قرار مجلس الأمن والأزمة السورية

قرار مجلس الأمن والأزمة السورية

501

لمجلس الأمن الدولي صلاحيات تمكنه من التعامل بفاعلية مع الأزمات التي تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، شرط توافق إرادة الدول الدائمة العضوية فيه. فإذا تحقق هذا التوافق، يمكن لمجلس الأمن أن يتعامل مع الأزمات الدولية بإحدى طريقتين أو بكليهما:

الأولى: طرح تصور عام لتسوية سياسية، قد تتضمن خريطة طريق تفصيلية مصحوبة بجدول زمني محدد، وهو ما أقدم عليه مجلس الأمن يوم الجمعة الماضي، 18 كانون الأول (ديسمبر)، بإصداره القرار 2254 حول الأزمة السورية.

الثانية: فرض التسوية التي يراها ضرورية، حتى وإن تطلب الأمر استخدام القوة المسلحة.

إقدام مجلس الأمن على طرح تصور لتسوية أزمة ما لا يعني بالضرورة أنه يمهد لفرض التسوية بالقوة المسلحة، إذا تطلب الأمر ذلك، لأن تصرفه على هذا النحو قد يكون جزءاً من عملية دولية مقصودة بذاتها، لإدارة الأزمة وفق مصالح الدول الكبرى وليس بالضرورة لحلها وفق متطلبات العدالة أو القانون الدولي. فهل يشكل صدور القرار 2254 هدفاً في حد ذاته لإدارة الأزمة السورية دولياً بما يتفق مع مصالح الدول الكبرى، أم أنه يمهد لفرض التسوية التي يراها بالقوة المسلحة؟

لتقديم إجابة واضحة عن هذا السؤال، يتعين أن نبدأ أولاً بتحليل دقيق قدر الإمكان لمضمون ودلالة صدور هذا القرار في هذا التوقيت بالذات.

فهناك فريق يرى أن من أشعل الأزمة السورية نظام مستبد لا يتورع عن قتل شعبه كي يظل ممسكاً بكل مقاليد السلطة، ومن ثم يستحيل حلها إلا بإسقاط النظام الذي أشعلها، كشرط أولي لتمكين شعب يناضل من أجل حريته من تقرير مستقبله عبر انتخابات حرة ونزيهة. وهناك فريق آخر يرى أن هذه الأزمة هي نتاج جماعات إرهابية تتمدد في منطقة لم تعرف الديموقراطية من قبل، ولا تزال غير مهيأة لاستقبالها، ومن ثم فلا حل لها إلا بالتخلص أولاً من كل هذه الجماعات كشرط ضروري لتمكين الشعب السوري بعد ذلك من تقرير مستقبله عبر انتخابات حرة ونزيهة. فإلى أي من وجهتي النظر هذه انحاز القرار 2254؟

الواقع أن الفحص المدقق لنص وروح هذا القرار يشير إلى أن مجلس الأمن حاول من خلاله تجاوز هذا النوع من الجدل العقيم، لذا فقد انحاز في شكل واضح إلى وجهة النظر التي ترى في الإرهاب الدولي، والذي تمثل الأزمة السورية الآن أحد أهم معامل تفريخه، الخطر الأولى بالرعاية في الوقت الحاضر، من منطلق أنه يهدد شعوب العالم قاطبة وليس الشعب السوري وحده، لكن من دون التضحية بتطلعات الشعب السوري الذي اعترف القرار بحقه في النضال من أجل إقامة نظام يعبر عن كل السوريين. دليلنا على ذلك ما يلي:

1- خلو القرار من أي إشارة بالاسم إلى النظام السوري الذي تعامل معه كطرف في أزمة يقف فيها على قدم المساواة مع أطراف المعارضة «المعتدلة»، وطالب الجميع بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات تحت إشراف الأمم المتحدة للتوصل إلى ترتيبات لإدارة مرحلة انتقالية تمكن الشعب السوري من وضع دستور جديد ينتخب على أساسه رئيس جديد وبرلمان جديد.

2- إشارته بالاسم إلى كل من تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة»، بوصفهما تنظيمين إرهابيين يتعين القضاء عليهما، على رغم إقراره بوجود تنظيمات إرهابية أخرى ما زال الحوار جارياً للاتفاق على قائمة موحدة تضمها جميعاً.

3- إقراره ضمناً بأن قضية إسقاط النظام الحاكم في سورية ليست، ولا ينبغي أن تكون هدفاً لأي طرف آخر سوى الشعب السوري وحده، والذي يحق له اختيار رئيسه بنفسه في نهاية مرحلة انتقالية تتفق المعارضة معه على تفاصيلها وإدارتها، تحت إشراف ورعاية الأمم المتحدة.

