كثرة الصدمات العالمية المفاجئة تراوغ تقديرات خبراء الاقتصاد

كثرة الصدمات العالمية المفاجئة تراوغ تقديرات خبراء الاقتصاد

باريس – يواجه خبراء الاقتصاد انتقادات بعدما أخطأت تقديراتهم المرتبطة بالتضخم وفشلوا في توقع الاضطرابات التي شهدتها سلاسل الإمداد بينما توقعوا ركودا لم يتجسّد.

ووجد الخبراء صعوبة في التنبؤ بتطورات الأوضاع الاقتصادية نتيجة كثرة التقلبات العالمية المفاجئة في ظل وباء كوفيد والحرب بين روسيا وأوكرانيا ومؤخرا التوترات في الشرق الأوسط.

وضمت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد صوتها إلى الأصوات المنتقدة لخبراء الاقتصاد خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الشهر الماضي.

وقالت إن “الكثير من خبراء الاقتصاد هم في الواقع عبارة عن زمرة قبلية”، في إشارة إلى غياب الانفتاح على توجّهات علمية أخرى.

وأضافت لاغارد، التي شغلت في الماضي منصبي مديرة صندوق النقد الدولي ووزيرة المال الفرنسية، أن الخبراء “يقتبسون أقوال بعضهم بعضا.. لا يتجاوزون حدود عالمهم لأنهم يشعرون بالارتياح فيه”.

والأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، فقد كانت وكالة الطاقة الدولية أمام مرمى انتقادات كبيرة من منظمة أوبك بسبب تقديراتها للطلب، وهو ما انجر عنه استبعادها كمصدر للبيانات في أبريل 2022.

ويؤكد بعض الخبراء بالفعل أن على أقرانهم الخروج من دائرتهم المريحة المتمثّلة في جداول بيانات إكسل والنماذج الجامدة. وقال كبير الاقتصاديّين في منطقة اليورو لدى بنك آي.إن.جي بيتر فاندن هوت بنبرة ساخرة إن العالم “تغيّر بعض الشيء”.

وبعد سنوات من التضخم المنخفض أدت إعادة فتح اقتصادات العالم إلى ارتفاع الأسعار التي ازدادت أكثر بعد نشوب الحرب في أوكرانيا، لتثبت عدم صحة تطمينات لاغارد ورئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) جيروم باول بأن الزيادات ستكون “عابرة” فحسب.

واضطرت البنوك المركزية إلى رفع الفائدة مرّات عدة لمكافحة التضخم. وبينما تراجعت زيادات الأسعار في الأشهر الأخيرة، أبقى صانعو السياسات المعدلات مرتفعة بانتظار تحديد إن كان بإمكانهم خفضها لاحقا هذا العام.

وأقرت لاغارد بأن التوقعات التي استندت إليها قرارات المركزي الأوروبي لم تكن صحيحة على الدوام، ولم تأخذ نماذجها العوامل المرتبطة بالأزمات في الاعتبار.

وقال هوت لفرانس برس إن “إمكان الوثوق بالنماذج التي نستخدمها حاليا أقل نظرا إلى وجود العديد من العوامل التي يصعب دمجها” فيها. وأشار خصوصا إلى اضطراب سلاسل الإمداد بعد الوباء ونقص العمالة والتوترات الجيوسياسية.

ويبدو أن خبراء الاقتصاد أخطأوا بعودتهم إلى منظور الماضي. وقال خبير الاقتصاد لدى شركة أليانز تريد ماكسيم دارميه إن “مصدر الفشل ليس النماذج الاقتصادية، بل افتقار خبراء الاقتصاد إلى الخيال”.

وأضاف “استقروا على أمجادهم الماضية” بعد 30 عاما من العولمة “سار كل شيء خلالها على ما يرام”.

وبينما لجأت البنوك المركزية إلى رفع معدلات الفائدة لمنع خروج الاقتصادات عن السيطرة، حذّر الخبراء من أن النمو في البلدان المتقدمة سيسجّل تراجعا حادا أو حتى انكماشا في 2023.

لكن ما حصل أن اقتصاد الولايات المتحدة سجّل نموا العام الماضي، بينما بقي اقتصاد منطقة اليورو، باستثناء ألمانيا، ضمن منطقة النمو.

وفي الأسبوع الماضي رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي للعام 2024 إلى 3.1 في المئة، عازيا الأمر الى الصمود غير المتوقع في اقتصادات رئيسية ناشئة ومتقدمة، بما فيها الولايات المتحدة والصين.

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة برنستون ألان بلايندر لفرانس برس “هناك أحجية في تباطؤ التضخم الواضح هذا”.

وتوافرت كل المؤشرات الدالّة على ركود مقبل، لاسيما معدلات الفائدة الأميركية، بينما هيمن تشاؤم على المؤشرات، علما بأنه في سبعينات القرن الماضي كان الركود المخرج الوحيد من التضخم المرتفع.

لكن اتُّهم خبراء الاقتصاد مجددا بضيق الأفق. وأرجع هوت الأمر جزئيا إلى ضعف نوعية البيانات وتراجع معدلات الرد على الاستطلاعات.

كما ساهمت في الأمر ظواهر جديدة. فعلى سبيل المثال ساعدت المدخرات في زيادة الاستهلاك بينما تعاملت الشركات “بشكل أفضل” مع معدلات الفائدة مما كان عليه الحال في الماضي، بحسب كريستوف بارو المدير العام لماركت سكيوريتيز موناكو.

وأفادت الحائزة جائزة نوبل في الاقتصاد إستر دوفلو في مقابلة مع فرانس برس مؤخرا بأن خبراء الاقتصاد تراجعوا إلى “المرتبة الأخيرة” على قائمة المهن الأكثر جدارة بالثقة، ليتفوق عليهم حتى خبراء الأرصاد الجوية.

وأدى ذلك إلى محاولات للتغيير. ففي يوليو الماضي عيّن بنك إنجلترا المركزي الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي بن بيرنانكي ليقود مراجعة لسير عمليات التوقع التي يعتمد عليها البنك بعدما واجه انتقادات لفشله في توقع التضخم المرتفع.

من جهته قرر بنك كندا المركزي استبدال نماذجه القديمة بمنهجيات استشرافية أكثر. وقال هوت “الجميع يعلم أن النماذج الحالية لم تعد مقبولة لوضع توقعات جيدة؛ نحتاج إلى التفكير بشكل مختلف أو على الأقل إلى توسيع النماذج عبر إدماج عناصر أخرى”.

العرب