تجنب انفجار الوضع في الضفة الغربية خلال شهر رمضان

تجنب انفجار الوضع في الضفة الغربية خلال شهر رمضان

مع بدء شهر رمضان المبارك في 10 آذار/مارس، سيتعين على إسرائيل و”السلطة الفلسطينية” اتخاذ تدابير استباقية تحد من احتمال التصعيد. ويشمل ذلك تجنب الأخطاء التي توفر للمتطرفين، وخاصة قائد “حماس” يحيى السنوار، الفرصة لتوحيد “جميع الجبهات الفلسطينية” وتحويل الضفة الغربية والقدس إلى مسرح جديد للحرب بين “حماس” وإسرائيل. كيف يمكن تحديداً للجهات الفاعلة السيئة استغلال الوضع؟ وما الذي يجب على المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين والأجانب أن يفعلوه – وما لا يفعلوه بنفس القدر من الأهمية – لمواجهة هذه الجهود؟

“حماس” تشير إلى التصعيد في رمضان
في الآونة الأخيرة، كثفت “حماس” وغيرها من الجهات الفاعلة في “المقاومة” حملتها لدعم السردية الوطنية الفلسطينية والسردية الدينية المتمثلة في “الدفاع عن الأقصى” ضد اليهود. وفي هذا السياق، يملك السنوار سوابق واضحة يمكن البناء عليها. ففي عام 2017، قامت إسرائيل بتركيب أجهزة الكشف عن المعادن عند مداخل جبل الهيكل أو الحرم الشريف، مما حول الاشتباكات الأمنية مع الفلسطينيين إلى أزمة مع العالم الإسلامي بشكل عام. وفي أيار/مايو 2021، أطلق إرهابيون من غزة صواريخ من القطاع باتجاه القدس بهدف معلن هو “الدفاع عن الأقصى”، مما أدى إلى تصعيد في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وحتى في المجتمعات العربية الإسرائيلية. وسرعان ما تم جر إسرائيل إلى عملية عسكرية كبيرة أخرى نتيجة لذلك.

وقد جرّبت “حماس” أساليب تحريضية مماثلة خلال الحرب الحالية. ورداً على ذلك، بقي معظم الفلسطينيين في الضفة الغربية على الحياد حتى الآن وامتنعوا عن القيام بأعمال عنف. لكن الوضع على الأرض يزداد هشاشة منذ أشهر، حيث يمكن للشرارة الخاطئة خلال شهر رمضان أن تحوّل الضفة الغربية إلى جبهة ثالثة لإسرائيل، تضمها إلى غزة والجبهة اللبنانية. والسنوار ليس الوحيد الذي يدعو إلى مثل هذا الإجراء، فقد حث الزعيم السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية على السير إلى المسجد الأقصى في اليوم الأول من شهر رمضان وكسر “الحصار” الإسرائيلي.

نظرة عن قرب على الواقع الهش في الضفة الغربية
تأتي توترات شهر رمضان في وقت يتصاعد فيه الغضب الفلسطيني تجاه إسرائيل في أنحاء الضفة الغربية. ويعود ذلك جزئياً إلى الضرر الذي ألحقته الحرب بين “حماس” وإسرائيل بخزينة “السلطة الفلسطينية” والوضع الاقتصادي بشكل عام. فلعدة أشهر، احتجزت إسرائيل الكثير من عائدات المقاصة التي تجمعها نيابة عن “السلطة الفلسطينية”، في حين لم يُسمح لنحو 150 ألف فلسطيني كانوا يعملون في إسرائيل بالعودة إليها خلال الحرب. ونتيجة لذلك، يبلغ الآن معدل البطالة في الضفة الغربية 29 في المائة، مقارنةً بـ 13 في المائة قبل الحرب. وفي الربع الرابع من عام 2023 وحده، انخفض “الناتج المحلي الإجمالي” في المنطقة بنسبة 22 في المائة.

ومن المرجح أن يسلط شهر رمضان الضوء على تدهور الاقتصاد. فعادة، يزداد النشاط الاستهلاكي في الضفة الغربية قبل العيد، لكن هذا العام شهد انخفاضاً ملحوظاً في الاستهلاك الخاص وسط ارتفاع الأسعار وندرة السلع في الأسواق المحلية – وبشكل واضح، زيادة في الشيكات بدون رصيد.

في غضون ذلك، قامت بعض وكالات “السلطة الفلسطينية” مؤخراً بتقليص عملياتها إلى يومين أو ثلاثة أيام فقط في الأسبوع نظراً لافتقارها للأموال اللازمة لدفع رواتب موظفي القطاع العام كاملة. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، لم يحصل موظفو الخدمة المدنية في الضفة الغربية سوى على 65 في المائة من قيمة رواتبهم، بزيادة طفيفة عن 50 في المائة في تشرين الأول/أكتوبر.

