في عام 2015 تأكدت حقيقة أن العراق أصبح ساحة للصراع الدولي والاقليمي، من خلال ظهور أحلاف إقليمية ودولية جديدة كان العراق والمنطقة محورها مثل الحلف الرباعي الذي ضم روسيا وإيران والعراق وسوريا إضافة إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وما ظهر لاحقاً في الحلف الاسلامي بقيادة السعودية.
ورغم أن هذه الأحلاف جميعاً ترفع شعار محاربة تنظيم «الدولة» الذي يسيطر على مساحات واسعة من العراق وسوريا، إلا أنها في الواقع لا تعبر سوى عن الصراع على المصالح الذاتية لكل دولة.
وشهد العام الماضي محاولات ومساعي محمومة من الحكومة للانفتاح على العالم للحصول على المزيد من المساعدات والدعم للعراق، لمواجهة الأزمة الاقتصادية الضاغطة بشدة على حركة الحكومة، وخاصة ما يتعلق بتكاليف الحرب الباهضة على التنظيم ومتطلبات إغاثة النازحين الذين زاد عددهم عن ثلاثة ملايين حسب الأمم المتحدة.
وبرز هذا العام النفوذ الايراني في العراق كأهم قوة مؤثرة في سير الأحداث فيه المتجهة نحو المزيد من التأزم ومخاطر التقسيم. ولعل أبرز مؤشرات تنامي هذا النفوذ تبدو من خلال هيمنة الميليشيات الصديقة لإيران على الشأن الأمني والسياسي للعراق عبر غطاء المشاركة في الحشد الشعبي الذي يدعم القوات الحكومية في محاربة تنظيم «الدولة»، إلا أن عدة حوادث وقعت عبرت قيادة الميليشيات من خلالها عن تحدي الحكومة المركزية وقواتها وتصرفها بحرية بعيدا عن الحكومة. كما رأينا التأثير الإيراني في اختراق مئات الآلاف من الزائرين الإيرانيين للحدود العراقية وتحطيم بوابات المنافذ الحدودية للعام الثاني بمناسبة ذكرى اربعينية الامام الحسين بالتزامن مع تصريحات القائد العام للحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد علي جعفري، الذي شدد على «أن الشعب العراقي يخوض الحرب ضد أفراد على شاكلة قتلة الإمام الحسين، وأنه من القضايا اللافتة إزالة الحدود بين دول محور المقاومة وصولاً إلى الوحدة الإسلامية».
وفي شأن آخر، فجرت أزمة دخول قوة تركية جديدة نهاية العام، إلى معسكر بعشيقة شرق الموصل، لتعزيز المدربين الأتراك المشرفين على المعسكر، حملة عنيفة لبعض القوى السياسية الشيعية التي أرادتها معركة لمنع التواجد العسكري التركي الداعم للبيشمركه والمقاتلين السنة في الموصل. ويعتقد المتابعون أن تركيا أرادت استغلال الفراغ العسكري وغياب حكومة بغداد عن المنطقة لزيادة التواجد التركي بالتنسيق مع الاقليم.
وعسكريا، تمكنت القوات العراقية خلال عام 2015 بدعم من التحالف الدولي، من تحقيق نجاحات مهمة في تحرير بعض المناطق من تنظيم «الدولة» ومنها تكريت وبيجي وتطويق الرمادي والفلوجة، وتحرير البيشمركه لسنجار ومناطق اخرى، في وقت حاول التنظيم فيه ابراز قدرته على استمرار المنازلة عبر اسلوبه المعتاد في شن الهجمات بالسيارات المفخخة والانتحاريين الذين يبدو أن تأثيرهم خفّ عن السابق بسبب الخبرة والاسلحة الحديثة التي زود الغرب القوات العراقية والبيشمركه بها.
أما أمنيا فإن معالم الانهيار المتصاعد في الملف الأمني برزت من خلال استباحة بعض الميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة والانفلات، لشوارع العراق ومدنه وجعلته غابة تسيطر فيها القوة التي اهدرت دماء ومصالح العراقيين مستغلة انشغال الحكومة بالمواجهة مع تنظيم «الدولة» والارهاب.
