منعت روسيا والصين إقرار مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن يطالب «بوقف فوري ومستدام لإطلاق النار» في غزة وذلك باستخدام حق النقض (الفيتو).
يحمل مشروع القرار تغيّرا في موقف الولايات المتحدة التي استخدمت هي نفسها حق النقض ثلاث مرات لمنع إقرار مشاريع سابقة لوقف إطلاق النار، كما كانت الإدارة الأمريكية ترفض بشكل مطلق أي استخدام لمصطلح «وقف إطلاق النار» وكان تبرير ممثلتها في الأمم المتحدة، لرفض مشروع القرار الجزائري في 20 شباط/فبراير الماضي، أن أي وقف غير مشروط لإطلاق النار «قد يعرقل مفاوضات صفقة تبادل الأسرى».
خلال ما يقرب الشهر من رفض واشنطن للقرار الآنف تحوّل الوضع في غزة إلى كارثة هائلة مع ارتفاع عدد الضحايا لأكثر من 32 ألف شهيد، واقتراب سكان القطاع من المجاعة.
يقدّم هذا تفسيرا لهذا التغير النسبي في الموقف الأمريكي لكن الدبلوماسية الأمريكية الراهنة ما تزال تعمل ضمن إطار ربط اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع بإطلاق حركة «حماس» سراح الرهائن الإسرائيليين (وهاتان هما النقطتان المركزيتان لتلك الدبلوماسية رغم أن السلطات الأمريكية تتحدث أيضا عن العمل على «توفير الحماية للمدنيين» و«إيصال المساعدات الإنسانية»).
وجّهت موسكو وبكين إذن ضربة للجهود الدبلوماسية الأمريكية المركزة التي تعبّر عنها زيارة وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكن السادسة للمنطقة والتي اضطّرته للوصول إلى تل أبيب أمس رغم أنها كانت غير موجودة ضمن برنامج زيارته للمنطقة، وذلك في محاولة لحلحلة العقدة الإسرائيلية والتي تتركز، حسب أقوال بلينكن، على منع رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، من اجتياح رفح من دون خطة لحماية المدنيين (وهو ما واجهه نتنياهو بالقول إن الجيش الإسرائيلي سيهجم على رفح بغض النظر عن موافقة واشنطن) وكذلك، حسب ما تذكر أنباء مستجدة، على دفع نتنياهو للتعامل مع مطلب «حماس» إعادة النازحين الفلسطينيين إلى شمال غزة، والأغلب أنه سيتلقى جوابا سلبيا أيضا بهذا الخصوص.
تلقّت واشنطن الفيتو الصيني والروسي بغضب، ونددت سفيرتها للأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد بـ«الخطوة المشينة» وعزتها إلى رفض موسكو وبكين التنديد بالهجمات التي شنتها «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي، وقد رد المندوب الروسي، فاسيلي نيبينزيا بالقول إن مشروع القرار «وثيقة مسيسة».
معلوم طبعا أن موسكو أدانت هجمات «حماس» لكنها لا تعتبرها حركة إرهابية، وقد استضافتها مؤخرا خلال اجتماع الفصائل الفلسطينية. بكين، من جهة أخرى، لم تقدم إدانة لـ«حماس» بعد الهجوم، كما أن العديد من وسائل الإعلام الصينية ألقت باللوم على انخراط أمريكا في عملية التطبيع العربية مع إسرائيل مما أدى إلى ضغوط سياسية كبيرة على الفلسطينيين.
واقعيا، يتركز الضغط الأمريكي على حركة «حماس» للقبول بصفقة محدودة لإطلاق سراح 40 أسيرا إسرائيليا من النساء وكبار السن مقابل وقف إطلاق النار لمدة 6 أسابيع، وواضح أن حكومة نتنياهو ترفض هذه الصيغة أيضا (رغم أنها تسمح لها بمعاودة العدوان بعد الهدنة) ويمثّل مشروع القرار الأمريكي، بهذا المعنى، نوعا من الضغط الأممي على إسرائيل.
فيتو موسكو والصين (واعتراض الجزائر) أفشل المناورة الأمريكية لاستخدام مجلس الأمن لدعم «صفقة الرهائن» (كما تسمّيها) وهو ما يدفع في اتجاه مشروع جديد يمكن أن تقدّمه فرنسا أو غيرها، وقد ينصّ بشكل واضح على مطلب «وقف إطلاق نار فوري».
تداعيات ما يحصل في غزة، كما هو واضح، لا تخص الفلسطينيين وحدهم، وستحدد نتيجة السباق بين التوحّش الإسرائيلي ومشاريع قرارات مجلس الأمن شكل المنطقة والعالم لعشرات السنين المقبلة.