منعاً لأي لبس، أو سوء فهم غير مقصود، لا بد من التنويه ابتداءً، ولو على طريقة البروتوكولات الدبلوماسية، أن المقصود بعبارة “روسيا اليوم” ليس قناة الاستشراق الفضائي التي تبث من موسكو بالعربية، وتهتم بتنوير العرب بقضاياهم المصيرية، كما أن المقصود بـ”الحاخام الفقيه” ليس ذاك الذي يملك ناصية القرار في طهران، باعتباره مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وميليشياتها المذهبية في مناطق نفوذها الإقليمي.
ثمّة، في الواقع، دولة كبيرة تغيّرت، في الأعوام القليلة الماضية، باضطراد قد يبرّر تسميتها اصطلاحاً “روسيا اليوم”، وهي، قطعاً، أجدر بالنقاش والدرس من التلفزيون الذي يحمل اسمها، بعدما تجاوز مشروعها، في ما يسمى الشرق الأوسط، محاولات التأثير السياسي والإعلامي، عن بُعد، إلى التدخل العسكري الذي أعاد، أو يكاد، بلداً عربياً محورياً، إلى زمن الاستعمار المباشر، وثمّة، في الواقع كذلك، مرشد آخر، في دولةٍ أخرى، سوى صاحبة التسمية الأصلية، يصح وصفه، ربما، بـ”الحاخام الفقيه”، بعدما اتضح امتداد ولايته العامة ليتحكّم بمسار الدورين، الروسي والإيراني، معاً في لعبة الأمم التي تستعر على أرض سورية.
لا يحتاج اكتشاف إسرائيل، هنا، إلى ذكاء. وإذا كان ثمة أحجية في ما يحدث، فهي أشبه بتلك التي كانوا يختبرون فيها نباهة الأطفال بسؤالهم عن ماهية شيء أخضر، داخله أحمر، وفيه بذور سوداء، واسمه بطيخ.
انظروا، مثلاً، إلى حال الحرج والإرباك والتخبط التي أصابت ما يسمى حلف المقاومة والممانعة، عقب اغتيال القيادي في حزب الله اللبناني الموالي لإيران، سمير القنطار، قرب دمشق المحمية، افتراضاً، بسلاح الجو والصواريخ الروسية، لتتيقنوا من أن القيصر الجديد، أو الدب، لمن يحبون هذه التسميات، ومعه ولي فقيه الدولة الفارسية، وقادة مليشياتها، تتراجع عربدتهم، وتتكتف أيديهم، طوعاً أو كرهاً، كما تتكتف يدا حليفهما دكتاتور قصر المهاجرين، ويصابون جميعاً بالشلل، أمام عربدة القادة الإسرائيليين، على أرض سورية.
في نظر أمين عام حزب الله حسن نصرالله، بدا سخيفاً اتهام المجموعات الإرهابية المسلحة بقتل القنطار، وهو اتهام نقلته وسائل الإعلام أصلاً عن حلفائه قادة النظام السوري، لكنه قال شيئاً مماثلاُ في سخفه، حين تذرّع بضيق الوقت، ليتهرب من تفسير معنى وقوع عملية الاغتيال في ظل السيطرة الروسية على الأجواء السورية. لم يشأ “سيد المقاومة” أن يفاضل بين تخاذل حلفاء حلفائها الروس عن منع العدوان الإسرائيلي، وتواطؤهم معه. كلا الخيارين كانا محرجين، ومثيرين للأسى، في عمق الرجل الذي لم تبرد بعد حرارة ترحيبه بتدخل موسكو في دمشق. هو كان يعرف، في الأساس، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يرسل طائراته إلى ما وراء المياه الدافئة، إلا بعدما اجتمع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، واتفقا على تقاسم وظيفي للأجواء السورية، غير أنه فوجئ، على الأرجح، بأن القيصر الروسي الذي صار أقرب حلفاء الولي الفقيه في إيران وأكبرهم، لا يستطيع فعل شيء في سورية، بغير مباركة الحاخام الفقيه لإسرائيل، العدو الرئيس، نظرياً، لحلف المقاومة والممانعة.
هكذا، يكون حزب الله، وإيران، ونظام الأسد، موضوعياً، في حلفٍ مع إسرائيل، عبر تحالف الجانبين مع روسيا، على أرض معركةٍ واحدة، ويكون عليهم أن يتفهموا جميعاً، من دون ضجيج، أو عتب، صعوبة أن ينسى أعداء الأمس ثأراً قديماً لهم مع رجلٍ قاتلهم يوماً مثل سمير القنطار، حتى وإن تراجع وصوّب بندقيته، أخيراً، نحو حق السوريين في الحرية.
