تتزايد المؤشرات على أن الشركات في المنطقة الخليجية وخاصة الكبيرة منها ستواصل السير عكس الضغوط الراهنة في العديد من الأسواق ومن بينها العربية بفضل الطفرة النفطية التي ستساعدها في تحقيق المزيد من الأرباح والعوائد خلال السنوات المقبلة.
الرياض – عزز كلام وزير المالية السعودي محمد الجدعان من أن دول المنطقة ستكون مستفيدة على صعيد النمو والإيرادات خلال السنوات الست المقبلة توقعات وكالة موديز بأن شركات الخليج القوية غير النفطية قادرة على مواجهة ارتفاع أسعار الفائدة.
وقال الجدعان الأربعاء في مداخلة له خلال أعمال اليوم الثاني من مبادرة مستقبل الاستثمار، وتستضيفها العاصمة الرياض، إن “دولا في منطقة الشرق الأوسط ستواجه صعوبات للفترة المقبلة وأن على دول الخليج مساعدتها”.
وكان الوزير يقصد الدول العربية المستوردة للنفط لأن قطاع الأعمال فيها يتأثر كثيرا بتقلبات أسواق الخام أكثر من شركات الخليج باستثناء الكيانات المدرجة التي تتأثر بما يحدث من ارتدادات في الأسواق وتصريحات المسؤولين.
وتتمتع غالبية دول الخليج بمداخيل مالية وفيرة، بسبب الاحتياطات الكبيرة لمصادر الطاقة الأحفورية، بصدارة السعودية، أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم بمتوسط يومي 7.4 مليون برميل، وقطر، أكبر مصدّر للغاز المسال عالميا بأكثر من 77 مليون طن سنويا.
وتقود العديد من الشركات في القطاعات غير النفطية وفي مقدمتها العقارات والبنوك والتأمين وغيرها، نمو قطاع الأعمال في دول الخليج الست، وهو ما يرشحها لأن تحقق المزيد من الإيرادات والأرباح في الفترة المقبلة.
وعلى سبيل المثال، تفوقت أسهم الشركات العقارية الخليجية على نظيرتها الأوروبية أثناء تعاملات هذا العام بسبب النمو الاقتصادي في المنطقة، وذلك وسط موجة اضطرابات أصابت القطاع جراء رفع البنوك المركزية العالمية أسعار الفائدة.
ووفقا لوحدة الرصد بصحيفة “الاقتصادية” السعودية، فقد حقق مؤشر أم.س.سي.آي لأسهم الشركات العقارية الخليجية مكاسب بنحو 21 في المئة منذ مطلع العام الجاري، مقارنة بخسائر 58 في المئة لنظيره الأوروبي عن الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري.
وتربط دول الخليج، باستثناء الكويت وسلطنة عمان، عملاتها المحلية بالدولار الأميركي، وهي تتبع بشكل عام تحركات سياسة مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي).
وهذا الوضع يعرض المنطقة وقطاع الأعمال فيها لتأثير مباشر من تشديد السياسة النقدية الأميركية في الظاهر، لكن مع ارتفاع أسعار الطاقة تجد الشركات الخليجية نفسها في موقف مريح.
وأكدت وكالة موديز لخدمات المستثمرين الاثنين الماضي أن الميزانيات القوية للشركات الخليجية تساعد على امتصاص أسعار الفائدة المرتفعة، مع تحسن اقتصادات المنطقة بدعم ارتفاع أسعار النفط.
وأوضح خبراء الوكالة في تقرير أن العديد من الشركات ذات التصنيف الاستثماري في منطقة الخليج ستحافظ على نسب تغطية فائدة قوية للغاية، على الرغم من زيادات أسعار الفائدة.
وأشاروا إلى أن العديد منهم لديهم ديون قليلة جدا أو لديهم تدفقات نقدية قوية جدا، لاسيما تلك التي تعمل في قطاعات النفط والغاز أو المواد الكيميائية.
واعتبر خبراء الوكالة أن أسعار النفط المرتفعة تفيد اقتصادات المنطقة، على عكس البلدان الأخرى، التي تواجه نموا اقتصاديا أبطأ بسبب زيادة تكاليف الطاقة.
وقال كبير المحللين في وكالة جوليان حداد إن “العديد من الشركات المصنفة من موديز في منطقة الخليج في وضع جيد لامتصاص ارتفاع أسعار الفائدة، وهو ما يقلل من قدرة الشركات على خدمة الديون وسدادها”.
وأضاف أن “هيمنة الشركات ذات التصنيف الاستثماري والدعم القوي من الحكومات هما السببان الرئيسيان لهذه المرونة”.
ويرى حداد أن أسعار النفط المرتفعة مفيدة أيضا لاقتصادات المنطقة، وذلك على عكس الدول الأخرى التي تواجه نموا اقتصاديا أبطأ بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة.
واستفادت تلك الشركات من ارتفاع أسعار السلع خلال العام الماضي، ما عزز توليد التدفق النقدي لديها، لكن الكيانات الخليجية المصنفة في فئتي بي.أي وبي ستكافح أكثر بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
وتتوقع موديز أن يتم تعويض الزيادة في أسعار الفائدة جزئيا بتحسن في أدائها التشغيلي حيث تستفيد اقتصاداتها المحلية من ارتفاع أسعار النفط.
وما يقرب من ثلثي الدين على الميزانيات العمومية للشركات الخليجية المصنفة له سعر فائدة ثابت، وأن العديد من الشركات لجأت إلى أسواق رأس المال العالمية للديون عندما كانت السيولة مرتفعة في أعقاب تفشي جائحة كورونا.
وترى موديز أن 45 في المئة من الدين المصنف مستحق بعد عام 2026، ويتم توزيع آجال الاستحقاق حتى ذلك الحين بالتساوي.
وتواكب البنوك المركزية في دول الخليج تحركات الفيدرالي الأميركي الذي رفع الفائدة خمس مرات هذا العام، إذ تربط دول المنطقة عملاتها بالدولار الأميركي.
وبلغت أرباح الشركات المدرجة في البورصات الخليجية 143 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري، بنمو نسبته 64 في المئة على أساس سنوي.
وعلى مستوى الربع الثاني من العام الجاري، فقد ارتفعت أرباح تلك الشركات بنحو 62.6 في المئة، عند 77.3 مليار دولار، مقارنة بنحو 47.6 مليار دولار على أساس سنوي.
وحسب تقرير صادر عن شركة كامكو إنفست في يوليو الماضي نمت أرباح الشركات المدرجة ربعيا بنحو 17.6 في المئة، إذ كانت تبلغ في الربع الأول من 2022 نحو 65.7 مليار دولار.
وكان لارتفاع أرباح شركات الطاقة جراء ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من مئة دولار، الأثر الأكبر في ارتفاع إجمالي الأرباح التي سجلتها الشركات الخليجية.
كما كانت معنويات المستهلكين وأنشطة الأعمال قوية خلال الفترة بين يناير ويونيو الماضيين على الرغم من التباطؤ على المستوى العالمي بسبب ارتفاع معدلات التضخم وجهود البنوك المركزية لكبح جماح الأسعار.
وجاءت قطاعات الطاقة والبنوك والمواد الأساسية في الصدارة من حيث الأرباح المطلقة مقارنة بالربع الثاني من العام 2021، حيث شكلت نحو 90 في المئة من إجمالي النمو السنوي للأرباح.
ومن حيث النمو على أساس ربع سنوي، ساهمت قطاعات الطاقة والمواد الأساسية والمرافق العامة في تعويض تراجع أرباح قطاعي الاستثمار والتمويل.
العرب