شراكة خاصة بين الناتو والمغرب لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي

شراكة خاصة بين الناتو والمغرب لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي

حلف شمال الأطلسي (الناتو) يستمر في المراهنة على تعزيز تنسيقه مع مجموعة من الدول، وعلى رأسها المغرب بصفته حليفا رئيسيا من خارج الحلف، من أجل مكافحة الإرهاب. ويجعل الموقع الجيوستراتيجي للمغرب وتجربته الأمنية المملكة شريكا لا غنى عنه للناتو في مواجهة التهديدات الإرهابية المتنامية التي تهدد مصالح دوله.

الرباط – يؤكد إعلان حلف شمال الأطلسي (الناتو) مواصلة مشاوراته مع المغرب في مجال مكافحة الإرهاب -بصفته شريكاً رئيسياً في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا-، أهمية الدور المغربي في هذا المجال من جهة، كما يشير إلى حرص الناتو على تعزيز حضوره الأمني في القارة الأفريقية من جهة أخرى، وهو ما يرجح أن تشهد الفترة المقبلة تدخلاً مباشراً من قبل حلف “الناتو” في بعض الأزمات المثارة داخل القارة الأفريقية؛ في محاولة لتأمين مصالح الحلف، ومواجهة النفوذين الروسي والصيني المتصاعدين في أفريقيا.

وأشار التقرير السنوي الصادر عن ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، إلى اهتمام الحلف بمواصلة مشاورات مكافحة الإرهاب مع المغرب، باعتباره أحد أهم شركاء الحلف من خارجه في القارة الأفريقية، وتحديداً في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا؛ إذ أشار التقرير إلى أنه خلال عام 2023؛ قام الحلف بإجراء مشاورات خاصة بمجال مكافحة الإرهاب مع عدد من شركائه، ومنهم: المغرب وقطر والعراق والكويت وكولومبيا.

دوافع محددة
“الناتو” يواصل مشاورات مكافحة الإرهاب مع المغرب، باعتباره أحد أهم شركاء الحلف من خارجه في القارة الأفريقية، وتحديداً في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا

جاء في تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن الحديث عن الشراكة القائمة بين حلف شمال الأطلسي والمملكة المغربية أثار التساؤلات حول الدوافع التي استند إليها الحلف لمواصلة مشاوراته معها على وجه التحديد في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا باعتبارها شريكاً موثوقاً فيه ولا يمكن الحياد عنه، فمن الملاحظ أن تلك المشاورات لم تشمل دولاً أخرى من نفس المنطقة مثل الجزائر ولذلك لعدة أسباب.

ويتمتع المغرب بموقع جيوستراتيجي مهم، وذلك بوقوعه جنوب القارة الأوروبية وإطلالته على المحيط الأطلسي، فهو الأقرب للقارة الأوروبية عبر مضيق جبل طارق، وفي نفس الوقت ترتبط الرباط بالقارة الأفريقية، وخاصة بمنطقة الساحل والصحراء والغرب الأفريقي، وهي منطقة مصالح إستراتيجية للدول الأوروبية والولايات المتحدة؛ الأمر الذي يدفع حلف “الناتو” لتعزيز شراكته الأمنية مع المغرب، خاصة فيما يتعلق بمجال مكافحة الإرهاب؛ نظراً لقربه من مناطق تصاعد الأنشطة الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء من جهة، كما أن الرباط تعد بوابة رئيسية للهجرة غير الشرعية إلى الدول الغربية من جهة أخرى.

ولدى المغرب خبرات أمنية ومخابراتية كبيرة في مجال مكافحة الإرهاب، وذلك من خلال اعتمادها على إستراتيجية “الضربات الاستباقية” التي نجحت إلى حد كبير خلال السنوات الأخيرة في تحييد قدرات التنظيمات الإرهابية ومنعها من تنفيذ عمليات إرهابية في الداخل المغربي، وقد نجحت هذه الإستراتيجية في الحفاظ على الأمن القومي للمغرب؛ الأمر الذي دفع حلف شمال الأطلسي لتعزيز اتصالاته وعلاقاته مع المغرب نظراً لما يمتلكه من خبرات في هذا المجال، وأيضاً في مجال مواجهة تدفقات الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية.