ولا يزال الوضع الأمني ​​هشاً أيضاً. فحرب غزة ألهمت الفلسطينيين لشن 180 هجوماً كبيراً في الضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، معظمها عمليات إطلاق نار، أسفرت عن مقتل سبعة عشر إسرائيلياً في هذه الهجمات. وعلى الرغم من انخفاض هذه الحوادث منذ ذروتها في بداية الحرب، إلا أن “حماس” وإيران تحاولان بانتظام تهريب المزيد من الأسلحة والمتفجرات إلى الضفة الغربية عبر الأردن، مما يوفر الأدوات اللازمة لمزيد من العنف.

Open imageiconChart showing Palestinian attacks in the West Bank since October 7.
وبطبيعة الحال، لم يكن الوضع الأمني ​​في الضفة الغربية هادئاً لفترة طويلة. فجيوب الفوضى والإرهاب كانت جلية قبل أشهر عديدة من الحرب، مما منح النشطاء منصة لشن هجمات ضد أهداف مدنية إسرائيلية. وتتمثل بؤرة إرهابية أخرى بمخيمات اللاجئين، حيث تستهدف شبكات نشطاء “حماس” و”فتح” و”الجهاد الإسلامي في فلسطين” في كثير من الأحيان عناصر الجيش الإسرائيلي الذين ينفذون عمليات اعتقال أو عمليات أمنية أخرى.

ومنذ كانون الأول/ديسمبر، أدى قرار إسرائيل “بالتعامل الحازم” مع هذه الجماعات إلى خفض عدد الهجمات الناجحة بشكل كبير. وإجمالاً، أحبط الجيش الإسرائيلي ما لا يقل عن 665 هجوماً كبيراً منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. وتواصل قوات الأمن التابعة “للسلطة الفلسطينية” العمل ضد عناصر “حماس” في الضفة الغربية أيضاً. لكنها اضطرت إلى الابتعاد عن الأضواء في ظل الحرب، كما يتزايد إحباطها بسبب التخفيضات المستمرة في الرواتب.

Open imageiconChart showing thwarted Palestinian attacks in the West Bank since October 7.
بالإضافة إلى ذلك، جاء إحباط الهجمات على حساب زيادة الاعتقالات بشكل كبير. فقد تم اعتقال حوالي 3300 فلسطيني في الضفة الغربية خلال الحرب، وهي عملية تؤدي حتماً إلى زيادة الاحتكاك بين الجيش الإسرائيلي والسكان المحليين. والنتيجة الأخرى هي ارتفاع عدد الضحايا والشعور العميق بانعدام الأمن الشخصي لدى السكان الفلسطينيين. فمنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، قُتل حوالي 400 شخص من سكان الضفة الغربية وأصيب 4550 آخرون.

Open imageiconChart showing Palestinian deaths in the West Bank since October 7.
هناك عامل آخر في المعادلة الأمنية في الضفة الغربية وهو تصرفات مجموعة صغيرة من المتطرفين في حركة الاستيطان الإسرائيلية. فقد واصل بعض المتطرفين استفزازاتهم ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، إذ تشجعوا بفعل رعاية بعض الوزراء لهم وتوقهم إلى الرد على إعلان العقوبات الأمريكية ضد عدد من قادة الحركة. ويرى الكثير من الفلسطينيين أن إسرائيل تستخدم غطاء الحرب لتوسيع مستوطناتها ومواقعها الاستيطانية.

احتمالات التصعيد في القدس الشرقية
بالمثل، اشتدّت مشاعر الحرب في القدس الشرقية، لا سيما في ظل الجدل الإسرائيلي الأخير حول تقييد الوصول إلى جبل الهيكل/الحرم الشريف خلال شهر رمضان. ولكن هنا أيضاً، امتنع السكان الفلسطينيون إلى حد كبير عن الاستجابة لدعوات “حماس” إلى انتفاضة شعبية (على الرغم من أن مرتكبي الجرائم المحليين نفذوا ستة هجمات كبيرة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر).

وعند اتخاذ قرار بشأن كيفية التعامل مع هؤلاء السكان، يجب على السلطات أن تتذكر أن سكان القدس الشرقية عادة ما يعرّفون أنفسهم بأنهم “المدافعون عن الأقصى”. وعلى هذا النحو، فقد ينضمون إلى أعمال العنف في أي وقت إذا تم استفزازهم بشكل كافٍ – سواء من خلال دعوات “حماس” المتحمسة للتصعيد خلال شهر رمضان، أو محاولة إسرائيلية (حقيقية أو متصورة) لتغيير الوضع الراهن في المسجد الأقصى، أو رد إسرائيلي على أي استفزاز صادر من داخل الحرم نفسه. وحتى فرض قيود على الدخول خلال شهر رمضان قد يؤدي إلى استجابة جماعية – كما قال الشيخ كمال الخطيب من “الحركة الإسلامية” في إسرائيل لقناة “الجزيرة” في 20 شباط/فبراير، حيث ستكون مثل هذه القيود بمثابة “زلزال” في المناخ الحالي، مع تداعيات غير مسبوقة على المنطقة بأكملها. ولحسن الحظ، قررت الحكومة الإسرائيلية الأسبوع الماضي فرض سيطرة مجلس الوزراء على الوصول إلى الحرم الشريف خلال شهر رمضان، وجردت بذلك وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير من تلك السلطة.

