لا أمن غذائيا في الجزائر دون تنظيم العقار الزراعي

لا أمن غذائيا في الجزائر دون تنظيم العقار الزراعي

الجزائر – أولت الحكومة الجزائرية اهتماما لافتا لتنظيم العقار الزراعي في البلاد، لما تمثله العملية من قاعدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي ومعه الأمن الغذائي، خاصة في ظل الاضطرابات التي يعيشها العالم في هذا السياق، وتحول الغذاء إلى سلاح ناعم في يد القوى المحتكرة ضد الشعوب والحكومات الفقيرة، ولذلك يجري الإعداد لخطة تكفل الاستغلال اللازم والتوزيع حسب القدرات والكفاءات، وبعيدا عن تركة التجربة الاشتراكية والممارسات الإدارية البيروقراطية وتغلغل لوبيات الفساد والاحتكار.

وتعكف الجزائر على إعادة تنظيم وهيكلة العقار الزراعي في البلاد، بشكل يتواءم مع خطة النهوض بالقطاع والوصول إلى سقف الاكتفاء الذاتي، وتفادي التقلبات التي تعرفها أسعار المواد الزراعي في الأسواق الدولية، مما أدى في بعض الفترات إلى تسجيل تذبذب في التموين وارتفاع في الأسعار.

وكانت مواد استهلاكية، كزيت الطبخ، والحبوب الجافة، والحليب، وعلف المواشي، مصدر قلق حقيقي للحكومة خلال ذروة الأزمة الأوكرانية التي أفرزت تذبذبا في الأسواق الدولية، فضلا عن ممارسات تجارية غير نزيهة، واجهتها بترسانة تشريعية قاسية في حق المحتكرين والمضاربين.

وأمام هذه الوضعية، تجري مراجعة آليات وصيغ الاستفادة من العقار الزراعي، خاصة وأن القطاع تراكمت عليه مجموعة من التجارب الفاشلة، بداية من النمط الاشتراكي الذي طبقته البلاد منذ الاستقلال (1962) إلى غاية منتصف الثمانينات، إلى صيغ الامتياز التي فتحت المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في الزراعة، ثم التوجه الى استصلاح الأراضي الصحراوية، غير أن ذلك ظل رهين التسيير الإداري البيروقراطي، الأمر الذي كرس ممارسات الفساد والاحتكار وتحويل المزارع عن غير وجهتها الحقيقية وأثر على مردودية وحتى جدوى المساحات المتوفرة في تعزيز الإنتاج الوطني من مختلف الشُّعب الزراعية.

وورثت الحكومة صيغا تمليكية متعددة أخرى للعقار الزراعي، على غرار ما يعرف بـ”أراضي العرش”، والأراضي “الوقفية”، وهي ملكية لمجموعات أفراد أو مؤسسات دينية، تخضع لقواعد عرفية، وهي وضعية أفرزت مشاكل وتعقيدات أثرت على استغلال العقار وأخرجته من طبيعته الحقيقية.

وأراضي العرش، هو نظام تمليك موروث عن الإدارة الفرنسية الاستعمارية، يشترك فيه أفراد قبائل بأكملها وتقع بشكل كبير في الهضاب العليا والسهوب المتاخمة للصحراء، ومع تكاثر العائلات وتوالي الأجيال أصبحت ملكية العقار مصدر مشاكل اجتماعية وإدارية، خاصة في المساحات التي تقع في إقليم أكثر من ولاية أو بلدية، ويجري في الغالب إهمالها بسبب الخلافات بين العائلات والعشائر.

وأمام نية الحكومة في تحرير المساحات الزراعية المتاحة والمقدرة بتسعة ملايين هكتار من قبضة لوبيات تحتكر القطاع وتستغلها لأغراض لا تدخل في خطة النهوض الزراعي في البلاد، يجري فتح جلسات حوار ومشاورات مع الفاعلين في القطاع وفي المؤسسات المنتخبة، من أجل بلورة خطة تضع الأرض الزراعية لمن يخدمها وليس لمن يحتكرها.

