العالم يواجه اليوم مشكلة تشبه العقبات التي واجهتها الاقتصادات الأصغر في الماضي، حيث أصبح عدد السكان أكبر من أن يتناسب مع قاعدة موارد الاقتصاد التي تشمل الآن الوقود الأحفوري. ويعيد قادة اليوم صياغة المشكلة باعتبارها “الابتعاد الطوعي عن الوقود الأحفوري لمنع تغير المناخ” من أجل جعل المشهد أقل إثارة للمخاوف.
واشنطن – ينتشر الحديث عن التخلي عن الوقود الأحفوري لكبح تغير المناخ، بينما سنصل إلى النتيجة نفسها تقريبا إذا نفذ الوقود الأحفوري ولم نستطع استخراج المزيد منه.
ويرى الباحث غيل تفيربيرغ في تقرير نشره موقع أويل برايس الأميركي إن الاقتصاد يعتمد على الوقود الأحفوري بشكل كبير وسنشهد، إذا لم تتوفر كمية منه تكفينا جميعا، قتالا حول ما تبقى منه.
ويضيف تفيربيرغ أنه من المرجح أن تحصل بعض البلدان على أكثر كثيرا من حصتها العادلة، في حين لا يجد بقية سكان العالم كمية تكفي لسد احتياجاتهم (أو لا يحصلون على أي شيء).
ويتابع أنه إذا كان فقدان الوقود الأحفوري الكامل (أو شبه الكامل) يمثل خطرا على بعض سكان العالم، فيجب النظر في الأشياء التي ستتأثر.
1 – فشل البنوك
ينتشر الحديث عن التخلي عن الوقود الأحفوري لكبح تغير المناخ، بينما سنصل إلى النتيجة نفسها تقريبا إذا لم نستطع استخراج المزيد منه
أعتقد أننا سنشهد تضخما مفرطا قبل أن تفشل البنوك في المناطق التي يشح فيها الوقود الأحفوري. وسترفع الحكومات من المعروض النقدي في محاولة عبثية حتى توهم مواطنيها بإنتاج المزيد من السلع والخدمات.
وسيُعتمد استخدام هذا النهج لأن الكثيرين يساوون بين امتلاك المزيد من المال والقدرة على شراء المزيد من السلع والخدمات. لكن إنتاج السلع سيصعب عند غياب الوقود الأحفوري.
وسيعني المزيد من المال ببساطة المزيد من التضخم لأن تشغيل الآلات من جميع الأنواع لصنع السلع يتطلب موارد مادية، بما في ذلك الأنواع المناسبة من الطاقة.
ويتطلب توفير الخدمات أيضا الوقود الأحفوري، وإن كان بدرجة أقل من إنشاء السلع.
ولنذكر تصنيع المقص المستخدم في قص الشعر على سبيل المثال، فهو يتطلب طاقة الوقود الأحفوري. ويجب دفع أجرة الحلاق. ويجب أن يكون المبلغ الذي يتلقاه مرتفعا بما يكفي لتغطية التكاليف المرتبطة بالطاقة مثل شراء الغذاء وطهيه لأكله. وسيحتاج دكان الحلاقة إلى ميزانية لدفع ثمن الوقود الأحفوري المولد للحرارة والضوء، على افتراض أن هذه الطاقة متاحة.
وستفشل البنوك حيث لا يمكن سداد حصة كبيرة جدا من الديون بالفائدة المنصوص عليها.
ويتلخص جزء من المشكلة في أن أسعار السلع والخدمات سوف ترتفع بسرعة أكبر من الأجور، مما يبقيها بعيدة المنال.
ويتلخص جزء آخر من المشكلة في أن اقتصادات الخدمات، مثل اقتصادات الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، ستتأثر بالاقتصاد المتدهور بشكل غير متناسب.
وسيقص الناس شعرهم بأنفسهم في مثل هذا الاقتصاد، وينفقون أموالهم على الضروريات، بما في ذلك الطعام والماء ولوازم الطهي.
وستفشل المحلات التي تقدم الخدمات، مثل صالونات تصفيف الشعر والمطاعم، بسبب نقص العملاء وسيؤدي هذا إلى تخلف أصحابها عن سداد ديونهم.
تفشل حكومات اليوم جزئيا بسبب محاولات إنقاذ البنوك. وتُطرح مشكلة انخفاض الإيرادات الضريبية بسبب إنتاج عدد أقل من السلع والخدمات. وسيصبح تمويل برامج المعاشات التقاعدية أكثر صعوبة. وستؤدي كل هذه المصاعب إلى وضع سياسات مثيرة للانقسام على نحو متزايد.
وقد تتفكك الحكومات المركزية في بعض الحالات، تاركة الولايات وغيرها من الوحدات الأصغر حجما، مثل المقاطعات، في مواجهة التبعات بمفردها.
