يتابع الخبير السعودي في الشأن الإيراني، عمر الزيد، الوضع الداخلي في طهران بدقة، يعتقد أن خبرا هاما سيقع هناك قريبا، سيقلب الأمور رأسا على عقب، فما يعرفه الزيد وكثير من المهتمين بالشأن الإيراني، ولكن لا يعرفه كثيرون داخل إيران نفسها، أن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، الولي الفقيه، علي خامنئي، يحتضر، لأنه مصاب بسرطان البروستاتا في المرحلة الرابعة، ويعتقد الخبراء أن أمامه أشهراً قليلة ليعيشها، وهو أمر قد يُدخل إيران في أزمة حقيقية.
يقول الزيد لـ “العربي الجديد”: “الوضع في إيران ملتهب، فبعد هبوط أسعار النفط، بدأت التيارات الإصلاحية من داخل إيران، تطالب بالتغيير”، ويتابع: “الفئات المهمشة تطالب الآن بحقوقها وبدأ الإيرانيون يتململون، حركة الأحواز تتحرك وقد تكون مقدمة لثورة عارمة، الحركة البلوشية هي الأخرى أظهرت بعض التحركات العسكرية، والأكراد بدأوا يرفضون التهميش أيضا، هذه الظروف تقول إن إيران مقبلة بعد وفاة المرشد على مشاكل كبيرة، وقد تكون على فوهة بركان يؤدي لتفكك الدولة”.
في نفس السياق يقول الخبير السعودي في الشأن الإيراني علي البلوي إن الوضع السياسي في إيران مضطرب بشدة، ويوضح لـ “العربي الجديد”: “أن الجميع مستسلم هذه المرة لسلطة الحرس الثوري ودوره في السياسة الإيرانية”، ويطرح البلوي سؤالا مهما، قائلا، في حالة سيطرة الحرس الثوري على السلطة السياسية وعلى مركز القرار الإيراني، هل ستشهد إيران احتجاجات داخلية رافضة اغتصاب السلطة، والعودة إلى سلطة المليشيات، أم أن الحرس الثوري في هذه الفترة يشكل بالنسبة للنظام السياسي الضامن الدائم لوجوده؟”.
يجيب الزيد عن هذا التساؤل: “هناك فئات من الشعب بدأت تعلن عن مطالبها وترفض الوضع القائم، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فستتأثر”، ويضيف: “بسبب حروبها الخارجية في سورية والعراق واليمن وحصارها الاقتصادي وهبوط أسعار النفط فإن كل هذه أمور أثرت على الوضع الداخلي في إيران وباتت مرشحة لربيع فارسي يغير النظام”، وبحسب الزيد لم تبدأ شرارة الثورة بعد، ولكن لو استمرت الأمور على ما هي عليه فقد يحدث ذلك قريبا، بعد ما أظهرت بعض الفئات الإيرانية سخطها، وعلى رأسهم المعلمون الذين نظموا احتجاجات كبيرة.
من سيخلف المرشد؟
تكمن المشكلة في أنه لا يوجد مرشح قوي متفق عليه لخلافة خامنئي، وهو أمر ضروري للتصدي لأية تشققات قد تحدث في نسيج الجمهورية، فالمرشحون كثر، “وهو أمر قد يغذي الصراع أكثر”، كما يؤكد المختص في الشؤون الإيرانية الدكتور محمد السليمي، قائلا “التكهن بمن سيخلف خامنئي شائك ومن الصعب الجزم به، وأعتقد أنه من الأمور التي ستُحسم في وقتها”.
وردا على سؤال العربي الجديد، حول من سيأتي؟ أجاب السليمي “أعتقد أن المرشح الأكبر هو آية الله محمود شاهرودي الذي ترأس سابقا القضاء الإيراني في الفترة من 1999 – 2009، فهو المرشح الأقوى، وحتى أكثر من أكبر هاشمي رفسنجاني، ولكني أعتقد أن الأمور غير محددة حتى اللحظة بسبب صراعات داخل النظام وبسبب سطوة الحرس الثوري الذي لن يأتي بشخصية تحجم نفوذه، الحرس الثوري ينافس خامنئي على السلطة، وإن كان تحت قيادته، فهو يسيطر على مفاصل الاقتصاد الإيراني وله سطوة في الداخل والخارج، سواء على الجانب الأمني أو السياسي، فهو من يقود البلاد وليست الحكومة التي هي أشبه بحكومة تصريف أعمال لا أكثر”.
