عندما انطلقت الثورة السورية في مارس/آذار عام 2011، كان “التصحر السياسي” سيد الموقف في سورية، إذ إنّه خلال خمسين عاماً تقريباً تمّ تكميم الأفواه، وأُجبر السوريون على العمل في كل شيء إلّا السياسة التي كانت من المحرّمات. وقضى عدد كبير من السوريين نصف أعمارهم في المعتقلات لمجرد التفكير سياسياً، وكسر احتكارها من قبل حزب واحد (البعث العربي الاشتراكي). بعد أشهر، بدأ السوريون يسمعون بأسماء أحزاب، وتيارات، ومجالس تتشكّل في الخارج، على وقع تظاهرات شعبية بدّلت وجه سورية، إذ توارى “الحزب القائد” بعدما صوّب باتجاهه المتظاهرون كل الّلعنات، وحمّلوه مسؤولية ما جرى في البلد من تدمير ممنهج على جميع الأصعدة.
لم يرحب كثير من السوريين بأحزاب وتيارات أقيمت على عجل، وأبدوا خشية حقيقية من أنّ هذه الأخيرة ربما تكون عامل تفرقة لا اتفاق. لكن السفير السوري السابق في السويد، بسام العمادي، عضو مؤسس في “مجلس دمشق الوطني”، يرفض فكرة أن تكون المجالس والتيارات الوليدة عاملاً في توسيع الهوة بين مكوّنات الشعب السوري، ولا يجد غضاضة في وجودها طالما أن أهدافها “لا تختلف عن أهداف الثورة، ولا عن أهداف الشعب السوري بالانتقال إلى دولة الحرية والعدالة والكرامة”.
ويؤكد العمادي أنّ “دمشق الوطني” “محاولة لجمع شخصيات ذات أهمية، بدلاً ممن تسلّقوا بشكل أو بآخر من خلال الصدف، وأصبحوا زعماء افتراضيين”، مشيراً إلى أنّ المجلس ليس نادياً سياسياً دمشقياً مغلقاً “بل تمثيلي”. كما يرى العمادي أن تعدد وكثرة التيارات ليس مؤشراً على ضياع البوصلة السياسية، بل هو “دليل على أنّه لا يوجد مجلس واحد استطاع جمع السوريين، لذلك يحاول كل مجلس أن يعطي لأعضائه حقهم في التمثيل”.
اقرأ أيضاً بيان مؤتمر الرياض حول سورية: نظام جديد دون الأسد
كما قامت أطراف وشخصيات سورية كردية بتأسيس حزب عرقي، هو حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي (الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني)، الذي بات يسيطر على مناطق في محافظة الحسكة (شمال شرق سورية)، وأخرى في ريفَي حلب والرقة، من خلال ذراعه العسكرية (وحدات حماية الشعب)، وقام بفرض سلطة الأمر الواقع من خلال ما يُسمى “الإدارة الذاتية” في مناطق يقطنها أكراد سوريون.
لكن معظم المعارضين السوريين الأكراد لا يتركون مناسبة من دون توجيه سهام الانتقاد لهذه التجربة السياسية التي قامت على أساس عرقي، إذ يرى الكاتب والسياسي صلاح بدر الدين، أنّ النظام شجّع على هذه الخطوة “مقابل موالاة سياسته، ومواجهة الثوار، وعزل الأكراد عن الحركة الوطنية السورية المعارضة الثائرة”. ويضيف في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ الإدارة الذاتية لا تحظى بغطاء دستوري ـ قانوني رسمي، ولا حتى بموافقة قوى الثورة والمعارضة، ولا بإجماع وطني كردي سوري، أيّ أنّها تفتقر إلى الشرعية بمختلف جوانبها وأشكالها”.
ولم يقتصر الأمر على الأكراد السوريين، بل قام تركمان سوريون بتأسيس كيانات وأحزاب على أساس عرقي، فظهر المجلس التركماني الذي ضمّ الكتلة التركمانية، والحركة التركمانية. في هذا السياق، يقول المعارض التركماني السوري، عمر الدادا، لـ”العربي الجديد”، إنّ هذه الكيانات السياسية التي تشكّلت خارج سورية “تحاول تجزئة السوريين، وهو أمر لم يستطع فعله الرئيس السوري بشار الأسد على الرغم من كل إجرامه”. أما مسيحيو سورية فصار لهم بدورهم تجمعاتهم وأحزابهم حتى هيئات حقوقية فئوية كالمرصد الأشوري لحقوق الإنسان.
من جانبه، يرى المعارض السوري، بسام اسحق، أن التيارات التي تشكلت في سورية على أساس طائفي أو قومي أو مناطقي، “أمر متوقع في حالة الاقتتال الداخلي”، مشيراً في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ أحد العوامل وراء تشكيلها هو “حماية الهوية”. ويضيف، أنّ “سورية بلد غني بتنوع هوياته الطائفية، والعرقية. التستر على هذا الواقع لن يزيد السوريين وحدة بل يجب الاعتراف به، والتعامل معه، إذ لا يمكن للمريض أن يتعافى بنكران مرضه، بل الشفاء يبدأ بالتشخيص الصحيح”.
محمد أمين
صحيفة العربي الجديد