فوجئ سكان مدينة بغداد الجديدة في الأيام الأخيرة بملصقات على جدران بيوتهم ومحلاتهم تلزم المسيحيات بارتداء الحجاب وتمنع العراقيين من ذوي الديانة المسيحية من الاحتفال بأعياد الميلاد وذلك بسبب ما أسمته ميليشيات الحشد الشعبي التي تقوم بهذه الحملة “احتراما لقتلى الحشد”.
وأكدت العديد من الشهادات أن الميليشيات المدعومة من إيران والتي أخذت “رخصا دينية” من رجال دين شيعة في العراق يمارسون أعمالا طائفية ودينية ضد المسيحيين خاصة أولئك القاطنين في أحياء بغداد المعروفة بسكانها المسيحيين مثل الكرادة، ويقول بيار طارق وهو عراقي مسيحي نازح من الموصل “إن تنظيم داعش قتل أبناءنا وشرد أهلنا من مدينة الموصل، وها هي الميليشيات تسلب منا حرياتنا ومعتقداتنا”، مضيفا “أننا في بغداد نشعر بالقلق من تزايد تهديد الميليشيات لنا”.
وتابع طارق، وهو شاب في العقد الثاني من العمر “تلقينا تهديدات عبر اتصالات هاتفية وملصقات على جدران المنازل والكنائس من قبل ميليشيات”، وشدد بالقول على أنها “شيعية” رافضا الإفصاح عنها، مستطردا “إنها تحذرنا من الاحتفال بعيد مولد سيدنا المسيح عليه السلام”، لافتا إلى أن “هذه الملصقات تم نشرها داخل الدوائر الحكومية أيضا”، ومؤكدا أن لصق هذه المنشورات تم “أمام أنظار القوات الأمنية التي لم تحرك ساكنا”.
الممارسات الطائفية التي تقوم بها ميليشيا الحشد الشعبي هي الوجه الآخر لإرهاب داعش
هذه السلوكات الصادرة عن الميليشيا التابعة للنفوذ الطائفي الإيراني في العراق ليست مستغربة حسب عدد من المراقبين، وهي الوجه الآخر للممارسات الإرهابية التي تقوم بها عناصر تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية، ليكون المسيحيون في العراق بين فكي الممارسات الإرهابية الطائفية سواء من الحشد التابع لمجاميع طائفية شيعية أو عناصر تنظيم داعش الإرهابي في الشمال، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان طبيعة النظام العراقي الجديد المبني على فلسفة التقسيم الطائفي للعراق وفق نظرة إسلامية لإدارة الشأن العام، أدت إلى أكثر من عشر سنوات من الاقتتال والاضطهاد والتهجير.
وقالت البطريركية الكلدانية في بيان لها نشر على موقعها الإلكتروني “كنا ننتظر إعلان عيد الميلاد عيداً رسمياً لجميع العراقيين، لكن يبدو أن هذه المبادرات التي تعزز العيش المشترك والمواطنة وتنشر الأخوة لا تخطر على بالهم”، وقد انتقدت الكنيسة الممارسات التي أسمتها “مسا من الدولة عبر فكر ديني متطرف لا يمت بصلة لحقيقة الأديان” مبينة أن الأمر يعود إلى عقلية تخلط بين الدين والسياسة ونظام الحكم في البلاد.
وأعادت هذه الوقائع إلى واجهة النقاشات مسألة طبيعة النظام العراقي بعد الاحتلال والمرتكز إلى دستور يشرع للتقسيم الطائفي، خاصة في مجال التمثيلية البرلمانية بما يعزز تفكيك المجتمع من زاوية نظر الأحزاب الإسلامية الطاغية على المشهد السياسي. ولعل تركيبة المحكمة العليا الاتحادية التي تعتبر أعلى هيئة قضائية في العراق دليل على الخلل العميق في بنية النظام نتيجة استقائه من مقولات الإسلام السياسي بتنوعاتها الشيعية والسنية، فأغلب أعضاء هيئة المحكمة العليا هم من رجال الدين، وهو ما دعى إلى التساؤل حول مدى فقه رجال الدين للقوانين المسيرة للدولة، ما اعتبر مسا صارخا لمبدأ مدنية الدولة.
صحيفة العرب اللندنية