وضمن السياق، أعلن التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) شن 6 آلاف ضربة جوية ضد التنظيم المتشدد في العراق منذ بدء الغارات في آب اغسطس 2014، مؤكدا أن «تلك الضربات أسفرت عن مقتل الآلاف من عناصر تنظيم (داعش)»، وأن تلك الضربات ساهمت في خسارة داعش لـ40 في المئة من الاراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وأن 90 ٪ من قدرات داعش النفطية تم تدميرها».
وبالنسبة لأوضاع اقليم كردستان، فقد شهدت بروز أزمة حقيقية كادت تطيح بكل الانجازات التي حققها الاقليم، وذلك جراء تفاقم المشاكل الاقتصادية بعد قطع بغداد لميزانية الاقليم منذ بداية العام بالتزامن مع ظهور تنظيم «الدولة» الذي أصبح له حدود مع الاقليم لأكثر من ألف كيلومتر وتجري فيها الاشتباكات المتواصلة معه باستمرار.
وفي خضم الخلافات بين الأحزاب الكردية وبروز تهديدات للعودة إلى نظام الادارتين بالتزامن مع فشل كل جهود التوفيق بين بعض الأحزاب، اطلق مسعود البارزاني الدعوة للأحزاب للتحضير لاجراء الاستفتاء في الاقليم حول حق تقرير المصير، مما يؤشر لوصول الأزمة مع بغداد إلى وضع حرج.
وضمن السياق، تأتي دعوة رئيس الجمهورية السابق جلال طالباني جميع العراقيين إلى النزول للشارع للتنديد بالتوغل التركي وانتقاد زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني لتعاونه في ادخال القوة التركية إلى نينوى. ويبدو أن الجغرافيا فرضت نفسها على مواقف الأحزاب الكردية العراقية تجاه التدخل التركي وغيره، حيث عارضه تحالف احزاب السليمانية المـقربة من ايران وأيدته اربيل القريبة من تركيا.
وفي مؤشر ذي دلالة، ظهرت بوادر معارضة لنهج الحكومة والأحزاب الحاكمة من خلال التظاهرات التي عمت كل مدن العراق بما فيها الاقليم منذ أربعة أشهر، والتي طالبت بالاصلاحات وكشف الفساد ومحاسبة الفاسدين والمفسدين، ويلاحظ ان أكثر التظاهرات كانت في المناطق الشيعية المحرومة. وفي استجابة لمطالب المتظاهرين، اقدم رئيس الوزراء حيدر العبادي على اصدار سلسلة قرارات اصلاحية اعتبرها الكثير تقشفية أكثر منها اصلاحية خاصة وانها لم تتقرب إلى حيتان الفساد المعروفة.
ومع نجاح مجلس النواب في تمرير ميزانية 2016 بعد ضغوطات ومساومات وعرقلات من قبل قوى الفساد، فقد قوبلت الميزانية بانتقادات واسعة وتأكيد على أن الأرقام الواردة فيها هي أرقام وهمية وغير حقيقية لا تستند إلى واقع الاقتصاد العراقي الريعي المعتمد كليا على واردات تصدير النفط والذي يشكو العشوائية وانعدام التخطيط منذ 2003 وحتى الآن، وسط انخفاض مستمر في أسعار النفط.
وأخيرا فإن الأمر الذي يحذر منه الكثير من المراقبين ويخشاه العراقيون في عام 2016 هو أن المنطقة عموما والعراق خصوصا مقبلة على تغييرات كبيرة لا يبدو أن فيها مؤشرات ايجابية، مع توقع ازدياد معاناة العراق الذي يعتبر الحلقة الأضعف وسط صراع شرس لإرادات دولية وإقليمية.
راحلون
أبرز الشخصيات التي رحلت هذا العام أحمد الجلبي، عراب الاحتلال الأمريكي للعراق الذي أثار لغطاً كبيراً لتعدد ولاءاته الدولية والاقليمية وشبهات تورطه مع مافيات الفساد والجريمة المنظمة.
مصطفى العبيدي
صحيفة القدس العربي