واشنطن – رغم أن أيام الفحم، أقذر أنواع الوقود الأحفوري، معدودة، عقب تسجيل انخفاض في الاعتماد عليه من قبل دول متقدمة، فإن الطلب عليه لا يزال صامدا.
وجعل التقدم في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، هذه التكنولوجيات النظيفة أرخص بكثير من الفحم في معظم أنحاء العالم.
ومن الممكن أن تؤدي مكاسب مماثلة للبطاريات وأنظمة تخزين الطاقة، أخيرا، إلى جعل الطاقة المتجددة ذات تكلفة معقولة بالقدر الكافي، لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري التقليدي.
ومع ذلك، لا تزال الصين والهند تعتمدان على الفحم لتوليد الطاقة الكهربائية، مما جعل الإنتاج يسجل رقما قياسيا في العام الماضي، في وقت يستعد فيه المنتجون لمستقبل غير مؤكد، إذ سيُطلب منهم لعقود من الزمن تحقيق التوازن بين الطاقة التقليدية والمتجددة.
وبفضل مزيج من انعدام أمن الطاقة في الصين، بالإضافة إلى ارتفاع الطلب بالهند، والتداعيات المستمرة للحرب في أوكرانيا، والبرامج الدولية المتعثرة لفطم الاقتصادات النامية عن الوقود الأحفوري، أثبت الفحم قدرته على الصمود بشكل ملحوظ.
وأفادت الوكالة الدولية للطاقة بأن الفحم هو مصدر نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصين، التي تولد من خلاله 60 في المئة من حاجاتها من الكهرباء.
الفحم مصدر رئيسي لانبعاثات الميثان، وهو غاز يساهم في زيادة الاحتباس الحراري بنسبة أكبر من ثاني أكسيد الكربون
وبحلول عام 2026، ستشكل الصين والهند وحدهما أكثر من 70 في المئة من استهلاك العالم للفحم.
وبدأت الدولتان الكبيرتان بالإضافة إلى إندونيسيا، في تشغيل محطات جديدة لتوليد الطاقة بالفحم، تبلغ طاقتها 59 غيغاوات في العام الماضي، وأطلقت أو أحيت مقترحات لإنشاء 131 غيغاوات أخرى، حوالي 93 في المئة من الإجمالي العالمي.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة التعدين الأسترالية نيو هوب كورب، روب بيشوب “إذا نظرت إلى آسيا، ومعدلات الطلب وبناء محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، خاصة في الهند، فإن الفحم لن ينتهي في أي وقت قريب”.
وفي ديسمبر الماضي، تبنت دول العالم بالتوافق، أول اتفاق تاريخي بشأن المناخ يدعو إلى “التحول” باتجاه التخلي تدريجيا عن الوقود الأحفوري، بما يشمل الفحم والنفط والغاز، وهي جميعا مسؤولة عن الاحترار العالمي.
ويصنف الفحم على أنه “أقذر أنواع الوقود الأحفوري”، لكونه مصدرا رئيسيا لانبعاث الميثان، وهو غاز يساهم في زيادة الاحتباس الحراري على كوكب الأرض بنسبة أكبر من ثاني أكسيد الكربون.
وفي عام 2022، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا، وانقطاع التيار الكهربائي خلال موجات الحر في الهند، إلى تعزيز الطلب على الفحم.
وبحلول العام الماضي، ارتفع الإنتاج إلى مستوى قياسي بلغ 8.7 مليار طن، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
ومن المتوقع أن ينخفض هذا الرقم هذا العام، لكن الوكالة الدولية تتوقع أن يستقر الوضع حتى عام 2026، بما يتماشى مع توقعات الصناعة بالتخلص التدريجي من الفحم.
والهند هي الدولة الوحيدة التي تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينمو إنتاج الفحم فيها هذا العام، حيث من المتوقع أن يتجاوز الإنتاج مليار طن، للمرة الأولى.
وفي الصين، التي تنتج وتستهلك نصف الفحم في العالم، يكافح عمال المناجم للحفاظ على معدلات النمو، بعد زيادة الإنتاج بنسبة 21 في المئة على مدى السنوات الثلاث الماضية إلى 4.7 مليار طن.
انتاج الفحم مستمر
وفي الوقت ذاته، تتوقع إندونيسيا، أكبر مصدر للفحم الحراري في العالم، استقرار الإنتاج خلال العامين المقبلين.
ورغم هذه التوقعات تواجه صناعة الفحم، التي تعتبر أحد المصادر المهمة لتشغيل محطات الكهرباء، تحدي فقدان نحو مليون وظيفة في غضون ثلاثة عقود بسبب تحول الطاقة العالمي.
وذكرت مؤسسة مراقبة الطاقة العالمية (جي.إي.أم)، ومقرها الولايات المتحدة، في بحث نشرته أكتوبر الماضي أن القطاع قد يضطر إلى الاستغناء عن هذا العدد بحلول العام 2050، أي ما يعادل 37 في المئة من القوة العاملة في القطاع.
وأكدت أن ذلك سيحدث حتى دون أي تعهدات أخرى بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، إذ تواجه الصين والهند أكبر الخسائر.
ومن المتوقع أن تغلق مئات المناجم التي تتطلب عمالة كثيفة أبوابها في العقود المقبلة مع وصولها إلى نهاية عمرها الافتراضي، وأن تستبدل البلدان الفحم بمصادر طاقة أنظف ومنخفضة الكربون.
لكن جي.إي.أم حذرت حينها من أن معظم المناجم التي من المرجح أن تغلق “ليست لديها أي تخطيط لتمديد عمر تلك العمليات أو لإدارة التحول إلى اقتصاد ما بعد الفحم”.
وقالت دوروثي مي، مديرة مشروع “تعقب مناجم الفحم العالمية” في المؤسسة الأميركية، إن “الحكومات بحاجة إلى وضع خطط لضمان عدم معاناة العمال من تحول الطاقة”.
الهند هي الدولة الوحيدة التي تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينمو إنتاج الفحم فيها هذا العام، حيث من المتوقع أن يتجاوز الإنتاج مليار طن، للمرة الأولى
وأضافت “إغلاق مناجم الفحم أمر لا مفر منه، لكن الصعوبات الاقتصادية والصراع الاجتماعي بالنسبة للعمال ليسا كذلك”.
وبحثت جي.إي.أم في 4300 مشروع نشط ومقترح لمناجم الفحم حول العالم تغطي قوة عاملة إجمالية تبلغ حوالي 2.7 مليون شخص.
وخلصت إلى أن أكثر من 400 ألف عامل يعملون في المناجم التي من المقرر أن تتوقف عن العمل قبل عام 2035.
وإذا تم تنفيذ خطط التخفيض التدريجي للفحم للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، فلن تكون هناك حاجة إلا إلى 250 ألف عامل منجم، أي أقل من 10 في المئة من القوة العاملة الحالية في جميع أنحاء العالم، حسب تقديرات المؤسسة.
وقال ريان دريسكيل تيت، مدير برنامج الفحم في جي.إي.أم، إن “صناعة الفحم، بشكل عام، تتمتع بسمعة سيئة للغاية بسبب معاملتها للعمال”.
وأوضح أن “ما نحتاجه هو التخطيط الاستباقي للعمال ومجتمعات الفحم، لذلك ستظل الصناعة والحكومات مسؤولة أمام هؤلاء العمال الذين تحملوا العبء الأكبر لفترة طويلة”.
العرب