التوترات الأمنية تعيد تحريك جهود توحيد البيشمركة

التوترات الأمنية تعيد تحريك جهود توحيد البيشمركة

انخراط الولايات المتحدة في جهود توحيد البيشمركة الكردية في هذا التوقيت بالذات لا ينفصل عن الأوضاع المتوترة في الإقليم وتعاظم تهديدات الأذرع الإيرانية في المنطقة والعراق، الأمر الذي يرفع من قيمة القوات الكردية لدى واشنطن كجدار صدّ ضدّ تمدّد الميليشيات والعودة المحتملة لتنظيم داعش.

السليمانية (العراق)- أعادت التوتّرات الأمنية القائمة في المنطقة والتي طالت العراق بشكل مباشر من خلال استهداف الميليشيات الشيعية لمواقع تمركز القوات الأميركية في العراق وردّ تلك القوات عليها، إلى الواجهة ملف توحيد وإصلاح قوات البيشمركة الكردية كأحد أهداف التحالف الدولي ضدّ تنظيم داعش بقيادة الولايات المتّحدة التي ترغب في جعل جيش إقليم كردستان العراق مؤهّلا لسدّ أي فراغ أمني يتيح عودة التنظيم المتشدّد، ويفسح المجال لتمدّد الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني نحو الإقليم.

ودشّن وفد من التحالف بقيادة الجنرال الأميركي جويل فاول جولة مباحثات مع قيادات كردستان العراق شملت “توحيد قوات البيشمركة وتعقيدات الشرق الأوسط والحرب في غزة وآثارها على المنطقة”.

وتعثّرت في وقت سابق جهود توحيد البيشمركة بسبب الخلافات السياسية العميقة بين الحزبين الكبيرين في الإقليم؛ حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني اللذين يديران بشكل مستقل فرقتي 70 و80 اللتين تضم كل منهما نحو خمسين ألف فرد.

ويقول خبراء الشؤون الأمنية والعسكرية إنّ الانقسام يحول دون تطوير أداء الجهاز الأمني ليرتقي إلى مستوى مواجهة التحديات في البيئة المعقّدة وكثيرة التهديدات التي يعمل فيها حيث تتواجد فلول تنظيم داعش وتنشط الفصائل الكردية المسلّحة المعارضة للنظامين الإيراني والتركي وتتدخل تركيا عسكريا في الإقليم لمطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني.

◙ انخراط الولايات المتّحدة في محاولة تنشيط جهود توحيد القوات الكردية يعكس الأهمية المتعاظمة التي توليها واشنطن لإقليم كردستان العراق

ومؤخّرا تحوّل تعثّر عملية إصلاح البيشمركة إلى عامل إضافي لتعميق الصعوبات المالية التي يواجهها الجهاز، وذلك بقيام الولايات المتّحدة بتخفيض مساعداتها للقوات الكردية على خلفية فشل عملية توحيدها، بحسب ما ورد قبل أيام في تقرير لموقع المونيتور الأميركي.

وبموجب قرار التخفيض أصبحت الحكومة الأميركية تساهم في تأمين الرواتب الشهرية لمنتسبي البيشمركة بمبلغ خمسة عشر مليون دولار عوضا عن عشرين مليون دولار كانت تدفعها في السابق.

وقال مصدر حكومي أميركي إن التخفيض دخل حيز التنفيذ في شهر أكتوبر الماضي، مضيفا “بذلنا كل الجهود لإعادة تنظيم الشؤون الإدارية والقضاء على الفساد والهدر في وزارة شؤون البيشمركة”، وموضّحا أنّ “الهدف الرئيسي للحكومة الأميركية هو توحيد وإعادة تنظيم قوات البيشمركة في إطار عملية الإصلاح”.

لكن عبدالخالق بابيري، وكيل وزارة البيشمركة في حكومة إقليم كردستان، نفى أن يكون تخفيض المساعدة الأميركية على علاقة بعمليات الإصلاح داخل الوزارة، قائلا إنّ الأمر يتعلّق بعملية اقتطاع متّفق عليها بشكل مسبق.

وحرص وفد التحالف الدولي على الاستماع إلى آراء قيادة الحزبين الكبيرين في الأقليم. وبحضور مارك سترو القنصل الأميركي العام في كردستان العراق ناقش رئيس حزب الاتحاد الوطني بافل جلال طالباني مع الجنرال فاول والوفد المرافق له “المستجدات الأمنية والعسكرية وتوحيد قوات البيشمركة”.