وستجد المنظمات الحكومية الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي، أن أصواتها لم تعد تلقى آذانا صاغية وستفشل وسيصبح حشد التمويل الكافي من الدول الأعضاء مشكلة متزايدة.
وتعدّ الديكتاتوريات التي يحكمها القادة الذين يتمتعون بسلطة مطلقة والأرستقراطيات التي يقودها أفراد يتمتعون بحقوق وراثية من أنواع الحكومات ذات المتطلبات الأقل للطاقة. ومن المرجح أن تصبح هذه الأنماط أكثر شيوعا دون الوقود الأحفوري.
3 – ستفشل جل شركات
يعتبر الوقود الأحفوري ضروريا لجميع أنواع الأعمال. ويُعتمد في استخراج المواد الخام ونقل البضائع. ونستخدمه لتمهيد الطرق وبناء جل المباني. ويعني غيابه أن الإصلاحات البسيطة التي تتطلبها البنية التحتية الحالية ستصبح مستحيلة. كما أن الشركات الدولية معرضة بشكل خاص لخطر التفكك، حيث لن تستطيع العمل في أجزاء من العالم دون إمدادات الوقود الأحفوري.
ويستخدم الوقود الأحفوري في صنع الألواح الشمسية وتوربينات الرياح وقطع غيار السيارات الكهربائية. ويعني هذا أن الحديث عن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح باعتبارها “مصادر طاقة متجددة” مضلل إلى حد كبير.
ويمكن وصف هذه الطرق في أحسن الأحوال بـ”موسعات” الوقود الأحفوري، فقد تساعد في حالة الانخفاض الطفيف في إمدادات الوقود الأحفوري، لكنها ليست من البدائل الكافية.
4 – ستختفي شبكة الكهرباء والإنترنت
يبقى الوقود الأحفوري مهما للحفاظ على الشبكة الكهربائية. وتتطلبه استعادة خطوط الكهرباء المنهارة بعد العواصف على سبيل المثال. وتعدّ المادة أساسية في توصيل الألواح الشمسية أو توربينات الرياح بالشبكة الكهربائية. وقد تعمل أنظمة الألواح الشمسية المنزلية حتى تستهلك مكوناتها بالكامل، ثم تتدهور فائدتها. ويتطلب ترميمها أو تجديدها الوقود الأحفوري.
كما أن الطاقة مهمة للحفاظ على نظام الإنترنت. ولا يمكن استخدام أجهزة الكمبيوتر نفسها للاتصال ببقية العالم دون شبكة كهرباء.
5 – تقلّص التجارة الدولية
يعرف الكثيرون قصة الملوك الثلاثة من الشرق الذين جاؤوا لزيارة المسيح المولود بهدايا ثمينة. وقرأنا أيضا قصصا في الكتاب المقدس عن سفر بولس إلى بلدان بعيدة. ونعلم من هذه الأمثلة وغيرها أن التجارة الدولية والسفر يمكن أن يستمرا دون الوقود الأحفوري.
لكن المشكلة هي أنه لن يكون لدى بعض أجزاء العالم، دون وقود أحفوري، سوى القليل لتقدمه مقابل السلع المصنوعة من الوقود الأحفوري.
وستكتشف البلدان التي تمتلك الوقود الأحفوري بسرعة أن الديون الحكومية من البلدان التي تفتقر إليه لا تعني الكثير عندما يتعلق الأمر بدفع ثمن السلع والخدمات. ونتيجة لذلك، سنشهد تقليص التجارة لتتناسب مع الصادرات المتاحة. ومن المتوقع أن تصبح صادرات السلع محدودة لأجزاء العالم غير المتمتعة بالطاقة الأحفورية.
6 – الزراعة ستصبح أقل كفاءة
أصبحت الزراعة اليوم فعالة بفضل المعدات الميكانيكية الضخمة التي تعمل بالديزل، والمواد الكيميائية، بما في ذلك مبيدات الأعشاب والمبيدات الحشرية والأسمدة. كما تُعتمد الأسوار والشباك المصنوعة من الوقود الأحفوري لإبعاد الحشرات. وتسمح الدفيئات بالتحكم بالمناخ المناسب للنباتات.
ويساعد الوقود الأحفوري على تطوير البذور الهجينة المتخصصة التي تتضمن الخصائص التي يريدها المزارعون. لكن كل هذا سينتهي وستصبح الزراعة أقل كفاءة.
وتبرز بيانات جمعها البنك الدولي أن حصة العمالة التي توفرها الزراعة ارتفعت حتى مع الانخفاض الطفيف في استخدام الوقود الأحفوري في 2020. وتعدّ العمالة في الزراعة ضرورية. ولم يتقرر تسريح هؤلاء العمال، حتى مع خسارة نظرائهم في السياحة وقطاع الملابس الفاخرة وظائفهم. وارتفعت حصة الوظائف الزراعية في إجمالي العمالة.