ولا يعتقد الدكتور السليمي أن مجتبى خامنئي صاحب السلطة على قوات الباسيج مرشح قوي، ولكنه يظل موجودا، ويضيف: “هناك خمسة أسماء يتحدثون عنها على أنها مرشحة لخلافة خامنئي، منها مجتبى خامنئي أو حسن خميني، حفيد الإمام الخميني، شاهرودي وأحمد خاتمي أيضا، ولكن رفسنجاني قد تكون حظوظه أضعف لكون شاهرودي سيدا (من ذرية آل البيت) فيما لا يتمتع رفسنجاني بنفس الميزة، ويتطلب الأمر أن يكون الولي الفقيه شخصية مقبولة بين الإيرانيين أيضا ويكون له كلمة مسموعة وحضور، وهذه الأمور يمكن أن نراها في شاهرودي ولكن لا نراها في شاب صغير السن مثل مجتبى”.
إلغاء مبدأ ولاية الفقيه
يشدد الدكتور السليمي على أن الخلافات لا تظهر على السطح حاليا، ولكن: “هناك خلافات عميقة بين الملالي في إيران، خاصة بين الحوزات في قم وما يسمى المدرسة الموسوية أو الشيرازية، وهي أمور لا نراها في الإعلام ولكنها موجودة”، ومن الأفكار المطروحة على الطاولة إلغاء مبدأ ولاية الفقيه، ويشدد الخبير في الشأن الإيراني على أنه إذا لم تكن هناك شخصية قيادية مؤهلة فسيتم تشكيل مجلس قيادي، يسمى المجلس القبلي ليقود الأمور”، ويضيف مستدركا: “سيكون من الصعب إيجاد ذلك المجلس، فإيران ليست دولة ديمقراطية يمكن أن يقودها مجلس بهذه الصورة حتى ولو كان مكونا من آيات الله، والذين يسمونهم المراجع العظام، وذلك بسبب الخلافات الموجودة بين المدارس الدينية في إيران”.
ويتفق الزيد مع الدكتور السليمي، إذ يعتقد أيضا أن آية الله محمود شاهرودي هو الأقرب لخلافة خامنئي ويقول: “مجلس الخبراء هو من سيرشحه لهذا المنصب، ولكن ما يدور في الحقيقة هو أن الخلافات على أشدها بين الملالي”، ويضيف: “ستظهر الخلافات أكثر بعد وفاة المرشد الحالي وستطل برؤوسها للعلن وستطالب بما تعتقد”.
ويعتقد الزيد أن هناك ثلاثة تيارات متصارعة على خلافة خامنئي، فالتيار الذي يرفض مبدأ ولاية الفقيه يريد أن يكون المرشد مُنتخبا، وهؤلاء هم التيار الإصلاحي، بينما هناك من يريد أن يتطور المنصب ليكون عبر مجلس شورى وهذا التيار يقوده علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ولكن التيار المحافظ المتشدد يريد بقاء الأمور على ما هي عليه وهذا التيار يسيطر عليه علماء الحوزة الدينية في قم والحرس الثوري الذي يمسك بمقاليد الأمور في إيران، يقول الزيد: “مرشحهم لهذا المنصب آية الله شاهرودي، وهو الأقرب لأن يكون خيار مجلس الخبراء”.
ويتابع متحدثا عن بقية المرشحين المحتملين: “هناك آية الله محمد تقي مصباح يزدي وهو من عتاة المحافظين، والأب الروحي لتيار المتشددين، ولكن لا أعتقد أن الحرس الثوري يفضل اختياره، لأن طرحه غير مقبول من معظم التيارات الموجودة، فهو متشدد ويقول إن المرشد لم يختره مجلس الخبراء بل الله من اختاره وألهم الخبراء اختياره ويرفض الانتخابات ويرفض الديمقراطية جملة وتفصيلا، لهذا هو أبعد المرشحين عن المنصب، خاصة في الوضع الحرج الحالي للجمهورية الإسلامية، أما حظوظ مجتبى خامنئي فضعيفة جدا، ولهذا الحل الوسط هو الشاهرودي”.
وكما هو الحال مع الدكتور السليمي يستبعد الزيد علي أكبر هاشمي رفسنجاني ويراه بعيدا عن المنصب، والسبب أنه: “لم يصل لمنصب آية الله الديني، فهو وصل لمنصب حجة الإسلام فقط، والولي الفقيه لا بد أن يكون جامعا للشروط وهو الفقيه العالِم، وهي أمور لا تجتمع في رفسنجاني، ويضيف: “الأمر الآخر أن الملالي المتشددين يرفضون رفسنجاني لأنهم يعتبرونه يميل أكثر للتيار الإصلاحي، وهو أيضا غير مرحب به في مجلس الخبراء”.