ونجح المغرب خلال الفترة الأخيرة في تحقيق نجاحات دبلوماسية على صعيد تطوير نمط علاقاته الثنائية مع العديد من الدول، ولاسيما الدول الأوروبية، ونجحت السياسة الخارجية المغربية في الحصول على اعترافات دولية بسيادتها على إقليم الصحراء المتنازع عليه، ولاسيما من قبل القوى الكبرى مثل: الولايات المتحدة الأميركية، وإسبانيا، هذا بالإضافة إلى التحول النوعي الملاحظ في الموقف الفرنسي تجاه هذه القضية خلال الفترة الأخيرة، هذا بالإضافة إلى نجاحها في تغيير مواقف العديد من الدول الأفريقية في هذا الخصوص؛ مما أثبت قدرة مغربية على التأثير في هذه الدول، وهو ما يمكن توظيفه لتحقيق أهداف حلف “الناتو” داخل أفريقيا خلال الفترة المقبلة.

وسبق للمغرب أن ساعد الحلف على تنفيذ رؤيته بفاعلية، فعلى سبيل المثال، أسست الرباط نواة لتحالف يضم الدول الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي “ناتو أفريقي” عام 2022، وذلك بالتزامن مع توجهات حلف شمال الأطلسي لتوسيع عضويته لتضم دولاً جديدة من خارجه، وخاصة في دول القارة، ومن شأن “الناتو الأفريقي” تنفيذ توجهات وسياسات حلف شمال الأطلسي، وخاصة فيما يتعلق بحصار النفوذ الروسي في القارة الأفريقية، والعمل على الحد من المزيد من التمدد الروسي على حساب النفوذ الغربي.

استعادة الدور

تكشف إشارة التقرير السنوي الصادر عن حلف شمال الأطلسي إلى مواصلة المشاورات مع المغرب باعتبارها شريكاً رئيسياً في مجال مكافحة الإرهاب؛ عن سعي الحلف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية.

ويتبنى حلف شمال الأطلسي سياسة تهدف لإقامة شراكات أمنية لدعم المهام الأساسية التي يقوم بها، وخاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب في القارة إفريقيا، وفي ظل المشهد الأمني الذي يتسم بقدر كبير من الفوضى والاضطراب بالمنطقة، رأى قادة الحلف أهمية تطوير الشراكات الأمنية الموجودة بالفعل، ومنها الشراكة الأمنية مع المغرب، بما يعزز قدرات الحلف على مواجهة التحديات الأمنية المشتركة، فالحلف له شراكات مع 35 دولة حول العالم والعديد من المنظمات الدولية، والتي يقوم بتوظيفها للحصول على مختلف أنواع الدعم سواء أكان دعماً عينياً من خلال مراكز التدريب والتعليم الخاصة بالشراكة التابعة للحلف، أم من خلال المساهمات المالية في الصناديق الائتمانية للحلف، وهو ما يُفسر مُشاركة المغرب في بعض التدريبات العسكرية المشتركة تحت إشراف “الناتو” خلال عام 2023.

كما شاركت القوات المسلحة المغربية في دورات التعليم العسكري التي أعدّها الحلف لتطوير مؤسسات التعليم العسكرية المهنية في عدد من الدول ومنها المغرب، وذلك في إطار الدعم الثقافي العسكري لرفع قدرات الضباط غير المعينين بالقوات المسلحة المغربية.

ويأتي الحديث عن تعزيز شراكة حلف “الناتو” بالمغرب في سياق تصاعد التوترات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء التي تشهد صعوداً متسارعاً للنفوذ الروسي، فخلال السنوات الثلاث الأخيرة؛ نجحت موسكو في تمديد نفوذها وتعزيز دورها في دول منطقة الساحل والصحراء، ولاسيما في كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وهو ما ترتب عنه بشكل مباشر تراجع النفوذ الغربي بشكل كبير في تلك المنطقة التي لا تزال تشهد اضطرابات سياسية وأمنية متزايدة، وهو ما دفع حلف “الناتو” للتفكير في ضرورة احتواء المغرب وتعزيز علاقة الشراكة القائمة معه للحيلولة دون امتداد النفوذ الروسي إليه من جهة، ومحاولة توظيف هذه الشراكة لتعزيز دور “الناتو” في منطقة الساحل والصحراء من جهة أخرى، وهنا قد يستفيد حلف “الناتو” من المبادرة المغربية الخاصة بتسهيل وصول دول هذه المنطقة إلى المحيط الأطلسي والمعروفة بمبادرة الأطلسي؛ التي طرحها الملك المغربي محمد السادس، ورحبت بها دول بوركينا فاسو والنيجر ومالي، وأبدت تلك الدول استعدادها للتعاون مع المغرب؛ لتعظيم مكاسبها السياسية والاقتصادية من هذه المبادرة.