وأوضح رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، في مداخلة له، بأن “وقوع العقار الزراعي تحت تصرف غير القادرين على استغلاله بكفاءة، سواء بعقد ملكية أو كراء، يشكل إهدارا لطاقات إنتاجية وخسائر مادية غير قابلة للتعويض، وهو ما يبقي الحاجة إلى توفير الغذاء رهينة للاستيراد، والأخطر من ذلك أنه يرهن السيادة الغذائية ويجعل الأمن المرتبط بها هشا ومقلقا”.

ودعا المتحدث إلى “المحافظة على العقار الزراعي وحمايته، والتفكير بكل الطرق الممكنة لحماية وجهته من كافة أشكال العبث أو الإهدار، فهذا العقار هو مورد إنتاج، ومستودع إستراتيجي للغذاء”. وأكد على أن “بعض النصوص الناظمة يعود إلى سنوات عديدة، وربما قد بات من الضروري الآن إعادة النظر في بعضها لتحيينها وجعلها متماشية مع الواقع الذي نعيشه اليوم”.

◙ الجزائر تعكف على إعادة تنظيم وهيكلة العقار الزراعي في البلاد، بشكل يتواءم مع خطة النهوض بالقطاع والوصول إلى سقف الاكتفاء الذاتي

وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد أصدر حزمة من القرارات التنظيمية للقطاع في مختلف مجالس الوزراء، تتعلق بالمزارع النموذجية، والخطة الاستعجالية لتحديث القطاع، وتسوية وضعية المزارعين الذين يستغلون منذ أجيال الأراضي التابعة لأملاك الدولة دون سندات، وتسوية ملفات استصلاح الأراضي الزراعية، مع مطلع العام الجاري، ومنح عقود الملكية لأصحابها.

ولفت رئيس لجنة الزراعة والصيد البحري وحماية البيئة في البرلمان فارس زياني إلى أن نجاح أي سياسة زراعية مرهون بامتلاك قاعدة صلبة، قوامها ثبات أهم عامل من عوامل الإنتاج في القطاع الفلاحي وهو الأرض. وأكد على أن “المسار الذي عرفته المنظومة العقارية الزراعية على مدار عقود، كانت له تبعات أثقلت كاهل الفاعلين في قطاع الزراعة، جراء ممارسات شابها الابتعاد نهائيا عن النشاط الزراعي وتحويل الوجهة الأساسية لأراض خصبة إلى أغراض أخرى”.

وفي هذا الشأن، أوصى خبراء ونواب خلال جلسات برلمانية نظمت لمناقشة الملف، بـ”إعادة النظر في الوضعية القانونية لأراضي (العرش)، والتفكير في وضع قانون خاص بالسهوب والمراعي في مناطق الهضاب العليا بما يتماشى مع التنمية السهبية. ودعا الخبراء إلى “تمديد الآجال الزمنية لإيداع الملفات الخاصة بالأراضي المملوكة للدولة المستغلة دون سندات، ومراجعة كيفيات إثبات عدم استغلال الأراضي الزراعية، وعمل ومهام اللجنة الولائية المكلفة بذلك”.

وتم التأكيد على “ضرورة توحيد كيفيات استغلال الأراضي الزراعية الوقفية عن طريق الإيجار، مع الأخذ بعين الاعتبار صيغ “المزارعة”، “المساقاة” وعقد “الحكر”، ووجوب إصدار دفتر شروط نموذجي خاص بالمستثمرات الزراعية الجماعية والفردية المسترجعة من الأراضي الوقفية. وتضمنت التوصيات أيضا “مراجعة نصوص وقوانين التوجيه الزراعي وكيفيات استغلال العقار الزراعي، والنشاطات الزراعية ومهام الديوان الوطني للأراضي الزراعية والأراضي الصحراوية، وتجزئة المساحات ورقمنة القطاع.. وغيرها”.

العرب