ماذا ينتظر تشاد بعد اشتباكات العاصمة

ماذا ينتظر تشاد بعد اشتباكات العاصمة

نجامينا – يرجح محللون أن تكون الاشتباكات المسلحة الأخيرة في العاصمة التشادية نجامينا محاولة نظمها رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد ديبي لتعزيز سلطته قبل الانتخابات المقبلة، لكنها تخاطر في الحقيقة بإثارة عنف يمكن أن يزعزع أكثر استقرار هذه الدولة الأفريقية.

وقُتل عدة أشخاص في هجوم على مكاتب جهاز أمن الدولة الوطني في تشاد، وهو جهاز الاستخبارات الداخلية النافذ. وتتهم الحكومة الحزب الاشتراكي المعارض بالوقوف وراء الحادث.

وتدعي الحكومة أن الوضع “تحت السيطرة”. وهاجمت قواتها، حسب موقع “تشاد وان” الإخباري، مقر الحزب في العاصمة. وتسبب هذا في مقتل العشرات.

ومن ثم انتشرت تقارير تفيد بمقتل زعيم الحزب يحيى ديلو، وهو ما أكده المدعي العام التشادي لاحقا في التاسع والعشرين من فبراير. ويبدو أيضا أن صالح ديبي إتنو، عم زعيم المجلس العسكري التشادي محمد ديبي، قد اعتقل إثر مداهمة مقر إقامته.

وأعرب رئيس الوزراء التشادي وزعيم المعارضة السابق سوسيس ماسرا، بعد الثامن والعشرين من فبراير، عن “دعمه الكامل وغير المشروط” لزعيم المجلس العسكري محمد ديبي.

وقيل إن الاشتباكات مساء يوم السابع والعشرين من فبراير اندلعت إثر محاولة اعتقال أمين مال الحزب الاشتراكي أبوبكر الترابي، الذي اقتيد في النهاية إلى مكاتب وكالة الاستخبارات، مما دفع أعضاء الحزب إلى شن هجوم على مقرها.

الاشتباكات تسلط الضوء على غياب الاستقرار السياسي في تشاد وتثير احتمال حدوث محاولة انقلاب أخرى

وتأسس الحزب الاشتراكي في 2015 وكان معارضا للرئيس التشادي السابق إدريس ديبي إتنو. وأوقف المجلس العسكري في أكتوبر 2022 أنشطة الحزب لمدة ثلاثة أشهر إثر مشاركته في الاحتجاجات المناهضة للحكومة في نفس الشهر.

ورجح تقرير نشره موقع ستراتفور أن تكون حملة القمع العنيفة التي تشنها الحكومة على الحزب محاولة من زعيم المجلس العسكري محمد ديبي لقمع التهديدات المتزايدة التي تستهدف سلطته من داخل جماعة الزغاوة العرقية الحاكمة قبل الانتخابات الرئاسية في تشاد في مايو ويونيو.

وعلق الجيش في البلاد العمل بالدستور بعد وفاة الرئيس إدريس ديبي إتنو في أبريل 2021، وحل الحكومة والجمعية الوطنية، وأنشأ مجلسا عسكريا انتقاليا برئاسة أحد أبناء الرئيس الراحل محمد ديبي، ليقود البلاد خلال فترة انتقالية مدتها 18 شهرا.

وتقرر تمديد الفترة الانتقالية لمدة 24 شهرا أخرى في أكتوبر 2022، مما أثار احتجاجات دامية اشتبك خلالها المتظاهرون مع قوات إنفاذ القانون.

وسعى محمد ديبي منذ توليه السلطة إلى تعزيز سيطرته على جيش البلاد وجماعته العرقية الزغاوة، التي تحكم تشاد منذ 1990. لكن ديبي واجه صعوبات متكررة على الجبهتين.

وبرز هذا في العاشر من فبراير حين انضم عمه صالح ديبي إتنو إلى الحزب الاشتراكي وترشيحه للانتخابات الرئاسية في مايو ويونيو.

وتحدت هذه الخطوة سلطة ديبي وهددت بتقويض مكانته بين الزغاوة، خاصة مع كون زعيم الحزب الراحل يحيى ديلو كان أيضا من نفس الجماعة العرقية.

