في اجتماع قمة مجموعة العشرين في العاصمة الهندية نيودلهي في 10 أيلول/سبتمبر 2023، أي قبل نحو شهر من هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة، تم الإعلان عن ممر الهند – الشرق الأوسط، الذي سينشئ خط مواصلات من الهند إلى أوروبا، يبدأ من دبي مرورا بالسعودية والأردن وصولا إلى إسرائيل، وبالفعل فقد تم تدشين هذا الممر البري بين الإمارات وإسرائيل بعد أن أغلق الحوثيون في اليمن مضيق باب المندب، وعطلوا حركة التجارة البحرية من وإلى إسرائيل..
ومع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وسياسة التهجير، التي تتبعها إسرائيل ضد الفلسطينيين في القطاع، وإعلانها عن خطط لتهجيرهم، فإنه ليس مستبعدا أن تقدم إسرائيل على تنفيذ مشروع شق قناة بن غوريون، بعد إخراجه من الأدراج ونفض الغبار عنه. هذا المشروع في حالة تنفيذه لن تكون إسرائيل بحاجة لدول عربية مطبعة معها، قد تتأثرالعلاقات معها سلبا احتجاجا على السياسات القمعية الإسرائيلية للفلسطينيين، أو قد تنصاع هذه الدول في المستقبل لشعوبها فتنأى بنفسها عن التطبيع. وقناة بن غوريون هي أصلا فكرة إسرائيلية – أمريكية تعود لسنة 1963، طرحت لتكون بديلا لقناة السويس بعد أن أغلقتها مصرفي عهد الرئيس عبد الناصر بوجه الملاحة لإسرائيل، إلا أن هذا المشروع لم ينفذ آنذاك، للصعوبات التي اعترضت مساره الجغرافي، في ظل بقاء قطاع غزة خارج السيطرة الإسرائيلية، لكن في حال احتلال إسرائيل للقطاع، سيتم اختصار 100 كيلومتر من الطول المخطط لهذه القناة، التي تربط إيلات على البحر الأحمر مع قطاع غزة على البحر الأبيض.
حسب صحيفة «الغارديان»، «إن الواجهة البحرية لقطاع غزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة للغاية لإسرائيل، التي يتوجب عليها إزالة المدنيين الفلسطينيين منه ونقلهم لصحراء النقب»
وحسب مخطط القناة، فإنها أعرض وأعمق من قناة السويس بطول يصل لنحو 260 كيلومترا وبعمق لنحو 50 مترا، وهي ذات مسارين منفصلين، إلا أنهما متوازيان، ما يجعلها مناسبة لعبور أضخم السفن والفنادق والمدن والموانئ العائمة، ونمو منتجعات سياحية، وشركات عابرة للقارات، ومناطق اقتصادية حرة، كما سيوفر هذا المشروع الاستعماري بدائل مريحة للمتهربين من الضرائب وللباحثين عن الثروات، وذلك على أنقاض أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم وأرواحهم.. ومن شأن قناة بن غوريون أن تمنح إسرائيل السيطرة على واحدة من أهم نقاط الشحن في العالم؛ فخلال سنة 2022 مثلا، عبرت قناة السويس حوالي 22 ألف سفينة، وهو ما يمثل 12 في المئة من التجارة العالمية، وبعائد مالي على الخزينة المصرية يصل لنحو 10 مليارات دولار سنويا، كما أنها شريان حيوي لشحنات السلع المصنعة والحبوب والوقود الأحفوري، وتشير تقارير وكالة الطاقة الدولية إلى أن «حوالي 5 في المئة من النفط الخام في العالم، و10 في المئة من المنتجات النفطية، و8 في المئة من تدفقات الغاز الطبيعي المسال المنقولة بحراً تمر عبر القناة». وكانت حادثة جنوح سفينة الحاويات الضخمة «يفرجيفن» في قناة السويس عام 2021 وتوقف حركة المرور بسبب ذلك، قد أثارت مخاوف أوروبا والولايات المتحدة، من احتمال أن يصبح هذا الشريان الحيوي للشحن العالمي نقطة اختناق، لأن القناة هي نقطة عبور حيوية لتجارتها ولمرور أساطيلها الحربية. يضاف إلى ذلك أن تقارب مصر مع روسيا والصين بعد انضمامها لعضوية مجموعة (البريكس)، يوفر الدافع للولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، لدعم فكرة شق قناة بن غوريون بديلا عن قناة السويس.
وأعلنت تل أبيب عن الاستعدادات للبدء بتنفيذ قناة بن غوريون، بعد توقيع مصرعلى اتفاقية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، التي تعمل على إنشاء مدينة نيـوم (المستقبل الجديد) الجاذبة لشهية الرأسمالية العالمية، وحسب المواد الترويجية للمدينة فإنها تقع في نقطة لقاء القارات الثلاث (آسيا، افريقيا وأوروبا) وتجمعها معا من خلال ربط البحرين العتيقين الأحمر بالأبيض عن طريق قناة بن غوريون. أما الإمارات العربية التي تعد النموذج النيوليبرالي «البراق»، كانت قد وقعت مع إسرائيل اتفاقية شراكة استراتيجية برعاية أمريكية مستخدمة اسم النبي إبراهيم، لما يسمى بـ«المشتركات» الإنسانية، التي ما هي في الواقع إلا سلاسل توريد وتسويق رأسمالية من الهند، مرورا بموانئ في الخليج العربي، وصولا لموانئ فلسطين المحتلة في شرق المتوسط، وبشق قناة بن غوريون بين البحر الأحمر والمتوسط عبر قطاع غزة وعلى سواحله، فإن حلم إسرائيل بإيجاد بديل لقناة السويس سيتحقق.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي السابق إيلي كوهين قد أجرى محادثات في 20 ديسمبر/كانون الأول 2023 مع المسؤولين القبارصة في نيقوسيا، بشأن إقامة ممر بحري بين قبرص وغزة لنقل المساعدات الإغاثية، ما يثير سؤالا استنكاريا، وهو لماذا تعمل إسرائيل على إقامة الممرالبحري الإغاثي بين قطاع غزة وقبرص، وهي في الوقت ذاته تغلق المعابر البرية للقطاع، وتقنن وصول المساعدات الإغاثية لسكان القطاع المنكوبين في إطار سياستها لاستخدام الجوع سلاحا في حربها على القطاع؟! لا شك في أن تل أبيب خلال العقود الماضية كانت تتحين الفرص لتنفيذ مشروع شق قناة بن غوريون منذ عام 1963، ليكون ميناء غزة هو وجهة الوصول والمغادرة بين البحرين الأبيض والأحمر، إلا أن هذا لن يتحقق الا بتدمير قطاع غزة وتسويته بالأرض، واحتلاله وضمه إلى إسرائيل لتنفيذ المشروع، أو بكلمات جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في لقاء في جامعة هارفارد، إذ قال حسب صحيفة «الغارديان»، «إن الواجهة البحرية لقطاع غزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة للغاية لإسرائيل، التي يتوجب عليها إزالة المدنيين الفلسطينيين منه ونقلهم لصحراء النقب»..