الأثر الدعائي السلبي لقرار قوى سياسية ممثلة لمسيحيي العراق بمقاطعة انتخابات برلمان إقليم كردستان قد تكون أكبر بكثير من الأثر السياسي للقرار الذي لن تتأخّر منظمات دولية وهيئات حقوقية عن اعتباره نتيجة للصعوبات التي تجدها الأقليات العراقية في الحفاظ على مكانتها بالبلد والمشاركة في صنع قراره.
أربيل (العراق)- أعلنت قوى سياسية ممثلة لمسيحيي العراق قرارها مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقرّر إجراؤها في إقليم كردستان العراق خلال شهر يونيو القادم وذلك احتجاجا على القرار الأخير للمحكمة الاتّحادية العراقية بإلغاء المقاعد البرلمانية الأحد عشر المخصصة للأقليات بموجب نظام الكوتا.
ويمكن لقرار المقاطعة أن يحدث أثرا سياسيا محدودا قد يتلخّص في غياب التمثيل المسيحي في برلمان الإقليم أو تقليصه إلى حدّه الأدنى، لكنّ أثره الدعائي السلبي سيكون كبيرا على العراق الذي يبذل منذ سنوات جهودا للتخلّص من صورة البلد المضطهد للأقليات والطارد لمسيحييه على وجه التحديد.
وكان البلد قد استقبل خلال ربيع سنة 2021 البابا فرنسيس في أول زيارة بابوية يقوم بها إليه حبر أعظم، لكنّ تقريرا نُشر قبل أيام على موقع “أخبار الفاتيكان” تضمّن تقييما مخيبا بشأن عدم تسجيل أيّ آثار إيجابية للزيارة على واقع المسيحيين العراقيين، معتبرا أنّ “الرحلة الرسولية للبابا إلى العراق لم تؤت ثمارها المرجوّة، حيث ما تزال صعوبات العيش وعدم الشعور بالأمان تراود ما تبقى من المسيحيين في هذه الدولة ذات الغالبية المسلمة”.
ومع إعلان قوى مسيحية عراقية عدم مشاركتها في انتخابات إقليم كردستان العراق، لن يكون من الصعب على المنظمات الدولية تصنيف قرار إلغاء مقاعد الكوتا بأنّه مظهر على اضطهاد الأقليات وتقليلٌ من فرص مشاركتها في الحياة السياسية.
وكانت المحكمة الاتحادية أعلى سلطة قضائية في العراق قد أصدرت في فبراير الماضي قرارا قلّصت بموجبه عدد أعضاء برلمان الإقليم إلى مئة عضو بدل مئة وأحد عشر وذلك بإلغاء المقاعد المخصصة للأقليات. كما قرّرت تكليف المفوضية العليا للانتخابات إدارة انتخابات الإقليم بدلا من الهيئة المحلية.
وعقدت أحزاب وشخصيات سياسية كلدانية وسريانية وأرْمَنية وآشورية مؤتمرا صحفيا في أربيل أصدرت خلاله بيانا مشتركا جاء فيه “نعلن لأبناء شعبنا وأمتنا وشركائنا في الوطن عن مقاطعتنا وعدم مشاركتنا في انتخابات برلمان إقليم كردستان 2024 القادمة، تعبيرا عن رفضنا القاطع للخطأ التاريخي الذي ارتكبته المحكمة الاتحادية وارتكبه الاتحاد الوطني الكردستاني بإلغاء كوتا ومقاعد الشعب والأمة الكلدانية والآشورية والسريانية والأرمن”.
وكان قرار المحكمة قد صدر بناء على دعوى رفعها حزب الاتّحاد الذي يتّهم منافسه الأكبر الحزب الديمقراطي الكردستاني باستغلال مقاعد الكوتا لمصلحته.
وأوضحت القوى الموقّعة على البيان أنّ مقاطعتها للانتخابات لا تعني دعوة عامّة للشعب لعدم المشاركة في الاستحقاق الانتخابي.
ودعت القوى والأحزاب المشاركة في ائتلاف حمورابي، وتحالف الوحدة القومي والهيئة السياسية الكلدانية والتي اجتمعت في مقر حزب المجلس القومي الكلداني إلى “الإسراع بإجراء الانتخابات من أجل الحفاظ على التجربة الديمقراطية في كردستان وصيانة الكيان الدستوري للإقليم”.