ديبي سعى منذ توليه السلطة إلى تعزيز سيطرته على جيش البلاد وجماعته العرقية الزغاوة، التي تحكم تشاد منذ 1990

ومع مقتل ديلو واعتقال صالح ديبي إتنو، ربما كانت حوادث الثامن والعشرين من فبراير محاولة من زعيم المجلس العسكري في تشاد للاستفادة من هجوم الحزب الاشتراكي على مقر الاستخبارات لتأكيد سلطته قبل الانتخابات.

وجمعت صلة قرابة بعيدة زعيم الحزب الاشتراكي المقتول ديلو بمحمد ديبي، حيث كانت والدة ديلو ابنة عم الرئيس الراحل إدريس ديبي إتنو.

وجاء هجوم الحكومة على مقر الحزب الاشتراكي بعد يوم على إعلان وكالة الانتخابات التشادية في السابع والعشرين من فبراير أن السباق الرئاسي سيكون في مايو ويونيو.

وتسلط الاشتباكات الضوء على غياب الاستقرار السياسي في تشاد وتثير احتمال حدوث محاولة انقلاب أخرى، حيث من المحتمل أن تمهد الطريق للمزيد من العنف المزعزع للاستقرار بين القوات الحكومية وأنصار الحزب الاشتراكي خلال الأسابيع المقبلة.

وقد تشعل وفاة ديلو واعتقال عم محمد ديبي المزيد من الاشتباكات المسلحة بين أنصار الحزب والقوات الحكومية.

ويُذكر أن الحزب المعارض والفصائل المناهضة لديبي داخل مجموعة الزغاوة العرقية يمكن أن تتطلع إلى حشد المزيد من الدعم من تشكيل “فيلق أفريقيا” العسكري الروسي، المعروف سابقا باسم مجموعة فاغنر، لوجود المنظمة شبه العسكرية في ليبيا والسودان المجاورين.

وفاة ديلو واعتقال عم محمد ديبي قد تشعل المزيد من الاشتباكات المسلحة بين أنصار الحزب والقوات الحكومية

ويمكن أن تؤدي الاشتباكات المستمرة بين الجيش والحزب الاشتراكي، خاصة إذا اندلعت قرب العاصمة نجامينا، إلى المزيد من التأخير في الانتخابات الرئاسية في تشاد، مما سيفاقم البيئة السياسية والأمنية في البلاد.

وحتى في غياب اشتباكات إضافية، ستسلط حوادث العنف التي اندلعت في السابع والعشرين والثامن والعشرين من فبراير الضوء على عدم الاستقرار الداخلي الكبير في تشاد، وعلى حكم ديبي الاستبدادي.

ويمكن أن يؤدي الاستياء من زعيم المجلس العسكري، سواء انتشر بين الجمهور أو فصائل الجيش، إلى احتجاجات ويؤدي في النهاية إلى محاولة انقلاب ضد ديبي.

ولا يزال هذا احتمالا كبيرا تدعمه التقارير التي تفيد بأن جميع الفصائل داخل الجيش لم تتبع أوامر رئيس الدولة باتخاذ إجراءات صارمة ضد الحزب المعارض لسلطته.

ومن المرجح أن تقنع هذه التطورات السياسية الأخيرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتفعيل خططه وسحب القوات الفرنسية من البلاد.

وإذا سارعت فرنسا في هذا الانسحاب المخطط له في خضم عدم الاستقرار المتزايد في تشاد، فسيخاطر الفراغ الأمني اللاحق بزيادة تقويض البيئة الأمنية في البلدان المجاورة، بما في ذلك السودان والنيجر وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى.

وفي السادس والعشرين من فبراير، قررت النقابات العمالية الرائدة في تشاد تمديد إضرابها على مستوى البلاد لمدة أسبوعين احتجاجا على ارتفاع أسعار الوقود، مما يؤكد عدم الاستقرار السياسي في البلاد.

وبينما قد تتطلع قوات الأمن الخاصة إلى التواصل مع روسيا، لم يتضح بعد ما إذا كان فيلق أفريقيا سيقدم دعما ملموسا للمجموعة نظرا لطبيعة اجتماع ديبي مع الرئيس فلاديمير بوتين في الرابع والعشرين من يناير.

ويقال إن مسؤولي الدفاع الفرنسيين وافقوا على خفض الوجود العسكري في جميع أنحاء أفريقيا خلال اجتماع عقد في ديسمبر بعد انسحاب القوات الفرنسية من النيجر. ولا تزال فرنسا تحتفظ بحوالي ألف جندي في تشاد، ويبقى توقيت هذا الانسحاب غير واضح.

العرب