التداعيات السياسية
من الآن حتى نهاية شهر رمضان في التاسع من نيسان/إبريل، قد تحصل تطورات حاسمة كثيرة بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي، بما في ذلك تبادل الأسرى مع “حماس”، ووقف إطلاق النار في غزة، وعملية كبرى للجيش الإسرائيلي في رفح، والتصعيد المحتمل مع “حزب الله”. وقد يشكل انفجار الوضع في الضفة الغربية إضافة خطيرة إلى هذه القائمة، لذا يجب على إسرائيل أن تتوخى أقصى درجات الحذر في سلوكها خلال الشهر المقبل. وهذا يعني الحد من التوترات مع الفلسطينيين من عامة الناس، وردع الاستفزازات السياسية أو الدينية من قبل الجهات الفاعلة في الداخل أو الخارج، وربما حتى تأجيل بعض التدابير الأمنية إذا لم تكن تستحق المخاطرة خلال شهر رمضان.

ويكتسب هذا النهج أهمية خاصة في جبل الهيكل/الحرم الشريف نظراً لاحتمال حدوث شئ غير مرغوب فيه يؤدي إلى انفجار الوضع بشكل خطير هناك. وفي إطار هذا الجهد، يُعد التنسيق الوثيق بين الشرطة الإسرائيلية في القدس والمؤسسة الدينية التي يديرها الأردن والتي تدير الوقف أمراً أساسياً. ومن المهم أيضاً أن تحذّر الجهات الفاعلة الخارجية – في واشنطن، وأوروبا، وربما في بعض العواصم العربية – من احتمال قيام “حماس” وغيرها من المتطرفين باستغلال حساسيات شهر رمضان لتصعيد التوترات وإثارة العنف.

ومن المهم أيضاً اتخاذ الإجراءات المناسبة بشأن الملف الاقتصادي، سواء للحد من التوترات المحلية أو لمنع حدوث انهيار اقتصادي أوسع نطاقاً في “السلطة الفلسطينية”. وعلى وجه التحديد، سيكون من الحكمة أن تعيد إسرائيل النظر في اثنتين من سياساتها في زمن الحرب، وهما حجب عائدات الضرائب التي تجمعها “للسلطة الفلسطينية”، ومنع جميع العمال الفلسطينيين تقريباً من دخول إسرائيل للعمل.

وعلى الجبهة الأمنية، فإن الجهود غير البارزة، بل الأساسية التي تبذلها الأجهزة الأمنية التابعة “للسلطة الفلسطينية” لمنع الإرهاب، تستحق التقدير والدعم. ولا ينبغي للمسؤولين أن يتناسوا مدى فائدة هذا النشاط من حيث إنقاذ الأرواح، حتى عندما يتم تنفيذه بهدوء أكثر من المعتاد.

وأخيراً، يتطلب المنظور الدبلوماسي المزيج المناسب من الاهتمام والحذر أيضاً. فقد أصبح الفلسطينيون في الضفة الغربية أكثر تشاؤماً على مر السنين بشأن فرص التغيير الفعلي في وضعهم السياسي والاقتصادي، ولا يزال عدد قليل منهم يعتقد أن الولايات المتحدة أو إسرائيل ستكون الجهات الفاعلة التي ستحدث هذا التغيير. وفي المقابل فإن الهجوم الذي شنته “حماس” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، إلى جانب العزلة الدولية المتنامية لإسرائيل وقدرة الحركة على الصمود أمام الهجمات المضادة التي يشنها جيش الدفاع الإسرائيلي على مدى أشهر، أدى إلى تغذية التوقعات بين العديد من الفلسطينيين بأن الكفاح المسلح، وليس الدبلوماسية، قد يكون السبيل إلى تحقيق تطلعاتهم الوطنية. وفي هذا السياق، من المهم بالنسبة لإسرائيل أن تطرح صيغة إيجابية لحل نهائي للقضية الفلسطينية، ربما من خلال الاستجابة بمرونة للمقترحات الدبلوماسية الأمريكية. ففي مرحلة معينة، قد يؤدي غياب أي مسار سياسي إلى توليد ما يكفي من خيبة الأمل لإبعاد سكان الضفة الغربية عن الحياد ودفعهم باتجاه الأنشطة العنيفة.