدد الحواجز مع الاعتماد المتجذّر على الوقود الأحفوري، والقوى الاقتصادية المتباينة (وخاصة في العالم النامي)، والعقبات التي تفرضها التكنولوجيا القائمة. وتبدو مثل جدران شاوشانك المهيبة، حيث لا يمكن التغلب عليها ولكنها قابلة للكسر.

ويعدّ الطريق إلى الأمام صعبا ولكنه ليس مسدودا، ويتطلب المثابرة والجهود العالمية المتضافرة. وتمثل الرحلة نحو التخلص التدريجي من الفحم ثلاثة تحديات كبيرة، وخاصة بالنسبة إلى البلدان النامية.

وتكمن القضية الأولى في أمن الطاقة. ويبقى التخلص التدريجي من الفحم مهمة معقدة. ويمثل حاليا ما يقرب من 26 في المئة من استهلاك الطاقة في العالم. وتوجد نسبة 81 في المئة من الفحم الذي يستخدم لإنتاج الطاقة في بلدان خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مما يشير إلى أن الدول النامية غالبا ما تعتمد عليه لتلبية حاجتها إلى الطاقة.

ويعني هذا أن القضاء على استخدام الفحم يهدد أمن الطاقة، ويضع عبء الانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري على عاتق هذه البلدان. لكن الافتقار إلى مصادر طاقة بديلة نظيفة وميسورة الكلفة والصعوبات في نقل التكنولوجيا يجعلان هذا الانتقال أكثر صعوبة.

وثانيا، يمكن أن يفاقم الانتقال السريع بعيدا عن الفحم الفقر، وخاصة في المناطق داخل البلدان النامية حيث يشكل الفحم ركيزة اقتصادية حاسمة. وللعديد من البلدان النامية محافظات أو مقاطعات تعتمد على الفحم لتحقيق الإيرادات وتشغيل العمال. ويمكن أن يعطّل التخلص التدريجي أو السريع هذه الاقتصادات، مما يضاعف الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

وغالبا ما تؤثر تكاليف انتقال الطاقة في البلدان النامية مباشرة على ميزانيات الأسر. ويمكن أن تؤدي هذه التدابير إلى ارتفاع تكاليف الكهرباء والمياه والنقل. كما يمكن أن تكون النفقات المتزايدة مرهقة أكثر في البلدان التي يعاني فيها جزء كبير من السكان من عدم الاستقرار الاقتصادي.

وبينما تعدّ هذه السياسات ضرورية للاستدامة البيئية على المدى الطويل، يخلق تأثيرها المالي المباشر على الأسر في الدول النامية تحديا كبيرا. وهذا ما يجعل الانتقال يتطلّب تحقيق التوازن بين الأهداف البيئية والجدوى الاقتصادية والرفاه الاجتماعي والاقتصادي للسكان الأكثر اعتمادا على الفحم.

وغالبا ما تجادل البلدان النامية بأن المناقشات العالمية التي تستهدف الحد من استخدام الوقود الأحفوري تركز على الفحم بشكل غير متناسب بدلا من النظر إلى النفط والغاز الطبيعي بالمثل.

◙ البلدان النامية تجادل بأن المناقشات التي تستهدف الحد من استخدام الوقود الأحفوري تركز على الفحم بشكل غير متناسب بدلا من النظر إلى النفط والغاز الطبيعي بالمثل

وترى هذه الدول أن التخلص التدريجي أو السريع من الفحم يشكل خطرا على استقرارها الاقتصادي، فهي تتمتع باحتياطيات كبيرة منه وتعتمد عليه في طاقتها. كما ينتشر شعور بعدم المساواة مع كيفية دعوة البلدان المتقدمة، التي كانت تقليديا من كبار مستهلكي الفحم والنفط والغاز، إلى تقليل استخدام الفحم الذي يعدّ مصدرا حيويا للطاقة لدى العديد من الاقتصادات الناشئة.

وأبرزت المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية في 2023 أن انخفاض استخدام الفحم في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كان مصحوبا بارتفاع استهلاك النفط بمقدار 1.4 مليون برميل يوميا خلال 2022. ويشير هذا إلى تحيز في مفاوضات المناخ الدولية والدعوة إلى اتباع نهج أكثر توازنا يضمن الحد من جميع أنواع الوقود الأحفوري بالتساوي.

ويكمن التحدي الثالث الذي تواجهه الدول النامية خلال الانتقال إلى الطاقة النظيفة في الوصول إلى رأس المال والتمويل. ويقدر تقرير فجوة التكيف الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن هذه البلدان تحتاج إلى 215 – 387 مليار دولار سنويا حتى 2030.

ويكشف التقرير الثاني لفريق الخبراء المستقل رفيع المستوى المعني بتمويل المناخ أن 7 في المئة فقط من استثمارات الطاقة النظيفة في 2022 كانت في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل (باستثناء الصين). وتواجه هذه البلدان حواجز عالية مثل أسعار الفائدة المرتفعة والسياسات الغامضة ورأس المال الباهظ.

ويعدّ ضمان دفعة كبيرة في الطاقة المتجددة أمرا بالغ الأهمية للأسواق الناشئة والبلدان النامية لتحقيق اتفاق باريس. ويكمن الحل في مضاعفة التمويل الميسّر خمس مرات بحلول 2030، حيث يعتبر هذا مصدر التمويل الأكثر أهمية لتلبية الاحتياجات الملحة.

ويجب أن تضاعف الدول المتقدمة مساهماتها الثنائية بشروط ميسرة ثلاث مرات بحلول 2030. لكن حجم الاحتياجات يتجاوز ما يمكن أن تقدمه المساعدة الإنمائية الرسمية. ومثل جدران شاوشانك الشاهقة، تجعل هذه العقبات السير على هذا الطريق إلى الأمام صعبا، ولكنها لا تجعله مستحيلا. ويبقى تبديد العقبات أمرا مهما، حيث يعني فشل التغلب عليها أن الانتقال سيبقى بعيد المنال كحلم آندي دوفرسن بالحرية من داخل جدران السجن.

العرب