7 – احتياجات العمالة الزراعية غير متناسبة
يحتاج الجميع إلى الغذاء في ظل أي سيناريو. ومن المتوقع أن ترتفع حصة السكان في الزراعة (بما في ذلك الصيد وجمع الثمار) ارتفاعا كبيرا.
ويأمل البعض أن يؤدي التحول إلى استخدام الزراعة المستدامة، إلى حل مشكلة اعتماد الزراعة على الوقود الأحفوري. أما أنا فإنني أرى أن الزراعة المستدامة ليست سوى امتداد للوقود الأحفوري، لا حلا للاستغناء عنه. فهي تفترض استخدام العديد من الأجهزة القائمة على الوقود الأحفوري. وتحل الزراعة المستدامة في أحسن الأحوال جزئيا مشكلة عدم الكفاءة لأنها تتطلب قدرا كبيرا من العمل البشري.
8 – ستصبح التدفئة المنزلية امتيازا للأثرياء
عند غياب الوقود الأحفوري، سيزداد الطلب على الخشب لقيمته الحرارية. وسيصبح أساسيا لطهي الطعام، حيث يصعب العيش على نظام غذائي نيئ.
وسيكون الخشب مطلوبا لصنع الفحم الذي يمكن استخدامه لصهر بعض المعادن. وتعني هذه الطلبات على الخشب أنه من المرجح أن تصبح إزالة الغابات مشكلة رئيسية في أجزاء كثيرة من العالم. وسيكون الخشب مكلفا لتكلفة قطعه الكبيرة ونقله لمسافات طويلة دون وقود أحفوري.
وقد يتمكن الذين يعيشون في المناطق المشجرة ذات الكثافة السكانية المنخفضة من جمع أخشابهم للتدفئة المنزلية. لكن التدفئة المنزلية ستصبح بالنسبة إلى الآخرين أمرا لا يمكن إلا للأثرياء تحمل تكلفته.
9 – لن يعود بإمكانك العيش بمفردك
يعني غياب الحرارة الكافية وغلاء الخشب أن على الناس (وحيواناتهم) التجمع معا أكثر. وقد تصبح المنازل التي تضم أجيالا متعددة، والموجودة حيث يمكن إنشاء مزرعة، شائعة مرة أخرى. وسيكون الطهي لمجموعات كبيرة أمرا أكثر كفاءة من الطهي لشخص واحد في كل مرة. وسيتجمع الناس في المناطق الباردة في الأسرة للتدفئة. أو سيتجمعون مع كلابهم كالمثل القائل بأن “الليلة باردة لدرجة تتطلب النوم وسط ثلاثة كلاب”.
وسيعيش الناس معا في مجموعات حتى في الأجزاء الدافئة من العالم، لأن شراء سرير لكل شخص سيصبح مكلفا. وسيستهلك الطعام والوقود لطهي حصة كبيرة لكامل الأسرة. ولن يتبقى الكثير للنفقات الأخرى.
10 – الحكومات وقوانينها
قدمت الحكومات مئات الوعود. ولكن غياب إمدادات الوقود الأحفوري (أو البدائل المناسبة)، يعني أنها لن تكون قادرة على الوفاء بها. وسوف تختفي المعاشات التقاعدية. ومن المرجح أن تتقلص قدرة الحكومات على إنفاذ قوانين الملكية. وتصبح الفوضى الجماعية هي نتيجة محتملة. ويتوق الناس إلى النظام. وتستحيل ممارسة الأعمال التجارية دون ترتيب. ونعلم من التجربة الأخيرة أن “مجموعات الاستدامة”، التي يشكلها أشخاص تجمعهم مصلحة مشتركة في التكاتف، لا تكفي لتوفير النظام وتنهار بمجرد ظهور العقبات.
وكان مزيج التقاليد والأديان ما وفر النظام في الماضي. ومن المرجح أن يتأقلم مع عالم متغير. وفي كتاب “مجتمعات ملتزمة” لديمتري أورلوف ومجموعة من الكتاب، أشار المؤلفون إلى أن وجود قائد قوي (غير منتخب) ومجموعة مشتركة من المعتقدات الدينية يساعد في الحفاظ على تماسك المجموعة. ومن المفيد أن تتعرض المجموعة “للاضطهاد” إلى حد ما. ويعتبر القتال من أجل قضية مشتركة أمرا يحافظ على لحمة المجموعة.
ويمكن تفسير الوصايا العشر في الكتاب المقدس بطريقة توحي بأنها قواعد داخل المجموعة، وليس للسلوك عامة. على سبيل المثال، ينطبق أمر “لا تقتل” على أعضاء آخرين في المجموعة بينما كانت الحروب ضد الجماعات الأخرى متوقعة. ومن المتوقع قتل أعضاء مجموعة أخرى في تلك الحروب. يبدو أن هذا يسمح بقتل إسرائيل لأعضاء حماس اليوم. وسيصبح القتال أكثر تواترا عند غياب ما يكفي من الوقود الأحفوري.
العرب