ووصف البيان قرار المحكمة الاتحادية بـ”المجحف”، مضيفا أنّ “الظلم والغبن الكبيرين اللذين لحقا بشعبنا وأمتنا في العراق يعدان انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان وحقوق الأقليات والمكونات الدينية والقومية”.
كما اعتبر القرار “خطوة معيبة لضرب التعايش في الصميم وانتهاكا صريحا للدستور والقانون والأعراف السياسية السائدة في إقليم كردستان منذ أكثر من ثلاثة عقود”.
ورأت القوى الموقعة عليه أن القرار صدر “بسبب الخطأ التاريخي الذي اقترفه الاتحاد الوطني الكردستاني بحق المكونات الدينية والقومية من خلال الشكوى التي قدمها رئيس كتلته النيابية في برلمان إقليم كردستان للمحكمة في سبيل الحصول على مكاسب سياسية آنية”.
وحذرت من أن “هذه الخطوة المعيبة خطر يهدد صفو التعايش في إقليم كردستان ومناورة سياسية مفضوحة حرمت المسيحيين والتركمان من التمثيل السياسي المباشر في برلمان إقليم كردستان”.
وفي جانب آخر من تبعات قرار إلغاء مقاعد الكوتا ببرلمان كردستان العراق أعلن القاضي الكردي في المحكمة الاتحادية عبدالرحمن سليمان، الثلاثاء، انسحابه من المحكمة احتجاجا على قراراتها الأخيرة بشأن الإقليم.
وكانت القرارات التي يشير إليها القاضي سليمان قد شملت إلى جانب ما تعلق بانتخابات إقليم كردستان، صرف رواتب موظّفي الإقليم مباشرة عن طريق بنوك عراقية بدل تحويلها إلى حكومة الإقليم لتوزيعها على مستحقيها.
ومثّل ذلك علامة على عدم الثقة واستجابة ضمنية لاتهامات موجّهة لحكومة الإقليم التي يقودها بشكل رئيسي الحزب الديمقراطي بقيادة أفراد أسرة بارزاني بالتلاعب بتلك الرواتب وتحويل جزء منها إلى غير وجهتها الصحيحة.
وأرجع القاضي في بيان أسباب انسحابه إلى ما لمسه من وجود نزعة في قرارات المحكمة نحو العودة إلى المركزية في الحكم والابتعاد عن النظام الاتحادي.
وقال في بيانه “من منطلق شعوري بالمسؤولية أمام شعب كردستان بجميع مكوناته وأمام مؤسساته وكيانه الدستوري، فإنني أعلن انسحابي من عضوية المحكمة الاتحادية العليا بعد أن تعذر بفعل الأسباب التي ذكرتها تحقيق الأهداف التي شغلت المنصب من أجلها وفي تغيير اتجاهات المحكمة”.
ويعتبر قرار القاضي إلى جانب القرار المذكور للقوى السياسية المسيحية جزءا من حملة سياسية مضادّة لقرار المحكمة الاتّحادية.
ويقف الحزب الديمقراطي الكردستاني وراء الحملة باعتباره الطرف المتضرّر من قرارات المحكمة، ولهذا السبب يتوجّه الهجوم مباشرة صوب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني على أساس أنّه المتسبب بصدور تلك القرارات والمستفيد منها.
وبمعزل عن هذه الخلفيات السياسية، يتوقّع أن يكون لقرار القوى السياسية المسيحية مقاطعة انتخابات الإقليم وقع خاص إذ يأتي في غمرة عودة مسيحيي العراق والقوى الدولية المساندة لقضيتهم إلى الشكوى من تواصل الظروف الطاردة لهم من بلدهم.
ورغم عودة الاستقرار النسبي إلى العراق بعد عبور البلد بتجربة حرب داعش المريرة التي طالت المكوّن المسيحي بشكل مباشر بعد أن احتلّ التنظيم المتشدّد المناطق الأساسية لمن بقي من مسيحيي العراق في سهل نينوى، إلاّ أنّ نزيف هجرة هؤلاء ما يزال مستمّرا حيث انخفض عددهم من 1.4 مليون نسمة عام 2003 إلى أقل من 250 ألفا اليوم.
وجاء في تقرير موقع أخبار الفاتيكان أن الهدف الرئيسي من رحلة البابا إلى العراق كان دعمه الروحي للمجتمعات المسيحية المتضائلة في البلد، لكن بعد سنوات من تلك الرحلة التاريخية ما تزال تلك المجتمعات تترنّح.
العرب