برلمان تونس يسمح للبنك المركزي بإقراض الحكومة لتمويل الخزينة العامة

برلمان تونس يسمح للبنك المركزي بإقراض الحكومة لتمويل الخزينة العامة

تونس – أقرّ البرلمان التونسي ليل الثلاثاء تعديلاً يمكّن البنك المركزي من منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامّة للدولة، في خطوة “استثنائية” وفق الحكومة لكنّ تداعياتها المحتملة على التضخّم وقيمة الدينار تثير قلق الخبراء.

وبغالبية 92 صوتاً من أصل 133 أقرّ مجلس نواب الشعب تعديلاً للقانون الذي يضمن استقلالية المركزي التونسي وكان يمنعه من تمويل الخزينة العامة.

ويرّخص النصّ الجديد للمركزي “بصفة استثنائية منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد التونسية في حدود مبلغ صاف يقدّر بسبعة آلاف مليون دينار (2.25 مليار دولار) تسدد على مدة عشر سنوات منها ثلاث سنوات إمهال ودون توظيف فوائد”.

وستتيح هذه المبالغ “تمويل جزء من عجر ميزانية الدولة لسنة 2024” بما في ذلك ديون خارجية بـ16 مليار دينار (4 مليارات دولار) بزيادة 40 بالمئة عن 2023.

وكانت وزيرة المالية سهام البوغديري قد شدّدت خلال جلسة المناقشة على أن هذه المبالغ “ليست مخصصة لتمويل نفقات جارية”.

وقالت الوزيرة إنّ ثلاثة مليارات دينار ستستخدم لسداد ديون خارجية لكن “جزءا من (القرض) سيستخدم لتمويل استثمارات عامة”.

ووجّه نواب انتقادات إلى الخطوة. وقال النائب المستقل هشام حسني إن الحكومة وبعدما تعذّر عليها الاقتراض من الخارج، لجأت إلى الاقتراض من الداخل.

وقال الخبير الاقتصادي آرام بلحاج إن اللجوء إلى البنك المركزي التونسي هو “نتيجة مباشرة لإغلاق الأبواب” في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول قرص بنحو ملياري دولار.

وكانت البلاد توصلت إلى اتفاق أوّلي مع صندوق النقد الدولي نهاية العام 2022 للحصول على قرض وضخ ملياري دولار في اقتصادها، لكن المفاوضات تعثّرت بعد أن بدا للرئيس سعيد أن شروط الحصول على القرض مجحفة وأنها قد تتسبب في اندلاع اضطرابات اجتماعية دامية لأنها تمس الفئات الشعبية الهشة.

ولطالما حذر الرئيس التونسي من أن القبول بشروط صندوق النقد الدولي يمكن أن يهدد السلم الاجتماعية، مذكرا دوما بأحداث الخبز في يناير 1984 وما خلفته من ضحايا وغضب شعبي مكتوم يمكن أن ينفجر مع العودة إلى الأخذ بأفكار الصندوق، وخاصة مسار تقليص الدعم أو رفعه كليا.

وحذّر حاكم المركزي مروان العباسي الذي تنتهي ولايته في منتصف فبراير من أن القرض سيؤدي إلى “تراجع احتياطات النقد الأجنبي مع تداعيات سلبية محتملة على الدينار التونسي.

وقال بلحاج في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية إن السلطات “تطلب بصفة استثنائية سبعة مليارات لكن لا شيء يضمن ألا يحصل استثناء ثان في العام 2025 ثم ثالث ثم رابع فخامس”.

واعتبر أنّ الاقتراض من البنك المركزي التونسي ينطوي على مخاطر ارتفاع معدّل التضخم (حاليا 8 بالمئة) لأن الكتلة النقدية المتداولة لن يكون هناك ما يقابلها من حيث السلع والخدمات.

وحذّر من أنّ هذا الأمر سيؤخر أيضا “الإصلاحات اللازمة”، مشيرا إلى النفقات العامة التي يتعين تقليصها والشركات العامة الخاسرة التي يتعين إعادة هيكلتها.

وجاءت موافقة البرلمان التونسي الأولى من نوعها في وقت أشاد فيه صندوق النقد الدولي بقدرة السلطات التونسية على مواجهة الظروف الاقتصادية السيئة التي يمر بها البلد الذي كان في طليعة ثورات الربيع العربي، قبل نحو 13 عاماً.

وقالت وزيرة المالية التونسية الثلاثاء إن مديرة صندوق النقد الدولي كريستينا غورغيفا أبلغت الوفد التونسي في دافوس الشهر الماضي بأنها منبهرة بصمود تونس وسط الأزمة المالية.

وقالت الوزيرة أمام البرلمان إن الحكومة ملتزمة بسداد كل ديونها ولا يمكنها قبول فكرة جدولتها.

ورفضت تونس الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.9 مليار دولار نتيجة خلاف بشأن نقاط تخص الإصلاحات، ومن بينها أساسا نظام الدعم الحكومي وإصلاح المؤسسات العمومية.

وأعلنت تونس الشهر الماضي أنها سددت جميع ديونها الخارجية في 2023، مبددة الشكوك حول إمكانية التخلف عن السداد. لكن اقتصاديين يقولون إن العام الحالي سيكون صعبا للغاية.

العرب