الأرجح أن قرار مجلس الأمن الدولي الأخير 2728 سوف يُلقى به إلى سلّة المهملات التي تخصصها دولة الاحتلال الإسرائيلي لقرارات سابقة صدرت عن المجلس ذاته منذ سنة 1967 وحملت أرقام 242، 338، 497، 1701، وصولاً إلى 2334 الذي يحث على إنهاء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة واتسم أيضاً بامتناع الولايات المتحدة عن التصويت.
القرار 2728 ولد بعد مخاضات عسيرة شهدت مشاريع قرارات قاصرة المحتوى عن سابق قصد، أو مصاغة على نحو يذر الرماد في العيون ويستبعد مسبقاً أي آفاق للتطبيق العملي، أو جرى تحرير لغتها على نحو متعمد يحيل إلى فيتو أمريكي تارة أو روسي تارة أخرى. وعلى امتداد خمسة أشهر ونيف من توحش حرب الإبادة الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين من أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزة، واصلت واشنطن إفشال أي مسعى لاعتماد نص في مجلس الأمن الدولي يطالب بوقف إطلاق النار، حتى حين حدث أن أبرز حلفاء الولايات المتحدة ودولة الاحتلال وقعوا تحت حرج الاضطرار إلى التصويت أو الامتناع عنه.
ورغم أن القرار الأخير يشمل فترة شهر رمضان، أو الأيام الـ14 التي تبقت منه على وجه التحديد، وهو صياغة الحد الأدنى التي تُدرج في فقرة واحدة وقف إطلاق النار والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن وكفالة إيصال المساعدات الإنسانية، فإن دولة الاحتلال استشاطت غضباً من خيار واشنطن الامتناع عن التصويت. وسارع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى تنفيذ وعيده فأوقف سفر وفد إسرائيلي رفيع المستوى كان مقرراً له أن يعقد جلسات تشاور مع الإدارة الأمريكية حول عواقب اجتياح الاحتلال لمدينة رفح.
وليس جديداً أن يتبرم نتنياهو من أي موقف أمريكي يحمل درجة دنيا من الاختلاف مع سياسات الاحتلال، وليس طارئاً أيضاً أن يُغلظ في القول بحقّ أي دولة سبق لها أن ساندت حرب الإبادة الإسرائيلية وتبدي اليوم بعض علامات التغيير نتيجة ضغوطات الرأي العام في البلد المعني، أو بسبب استفحال الهمجية الإسرائيلية ومواصلة ارتكاب جرائم الحرب وأسلحة التجويع والعقاب الجماعي لسكان القطاع المدنيين.
ومن المنطقي أن تدفع واشنطن اليوم بعض أثمان انسياقها الأعمى خلف حرب الإبادة الإسرائيلية، والتواطؤ معها وتجميل فظائعها، وأن تسعى إلى امتصاص غضبة نتنياهو عن طريق الزعم بأن القرار 2728 «غير ملزم» من جهة أولى، ولا يمثل أي تغيير في الدعم الأمريكي «الفولاذي» لدولة الاحتلال من جهة ثانية، بدليل استمرار تدفق الأسلحة والذخائر الأمريكية ومليارات الدولارات إلى آلة الحرب الإسرائيلية. وإذا كان وفد التشاور الإسرائيلي لم يستقل طائرة متوجهة إلى واشنطن، فإن وزير الدفاع الاحتلال يتواجد لتوه في الولايات المتحدة ويعقد جلسات على أرفع المستويات.
الثابت في كل حال أن سلة المهملات، التي تخصصها دولة الاحتلال لمقررات الأمم المتحدة عموماً ومجلس الأمن الدولي خصوصاً، استقبلت مؤخراً القرار 2728 وسوف تواصل استقبال المزيد على شاكلته. وأما خارج السلة فإن حرب الإبادة الإسرائيلية تزداد توحشاً وهمجية، على مسمع ومرأى الإنسانية جمعاء.