مرشحون كثر، والمختار واحد
كثيرون يعتقدون أن آية الله محمود شاهرودي المرشح الأقوى، ولكن لا يمكن الركون لهذا الخيار فقط، فلا أحد في إيران كان يتوقع أن يخطف علي خامنئي المنصب الديني الأعلى في البلاد، ويؤكد البلوي أن المتنافسين على منصب المرشد كثر، ويقول: “من بينهم خطيب جامع طهران أحمد خاتمي ورئيس مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي، ومساعده محمد تقي، وشقيق علي لاريجاني، صادق لاريجاني، رئيس مصلحة تشخيص النظام، وهاشمي رفسنجاني”.
على خلاف الدكتور السلمي والزيد يعتقد البلوي أنه من الممكن أن يتم اختيار مجتبى خامنئي خلفا لوالده على الرغم من حداثة سنه، ويضيف: “سيكون مجتبى المرشح الأقرب للحرس الثوري، كما أنه يسيطر على مليشيا الباسيج التي تهيمن على الأمن الداخلي، وتهابها مختلف مؤسسات الدولة، ولن تجد المجالس المشاركة في صناعة القرار بدا من الموافقة الديمقراطية على تعيينه، فالحرس استطاع خلال سنوات السيطرة على كامل مرافق الدولة، وأصبح دولة ثانية في إيران، ولهذا لا نستعجب الازدواجية في المواقف السياسية الإيرانية، والتعنت والمرونة البطولية أيضا”.
وضع سياسي صعب
يعلم المراقبون جيدا قوة الحرس الثوري الإيراني وسيطرته على البلاد بيد من حديد، وحتى على سياستها الخارجية، والمرشد الأعلى الجديد، لا بد أن يحظى بموافقة هذه القوة العسكرية، ولكن هل سيتغير شيء في حال قدوم مرشد أعلى جديد؟ يشدد الزيد على أن الحرس الثوري هو الجهة الأقوى في إيران، وهو من يصنع القرار داخل إيران بالتعاون مع المرشد، لهذا هو الرقم الصعب في السياسة الإيرانية، ويضيف: “السياسة الإيرانية لن تتغير بتغيير المرشد، فمجلس الخبراء من محافظين وهم على وفاق مع الحرس الثوري”، ويتابع: “السياسة الخارجية الإيرانية الآن، يتحكم بها الحرس الثوري، هو من يرسم مواقف إيران، ويسيطر عليه التيار المحافظ المتشدد، ويصادر كل الطرح الإصلاحي ويرفضه تماما، وهو مستمر في تشدده، فلديه خطوط حمراء لا يحيد عنها أهمها تصدير الثورة للخارج”.
السلمي لا يعتقد أيضا أن السياسات العامة للجمهورية الإيرانية لن تتغير كثيرا إلا إذا جاءت شخصية محسوبة على التيار المعتدل، ويقول: “هنا قد تتغير الأمور نوعا ما ولكن غالبا الأمور ستسير كما كانت”. ويضيف: “إيران مهددة من الداخل لهذا هم يريدون شخصية قوية تستطيع أن تخرج البلاد من عنق الزجاجة بعد وفاة خامنئي، فالأمور في إيران ليست بالسهولة المتصورة وهم لا يطرحون هذا السؤال لأن طرحه بهذا الشكل يسبب ارتباكا في الداخل”.
في السياق ذاته، يقول البلوي: “منذ وفاة الخميني، فرض الحرس الثوري نفسه على السلطة السياسية، مستغلا حالة الضعف التي كان يعاني منها المرشد الأعلى علي خامنئي الذي كان يعاني من الضعف أمام حدة الاستقطابات الداخلية، ولهذا اعتمد في البداية على هاشمي رفسنجاني الشخصية المنافسة في النظام، إلا أنه ابتكر وسيلة لإضعاف دوره من خلال إبقائه في مصلحة تشخيص النظام، والحيلولة دون ترشحه لرئاسة الجمهورية، فأصبح رفسنجاني رافعة لبعض الرؤساء كمحمد خاتمي، وحسن روحاني اليوم”، ويضيف: “نظرا لاشتداد الصراع وحدّة الاستقطابات الداخلية، لجأ خامنئي إلى التعاون والكفة الرابحة، وهم الحرس الثوري، وجميع المؤسسات التابعة له، وأصبح الحرس مع الوقت حكومة أخرى في طهران، لها في السياسة والأمن والاقتصاد، وأصبحوا ذراع خامنئي القوية، لكن هذه المرحلة كانت قصيرة إذ سرعان ما تغول الحرس الثوري، وبدأت حدود سلطته تمتد إلى الحكومة والقرار السياسي، على اعتبار أن خامنئي مستودع القرار السياسي في إيران، والجميع يدور من حوله”.