وشدّد طالباني خلال الاجتماع على ضرورة إنجاح جهود حماية الأمن والاستقرار، مؤكّدا حرصه على مواصلة التنسيق مع مختلف الأطراف للنأي بالعراق عن “الأوضاع غير المستقرة التي تشهدها المنطقة” ومنع أن يصبح البلد “ساحة لحسم الصراعات”.

◙ وفد من التحالف بقيادة الجنرال الأميركي جويل فاول دشّن جولة مباحثات مع قيادات كردستان العراق شملت “توحيد قوات البيشمركة وتعقيدات الشرق الأوسط والحرب في غزة

وعن جهود توحيد قوات البيشمركة، قال رئيس الاتّحاد الوطني “نحن مستمرون في جهودنا من أجل تحقيق هذا الهدف السامي، ونريد بناء قوة وطنية رصينة على أساس التوازن والمساواة، ونرفض كل إرادة خارج هذه النية، ولا نريد خلط المصالح الحزبية مع هذا الملف القومي”.

وتحيل مطالبة طالباني بمراعاة “التوازن والمساواة” في توحيد قوات البيشمركة على النقطة الأصعب في هذا الملف، والمتمثّلة في مساعي الحزب الديمقراطي للهيمنة على أهم مفاصل السلطة في الإقليم، الأمر الذي يثير مخاوف غالبية القوى السياسية الكردية العراقية من أن تتحول البيشمركة الموحّدة إلى أداة أخرى في يد الحزب تساعده على المزيد من التغوّل والهيمنة.

وأجرى وفد التحالف أيضا مباحثات مع قوباد طالباني، نائب رئيس حكومة الإقليم، الذي أكّد “أهمية تنفيذ نقاط عملية الإصلاح وإعادة تنظيم قوات البيشمركة”، قائلا إنّ “قيادة القوات 70 (تابعة لحزب الاتّحاد) جهزت العديد من الألوية وتم نقلها إلى وزارة البيشمركة، ونحن مستمرون ونسعى لجمع قوات البيشمركة تحت مظلة الوزارة”.

وكان الجنرال فاول قد بدأ مباحثاته في إقليم كردستان العراق بلقاء مع رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني جرت خلاله مناقشة التعاون الأمني في تدريب البيشمركة والتصدي لتهديدات داعش. وجاء في بيان صدر إثر اللقاء أنّ الطرفين تطرّقا إلى موضوع توحيد قوات البيشمركة وتعقيدات الشرق الأوسط والحرب في غزة وآثارها على المنطقة.

واستقبل قائد التحالف أيضا من قبل رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، حيث جرى تبادل “وجهات النظر بشأن آخر المستجدات والتطورات في الإقليم والعراق وسوريا وتأكيد أهمية حماية الأمن والاستقرار في العراق والتشديد على ضرورة أن تواصل قوات التحالف مهامها من أجل مساعدة الجيش وقوات البيشمركة في مكافحة الإرهاب”.

وتم التطرق إلى “أهمية المضي قدما في دعم الإصلاحات الخاصة بمفاصل وزارة البيشمركة وتسريع خطوات توحيد قواتها تحت مظلة الوزارة”.

الانقسام يحول دون تطوير أداء البيشمركة ليرتقي إلى مستوى مواجهة التحديات في بيئة معقدة وكثيرة التهديدات

ويعكس انخراط الولايات المتّحدة في محاولة تنشيط جهود توحيد القوات الكردية، الأهمية المتعاظمة التي توليها واشنطن لإقليم كردستان العراق، خصوصا في ظل احتدام صراعها ضد طهران على النفوذ في العراق والمنطقة.

ولا تنفصل الضربات التي توجهها الفصائل الشيعية العراقية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني نحو مواقع في أربيل، والتي شملت مؤخّرا موقعا تتمركز فيه قوة تابعة للبيشمركة، عن جهود إيران لخلخلة التواجد العسكري الأميركي على الأراضي العراقية.

وجاء الهجوم الذي نفّذته إحدى الميليشيات آخر ديسمبر الماضي بطائرتين مسيرتين على مقر للبيشمركة في أربيل بمثابة رسالة إيرانية استباقية للإقليم لتحذير قيادته من جعله موضع تمركز رئيسي بديل للقوات الأميركية، في حال اضطرت حكومة جو بايدن إلى سحب القوات من باقي مواقع تمركزها في العراق.

وبحسب خبراء الشؤون الأمنية، فإنّ البيشمركة الكردية رغم ما تشكوه من اختلالات تظل تمثّل قوة توازن ولو نسبي مع الميليشيات التابعة لإيران والتي أظهرت خلال السنوات الأخيرة رغبة في التمدّد إلى مناطق شمال وغرب العراق على غرار سنجار وتلعفر وكركوك.

العرب