في البداية، لا بد من الاعتراف بأن منظومة النظام السلطوية في إيران استطاعت تفكيك صفوف القوى المختلفة معها من إصلاحيين ومعتدلين بشقيهم الوسطيين والمحافظين، إلى المستوى الذي سهل عليها وعلى القوى الموالية لها، الاستفراد بالمشهد الانتخابي من دون أي خوف من حصول مفاجآت، أو مواجهة نتائج دراماتيكية غير محسوبة.
ولتحقيق هذا الهدف، لم تترك هذه المنظومة أياً من الوسائل المتاحة قانونياً ودستورياً (وزارة الداخلية ومجلس صيانة الدستور)، وغير المتاحة من خلال أجهزتها الأمنية (تقارير وزارة الاستخبارات وجهاز استخبارات حرس الثورة)، إلا واستخدمتها ووظفتها لإبعاد الخطر والقضاء عليه في مهده، فبادرت إلى تشتيت شمل معارضيها أو مصادر القلق، وحالت دون قدرتهم على التجمع أو حتى التفكير بالحد الأدنى من المنافسة، وقطعت الطريق أمام أي طموح لهم في إمكان العودة للحياة السياسية والشراكة في السلطة في المدى المنظور على أقل تقدير.
لائحة غير مكتملة
فعندما يقول أكبر تشكل، أي “الجبهة الإصلاحية” التي تضم معظم القوى والجماعات والأحزاب الإصلاحية ومؤسسات المجتمع المدني إنه غير قادر على تشكيل لائحة انتخابية عن العاصمة طهران، يعني أن هذه الجبهة غير قادرة في أحسن الأحول على تعريف 30 مرشحاً ممن تثق بتوجهاتهم الإصلاحية أو يحملون الخطاب الإصلاحي الذي تنادي به، وفي أسوأها من الصعب عليها تشكيل لائحة غير مكتملة من مرشحين ينتمون إلى الصفوف الأخيرة في الحراك الإصلاحي، وأن الخيارات المتاحة أمامها من الأسماء التي استطاعت العبور من مصفاة مجلس صيانة الدستور غير قادرة أو مؤهلة لحمل المشروع الإصلاحي والدفاع عنه.
في المقابل، يمكن القول إن تجمعاً من 30 مرشحاً، استطاعوا بقيادة النائب السابق عن مدينة طهران علي مطهري، شقيق زوجة رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، إعلان لائحة مكتملة، كانت أولى اللوائح المتوقع إعلانها عن العاصمة طهران.
وقد يكون من الصعب تصنيف مطهري في خانة الأشخاص أو القوى التي تتبنى الخطاب الإصلاحي أو التوجهات الإصلاحية، ولا حتى وضعه في خانة القوى الوسطية المعتدلة التي يمثلها تيار الرئيس السابق حسن روحاني، بل هو أقرب إلى الجناح المعتدل في التيار المحافظ التقليدي الذي يمثله لاريجاني وبعض المحافظين التقليديين الذين يفضلون الابتعاد من الدخول في صراعات مع الأجنحة الأخرى في التيار المحافظ وانتظار ما ستؤول إليه الأمور. إلا أن هذه اللائحة شكلت متنفساً لبعض الأحزاب المحسوبة على التيارين الإصلاحي والاعتدالي لإعلان دعمها، ليس انطلاقاً من قناعتها بأن هذه اللائحة ربما تشكل فارقاً أو متحولاً في العملية السياسية، بل من منطلق قول “لا” للتيار المحافظ والقوى الموالية للنظام، أو على حسب المثل الإيراني الذي يقول “ليس حباً بمعاوية بل كرهاً بعلي”.
واختارت هذه الأحزاب الذهاب إلى خيار تبني هذه اللائحة، مدفوعة بمخاوفها من أن تدخل في صراع مفتوح ومباشر مع قوى النظام ومنظومة السلطة، في حال ذهبت إلى خيار المقاطعة أو الانكفاء وترك الخيار للناخب وما يقرره بالمشاركة من عدمها. ووقفت في المنطقة الوسط بين خيار اللاموقف الذي اعتلته “الجبهة الإصلاحية” وترك الخيار للمواطن الإيراني، وبين ما دعا إليه حزب “كوادر البناء” الذي أسس تحت رعاية من الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، من ضرورة المشاركة في أي شكل من الأشكال حفاظاً على العملية الديمقراطية، وحتى لا تصب المقاطعة في مصلحة قوى النظام والسلطة التي تسعى من خلال استراتيجية استبعاد المعارضين وحذفهم بمختلف مستوياتهم إلى تنفيذ مخططها، بتحويل السلطة إلى حكومة دينية من خلال القضاء أو الإضعاف للبعد الجمهوري في صيغتها الدستورية والسياسية “جمهورية إسلامية”.
كعكة السلطة
في المقابل وعلى رغم الإعلان عن هذه اللائحة بقيادة أو رئاسة مطهري ومجموع المواقف الصادرة عن القوى الإصلاحية بمختلف توجهاتها من العملية الانتخابية، فإن القوى والأحزاب والجماعات الموالية للنظام التي تشكل عصب التيار المحافظ، لم تتوقف عند هذا الإعلان وهذه المواقف، ولم تعتبرها تحدياً لها أو تهديداً لما تخطط له من استيلاء على جميع مقاعد العاصمة وما تمثله من رمزية في الصراع على السلطة، بل استمرت في تأجيج صراعاتها الداخلية ومحاولة كل طرف الفوز بالنصيب الأكبر من كعكة السلطة على حساب الطرف الآخر.
هذا الصراع بين أطراف التيار المحافظ والجماعات التي تمثل القوى التي يريدها النظام ومنظومة السلطة لتكون في الواجهة وتتولى قيادة السلطة التشريعية في المرحلة المقبلة، يبدو أنه غير مرشح للتراجع، بل ربما يتجه إلى مزيد من التصعيد والتصاعد، مترافقاً مع استخدام كل الوسائل ضد بعضهم بعضاً.
ويبدو أن الجماعات المنضوية تحت مسمى “تجمع ائتلاف قوى الثورة” بقيادة رئيس البرلمان الأسبق والمقرب من المرشد الأعلى غلام علي حداد عادل، وهي الجماعة أو التجمع الذي يشكل المظلة الأوسع للتيار المحافظ والأقدر على ترجمة توجهات المرشد وإرادة النظام، تشكل نقطة التقاء للتشكلات المحافظة الأخرى في المعركة على السلطة، إذ يسعى كل تشكل من هذه التشكلات إلى الاستمرار في الضغط وابتزاز هذا التجمع، واستغلال نقطة الضعف الأساسية في تركيبته للائحة المرشحين، وتمسكه بمحمد باقر قاليباف رئيس البرلمان الحالي على رأسها حتى الدقيقة 90 إذا ما شعر بوجود إمكان التوصل إلى تسوية، خصوصاً أن هذه التشكلات ترفض ترؤس قاليباف للائحة الموحدة التي تعطيه أفضلية للعودة إلى رئاسة البرلمان الجديد، من دون أن تسقط من اعتباراتها الاستعداد للمساومة والابتزاز من أجل الحصول على مكاسب أكثر وقدر أكبر من المقاعد الـ30 في العاصمة طهران تحديداً، مقابل سكوتها أو عدم معارضتها على ترؤس قاليباف.