على هامش ذلك كله، تظل مثيرة للشفقة أوهام بعضهم بعودة الثنائية القطبية على يد “أبو علي بوتين” الذي صار واضحاً أنه جزء من اللعبة نفسها، وأن مصالح بلاده روسيا تلتقي فيها، بل تتكامل مع مصالح إسرائيل وأميركا.
ثمّة، في الواقع، دولة كبيرة تغيّرت، في الأعوام القليلة الماضية، باضطراد قد يبرّر تسميتها اصطلاحاً “روسيا اليوم”، وهي، قطعاً، أجدر بالنقاش والدرس من التلفزيون الذي يحمل اسمها، بعدما تجاوز مشروعها، في ما يسمى الشرق الأوسط، محاولات التأثير السياسي والإعلامي، عن بُعد، إلى التدخل العسكري الذي أعاد، أو يكاد، بلداً عربياً محورياً، إلى زمن الاستعمار المباشر، وثمّة، في الواقع كذلك، مرشد آخر، في دولةٍ أخرى، سوى صاحبة التسمية الأصلية، يصح وصفه، ربما، بـ”الحاخام الفقيه”، بعدما اتضح امتداد ولايته العامة ليتحكّم بمسار الدورين، الروسي والإيراني، معاً في لعبة الأمم التي تستعر على أرض سورية.
لا يحتاج اكتشاف إسرائيل، هنا، إلى ذكاء. وإذا كان ثمة أحجية في ما يحدث، فهي أشبه بتلك التي كانوا يختبرون فيها نباهة الأطفال بسؤالهم عن ماهية شيء أخضر، داخله أحمر، وفيه بذور سوداء، واسمه بطيخ.
انظروا، مثلاً، إلى حال الحرج والإرباك والتخبط التي أصابت ما يسمى حلف المقاومة والممانعة، عقب اغتيال القيادي في حزب الله اللبناني الموالي لإيران، سمير القنطار، قرب دمشق المحمية، افتراضاً، بسلاح الجو والصواريخ الروسية، لتتيقنوا من أن القيصر الجديد، أو الدب، لمن يحبون هذه التسميات، ومعه ولي فقيه الدولة الفارسية، وقادة مليشياتها، تتراجع عربدتهم، وتتكتف أيديهم، طوعاً أو كرهاً، كما تتكتف يدا حليفهما دكتاتور قصر المهاجرين، ويصابون جميعاً بالشلل، أمام عربدة القادة الإسرائيليين، على أرض سورية.
في نظر أمين عام حزب الله حسن نصرالله، بدا سخيفاً اتهام المجموعات الإرهابية المسلحة بقتل القنطار، وهو اتهام نقلته وسائل الإعلام أصلاً عن حلفائه قادة النظام السوري، لكنه قال شيئاً مماثلاُ في سخفه، حين تذرّع بضيق الوقت، ليتهرب من تفسير معنى وقوع عملية الاغتيال في ظل السيطرة الروسية على الأجواء السورية. لم يشأ “سيد المقاومة” أن يفاضل بين تخاذل حلفاء حلفائها الروس عن منع العدوان الإسرائيلي، وتواطؤهم معه. كلا الخيارين كانا محرجين، ومثيرين للأسى، في عمق الرجل الذي لم تبرد بعد حرارة ترحيبه بتدخل موسكو في دمشق. هو كان يعرف، في الأساس، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يرسل طائراته إلى ما وراء المياه الدافئة، إلا بعدما اجتمع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، واتفقا على تقاسم وظيفي للأجواء السورية، غير أنه فوجئ، على الأرجح، بأن القيصر الروسي الذي صار أقرب حلفاء الولي الفقيه في إيران وأكبرهم، لا يستطيع فعل شيء في سورية، بغير مباركة الحاخام الفقيه لإسرائيل، العدو الرئيس، نظرياً، لحلف المقاومة والممانعة.
هكذا، يكون حزب الله، وإيران، ونظام الأسد، موضوعياً، في حلفٍ مع إسرائيل، عبر تحالف الجانبين مع روسيا، على أرض معركةٍ واحدة، ويكون عليهم أن يتفهموا جميعاً، من دون ضجيج، أو عتب، صعوبة أن ينسى أعداء الأمس ثأراً قديماً لهم مع رجلٍ قاتلهم يوماً مثل سمير القنطار، حتى وإن تراجع وصوّب بندقيته، أخيراً، نحو حق السوريين في الحرية.
على هامش ذلك كله، تظل مثيرة للشفقة أوهام بعضهم بعودة الثنائية القطبية على يد “أبو علي بوتين” الذي صار واضحاً أنه جزء من اللعبة نفسها، وأن مصالح بلاده روسيا تلتقي فيها، بل تتكامل مع مصالح إسرائيل وأميركا.
ماجد عبدالهادي
صحيفة العربي الجديد