وانطلاقاً من هذا التصور العام لتسوية حظيت بقبول جميع أعضاء مجلس الأمن، تضمن القرار 2254 إجراءات وجداول زمنية محددة، وذلك على النحو التالي:

1- مفاوضات رسمية بين ممثلي النظام والمعارضة، تبدأ في أوائل كانون الثاني (يناير) 2016 بدعوة من السكرتير العام للأمم المتحدة، مرجعيتها بيانا جنيف وفيينا، تستغرق ستة أشهر، وتنتهي باتفاق على آليات لصياغة دستور تجري على أساسه انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة.

2- وقف لإطلاق النار، يبدأ سريانه فور الانتهاء من الاتفاق على تفاصيل مرحلة انتقالية يتعين الشروع في وضعها موضع التطبيق والانتهاء من تنفيذ بنودها ومراحلها كافة خلال ثمانية عشر شهراً.

3- حرب على كل المنظمات الإرهابية المدرجة على قائمة سيتم الاتفاق عليها لاحقاً، إلى أن يتم القضاء عليها نهائياً، ويفترض ضمناً تعاون فصائل المعارضة والنظام السوري في الجهود الدولية والإقليمية الرامية لاستئصالها.

4- يفترض القرار، ضمناً، أن تبدأ عملية الإعمار في المناطق التي يتوقف فيها إطلاق النار وفي المناطق المحررة من سيطرة المنظمات الإرهابية، لتمكين النازحين والمهاجرين من العودة إلى أماكن إقامتهم الأصلية لتمكين جميع أفراد الشعب السوري من المشاركة الحرة في كل الاستحقاقات الخاصة بالمرحلة الانتقالية، وتحت إشراف الأمم المتحدة، حين يحين موعد الاستفتاء على مشروع الدستور أو لاختيار رئيس جديد للبلاد أو لانتخاب ممثليه في السلطة التشريعية.

لا شك أن وضع تسوية كهذه موضع التنفيذ ليس بالأمر السهل. فالفريق الذي يشترط رحيل بشار الأسد سيميل للتعامل مع التسوية المقترحة باعتبارها منحازة للفريق الآخر، لاعتقاده بأن السماح لهذا النظام بالمشاركة في إدارة المرحلة الانتقالية سيمنحه فرصة لتوظيف الحرب على الإرهاب لإعادة تأهيل نفسه ولاستعادة مواقع نفوذه، وبالتالي سيعمل حتماً على إطالة المرحلة الانتقالية إلى ما لا نهاية. أما الفريق الذي يشترط القضاء على المنظمات الإرهابية أولاً، فسيميل للتعامل مع التسوية المقترحة باعتبارها منحازة للفريق الأول، لاعتقاده بعدم وجود فروق كبيرة بين معارضة معتدلة وأخرى متطرفة وأن جميع القوى التي تحمل السلاح في وجه النظام هي قوى متطرفة وإرهابية، وبالتالي فإن السماح لها بالمشاركة في إدارة المرحلة الانتقالية سيضفي عليها شرعية تمكنها من التأثير في مخرجاتها بما يسمح لها بغرس بذور التطرف من جديد، وبالتالي عدم تحصين سورية مستقبلاً في وجه المخططات الرامية لإشعال الحروب الأهلية في المنطقة وإعادة رسم حدودها على أسس طائفية.

من المتوقع، في سياق كهذا، أن يجد مجلس الأمن نفسه مضطراً إما إلى اتخاذ قرار جديد بفرض التسوية المنصوص عليها في القرار 2254 وفقاً للفصل السابع من الميثاق، أي بفرض عقوبات صارمة قد تصل إلى حد استخدام القوة العسكرية ضد كل من يحاول عرقلتها، وهو أمر لا يبدو محتملاً في ظل موازين القوى الراهنة في النظامين الدولي والإقليمي، وإما أن تترك الأزمة تتفاعل على الأرض مع الحرص في الوقت نفسه على التحكم في ضبط إيقاعها بما لا يؤدي إلى مواجهة عسكرية مع روسيا، بانتظار نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية في نهاية العام المقبل، وهو الاحتمال الأرجح. غير أن الشعب السوري أولاً، وكل شعوب المنطقة ثانياً، هي من سيدفع الثمن باهظاً.

من مصلحة جميع الدول العربية أن تسعى لوضع التسوية التي يقترحها قرار مجلس الأمن موضع التطبيق الفوري. فالمشكلة الحقيقية تكمن في طريقة تمكين الشعب السوري من اختيار حاكمه في النهاية، وتلك قضية يمكن للأمم المتحدة أن تلعب دوراً رئيسياً فيها، وليست في بقاء أو عدم بقاء بشار كطرف في المرحلة الانتقالية. ولو أن تسوية من هذا النوع بدأت منذ ثلاث أو أربع سنوات، فلربما أصبحت سورية الآن من دون بشار ومن دون جماعات إرهابية أيضاً. أما استمرار الوضع على ما هو عليه فسيتيح لكل من بشار والجماعات الإرهابية كسب المزيد من الوقت على حساب دم الشعب السوري وموارد بقية شعوب المنطقة.

حسن نافعة

صحيفة الحياة اللندنية