بغداد – ليس أمام تحول العراق إلى دولة رائدة على مستوى العالم في تصدير البتروكيماويات أي عائق عملي، حيث يتمتع بموارد هائلة من النفط والغاز. لكن المشكلة الرئيسية التي تمنعه من تحقيق إمكاناته في مجال النفط والغاز والبتروكيماويات تكمن في الفساد المستشري في قطاع الطاقة وغيره من القطاعات.
ويبدو أن خروج شركة شل البريطانية العملاقة الأسبوع الماضي من مشروع نبراس للبتروكيماويات في العراق، والذي تبلغ قيمته 11 مليار دولار، سيغير قواعد اللعبة.
وأبرمت شركة شل الصفقة في يناير 2015. وكانت الآمال المعلقة على المشروع كبيرة على الجانبين. وكان ذلك سيوفر لشركة شل فرصة بناء عملياتها الأولية في مجنون وغرب القرنة 1 وتحويلها إلى قدرة رائدة في مجال الصناعات التحويلية.
وقال وزير الصناعة آنذاك ناصر العيساوي إن العمل في مجمع نبراس للبتروكيماويات سينطلق في غضون خمس إلى ست سنوات، ومن شأنه أن يجعل بلاده أكبر منتج للبتروكيماويات في الشرق الأوسط.
كان يتعين على شركة شل دفع حوالي 4 مليارات دولار عمولات دون التأكد من أن ذلك سيقود إلى السماح بتقدم المشروع
وصرح مصدر رفيع المستوى كان يعمل مع وزارة النفط العراقية خلال تلك الفترة بأن”الموقع في مركز النفط الجنوبي في البصرة كان مثاليا، وأن شركة شل تمتلك كل التكنولوجيا والمعدات والأشخاص المطلوبين للمهمة. وأنها كانت ستدفع العراق بقفزة واحدة إلى المجموعة الرئيسية لمنتجي البتروكيماويات في الشرق الأوسط”.
وذكر المصدر العراقي أن المشاكل برزت أمام شركة شل في مشروع نبراس بمجرد محاولتها بدء أعمال البناء.
وقال إن “دفع العمولات شائع جدا في الشرق الأوسط. ولكنه يبقى أمرا يمكن اعتباره رشوة في الغرب، خاصة في ما يتعلق بأمور الحصول على تصاريح العمل، أو الموافقة على طلبات التأشيرة، أو تسليم المعدات. كما توجد مبالغ يطلبها كبار المسؤولين الحكوميين”، وقد تبدو أميل إلى الرشوة، حسب رأيه.
وأضاف “كانت شركة شل، على سبيل المثال، تحصل في مشاريع تطوير حقولها النفطية على 1.39 دولار لكل برميل مستخرج من حقل مجنون و1.90 دولار من حقل غرب القرنة 1. ولكن طلب منها المسؤولون الحكوميون دفع عمولات، وهو ما كان سيقلص أرباحها إلى 1.25 دولار فقط للبرميل من حقل مجنون و1.70 دولار للبرميل الواحد من غرب القرنة 1”.
وأكد أن “بضعة سنتات تحدث فرقا كبيرا عندما تعمل بهوامش ضئيلة. وسيتعين على شركة شل دفع حوالي 4 مليارات دولار كمدفوعات العمولات في مشروع نبراس للبتروكيماويات، دون أن تعرف ما إذا كانت تتعامل مع الأشخاص الذين يمكنهم بالفعل السماح بتقدم المشروع”. وتابع “حدث نفس الشيء لشركة إكسون موبيل في مشروعها المشترك لإمداد مياه البحر. وكانت لهذا السبب مترددة في المضي قدما في هذا المشروع أيضا”.
11 مليار دولار، قيمة مشروع نبراس للبتروكيماويات في العراق
ووضعت منظمة الشفافية الدولية المستقلة غير الحكومية في “مؤشر مدركات الفساد” خلال تلك الفترة العراق في المرتبة 168 من بين 180 (الدولة 180 هي الأكثر فسادا).
ووُصف العراق بأنه “من بين أسوأ الدول في مؤشرات الفساد والحوكمة، مع تفاقم مخاطر الفساد بسبب نقص الخبرة في الإدارة العامة، وضعف القدرة على استيعاب تدفق أموال المساعدات، والقضايا الطائفية، وغياب الإرادة السياسية لبذل جهود مكافحة الفساد”.
وأضافت المنظمة أن “عمليات الاختلاس واسعة النطاق، وعمليات الاحتيال في مجال المشتريات، وغسل الأموال، وتهريب النفط، والرشوة البيروقراطية واسعة النطاق، هي ما أدت إلى وصول البلاد إلى قاع تصنيفات الفساد الدولي، وأججت العنف السياسي وأعاقت بناء الدولة وتقديم الخدمات الفعال”.
وذكرت أن “التدخل السياسي في هيئات مكافحة الفساد وتسييس قضايا الفساد، وضعف المجتمع المدني، وانعدام الأمن، ونقص الموارد والأحكام القانونية غير المكتملة، يحد بشدة من قدرة الحكومة على كبح الفساد المتزايد بكفاءة”.
ويرى سايمون واتكينز في تقرير لموقع أويل برايس الأميركي أن مشروع نبراس كان سيوفر فرصة تجارية هائلة تسمح بتطوير قطاع البتروكيماويات في العراق.
وذكرت شخصية بارزة في إحدى الشركات الروسية، التي كانت تتطلع إلى الاستحواذ على مشروع نبراس، لموقع أويل برايس حصريا في 2018 أن “شركة شل قامت بعمل جيد حتى الآن في مشروع شركة غاز البصرة. لكن البلد يبقى بحاجة إلى تنفيذ خطط لتطوير مركز غاز ثانٍ بعيدًا عن البصرة. سيمكّن ذلك من وصول أحجام الغاز إلى متوسط مليار قدم مكعبة قياسية يوميًا، بما سيمكّن من استخراج الإيثان على أساس مستدام وموثوق، وهو ما سيوفر حجمًا كافيًا لتشغيل مصنع كبير للبتروكيماويات”.
العرب