وضع خامنئي لا يحسد عليه
بحسب الخبراء فإن خامنئي المريض في وضع لا يحسد عليه، فالاقتصاد الإيراني يتهاوى، والبطالة تطال مساحة واسعة من المجتمع الإيراني وتصل إلى 40%، “وهو ما يؤشر إلى أن الثورة الإيرانية لم تعد حلم الإيرانيين، وأصبحت تطلعاتهم نحو الانفتاح السياسي أكبر”، يضيف البلوي: “ما يقف أمام كل ذلك، أن الإدارة السياسية الإيرانية، كانت تعتمد التعبئة الدائمة التي تجيّش الجمهور الإيراني خلف خطاب أيديولوجي دعائي فقد بريقه، مثل عناوين الثورة الإيرانية، والصحوة الإسلامية، وتصدير الثورة، وأصبحت إيران أمام استحقاقات داخلية، يتهرب منها النظام بخلق أزمات سياسية في محيطه، متلاعبا بالعناوين السياسية، كالشيطان الأكبر والأصغر، وبعامل الطائفي والإرهاب”.
قد يختلف الخبراء حول المرشد الأعلى المقبل، ولكن المتفق عليه هو أن إيران ستشهد وضعا داخليا بالغ الصعوبة في حالة كان المرشد الجديد شخصية ضعيفة أو غير متفق عليها، وهو آخر ما يتمناه الملالي المتشددون.
الخمسة الأقوى
يعتقد الخبراء في الشأن الإيراني أن رئيس السلطة القضائية السابق آية الله محمود شاهرودي، المولود في العراق، هو الاسم الأقوى لخلافة خامنئي، فعلى الرغم من أنه عراقي المولد والمنشأ، إلا خامنئي كان يثق به وعيّنه رئيسا للسلطة القضائية.
كان الشاهرودي قد ترأس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق عقب تأسيس المجلس أوائل الثمانينيات. ثم عيّن في مجلس صيانة الدستور من قبل آية الله خامنئي، وتسلم رئاسة السلطة القضائية لعشر سنوات، وهو حاليا عضو في مجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور. ويعتبر أحد زعماء التيار اليميني المتشدد.
بعد الشاهرودي يأتي آية الله محمد تقي مصباح يزدي، الأب الروحي للتيار المتشدد في إيران والشخصية الدينية البارزة والمرشد الروحي للرئيس أحمدي نجاد، ويزدي أحد أهم المنظرين المتشددين لولاية الفقيه؛ وهو يعتقد أن الولي الفقيه مُعين من قبل الله ومن قبل المهدي المنتظر، وتنحصر مسؤولية مجلس الخبراء في اكتشاف الفقيه الذي اختاره الله ليقود الأمة، ويعتقد يزدي أنه لا يحق لمجلس الخبراء عزل الولي الفقيه أو مراقبة أنشطته.
لا يمكن تجاهل اسم مجتبى نجل خامنئي، وتثور تكهنات بأنه خطط مع رجال دين متشددين لخلافة والده، لكن مثل هذه التكهنات من الصعب تحقيقها مع وجود علي أكبر هاشمي رفسنجاني على رأس مجلس تشخيص النظام، وسبب رفض رفسنجاني لمجتبى هو أن الأخير سبق أن اتُهم بأنه ضالع في عمليات تزوير انتخابات الرئاسة الإيرانية، كما أنه قاد مليشيات الباسيج في طهران لقمع المحتجين الذين نزلوا إلى الشوارع، إضافة إلى أن شبهات مالية تحوم حوله وتقلل من فرصة قبوله على رأس أهم منصب في البلاد.
قبل عدة سنوات كان حجة الإسلام علي أكبر هاشمي رفسنجاني الاسم المرشح بقوة لخلافة المرشد، خاصة أنه رئيس مجلس مصلحة تشخيص النظام، ولكن بعد أن ساند رفسنجاني التيار الإصلاحي في مواجهة خامنئي ونجاد، واتُهم رفسنجاني بالتآمر للإطاحة بالمرشد، ضعفت فرصه في خلافة صديق الأمس.
ويجمع رفسنجاني بين يديه السلطة والمال، ويملك علاقات متشعبة في السلطة، خاصة مع كوادر الحرس الثوري، مع أنه لا ينتمي إلى آل البيت، وهو ما يظهر من لون عمامته البيضاء.
ولكن على الرغم من كل ذلك يملك رفسنجاني ميزة تتيح له الاعتراض على الاسم المرشح لخلافة الولي الفقيه.
الفكرة التي قد تغيّر كل شيء في إيران هي أنه إذا لم تكن هناك شخصية قيادية مؤهلة فسيتم تشكيل مجلس قيادي، يسمى المجلس القبلي ليقود الأمور، ولكن فرصة تشكيله تبقى ضعيفة.
خالد الشايع
صحيفة العربي الجديد