لدى المغرب خبرات أمنية ومخابراتية كبيرة في مجال مكافحة الإرهاب، وذلك من خلال اعتمادها على إستراتيجية “الضربات الاستباقية” التي نجحت بشكل كبير

وفي المقابل يساعد ذلك الأمر المغرب على تعزيز نفوذه في تلك الدول، وهنا يمكن لحلف “الناتو” أن يستخدم شراكته مع المغرب باعتباره شريكاً متميزاً مع موريتانيا؛ لبناء كتلة موالية فاعلة للحلف في منطقة الساحل والصحراء والغرب الأفريقي؛ لملء الفراغ الأمني الذي نتج عن خروج فرنسا من تلك المنطقة.

ويسعى حلف “الناتو” لتعزيز شراكته الأمنية مع المغرب؛ من أجل تعزيز القدرات العسكرية والأمنية الخاصة بمواجهة خطر الإرهاب المتنامي في القارة الأفريقية، خاصة وأن الحلف قام بتبني عدد من الآليات مثل: برنامج العمل للدفاع ضد الإرهاب، وإنشاء خلية استخبارات إرهابية في مقر “الناتو”، وإجراء بحوث تكنولوجية بشأن جهود مكافحة الإرهاب، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة للتصدي للهجمات الإرهابية السيبرانية وحماية البنية التحتية كحماية الموانئ، وخلال السنوات الأخيرة تراجع الدور الأمني الأوروبي في منطقة الساحل والصحراء وخاصة بعد الانقلابات العسكرية التي شهدتها دولها؛ الأمر الذي تبرز معه أهمية تعزيز التعاون الأمني مع المغرب لحماية الحدود الجنوبية لحلف “الناتو”، وتحديداً في منطقة شمال إفريقيا والساحل والصحراء، وقد يكون ذلك بدعم الحلف لمشروع حلف “الناتو الأفريقي” الذي يضم الدول المطلة على المحيط الأطلسي مع التركيز على المغرب وموريتانيا باعتبارهما من الحلفاء.

ويسعى قادة حلف “الناتو” لتعزيز علاقة الحلف وأعضائه بالمغرب ليس فقط على المستوى الأمني، وإنما يمتد ذلك لتأمين الحصول على إمدادات الطاقة، وخاصة مع استمرار تداعيات امتداد الأزمة الأوكرانية على إمدادات الدول الأوروبية من الغاز الطبيعي. وفي هذا السياق فإن تطوير الشراكة القائمة مع الرباط يضمن لدول حلف “الناتو” الحصول على الغاز الطبيعي عبر مشروع نقل الغاز من نيجيريا إلى المغرب، غير أن التحديات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء تُعد من أبرز عقبات تنفيذ هذا المشروع، إضافة إلى التكلفة المالية العالية للمشروع، وهو ما يدفع حلف “الناتو” للتفكير في تحقيق الاستقرار الأمني في تلك المنطقة لضمان تنفيذه والاستفادة المستقبلية منه في حال تنفيذه بالفعل.

يحقق هذا التقارب بين حلف شمال الأطلسي والمغرب عدداً من الأهداف للأخيرة، يمكن إبرازها على النحو التالي:

1- رفع القدرات العسكرية للمغرب: تشمل الشراكة الأمنية والعسكرية مع حلف “الناتو”؛ رفع جاهزية القوات المسلحة المغربية وتطوير قدراتها العسكرية، وخاصة فيما يتعلق بالمواجهات العسكرية والعمليات الخاصة بمجال مكافحة الإرهاب، وذلك عبر المشاركة في المناورات العسكرية المشتركة، والحصول على دورات تدريبية للضباط بما في ذلك استخدام الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية الحديثة، كما أن الشراكة القائمة بين المغرب وحلف “الناتو” تشمل استخدام الأسلحة الخفيفة والصغيرة، بالإضافة إلى أن استضافة المغرب لمناورات الأسد الأفريقي في نسختها الجديدة والمقرر إجراؤها في مايو 2024؛ من شأنها تطوير القدرات العسكرية للمغرب، وتأكيد قوة العلاقات المغربية الأميركية على الصعيد العسكري ومع حلف “الناتو”.

2 – المساهمة في الحفاظ على الأمن القومي للمغرب، وذلك من خلال استخدامه للشراكة الأمنية والعسكرية القائمة مع حلف “الناتو” في مواجهة تهديدات أمنية محتملة، وخاصة في ظل توتر العلاقات السياسية والأمنية مع الجزائر، فقد يحاول المغرب توظيف شراكته مع حلف “الناتو” كرسالة ردع لجارته الجزائر التي قطعت علاقاتها معه وتتهمه بزعزعة استقرارها الأمني، وأيضاً ضد جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر عسكرياً ومادياً.

3 – تعزيز المكانة السياسية للمغرب وذلك من خلال اعتبار حلف “الناتو” الرباط شريكاً رئيسياً من خارج الحلف في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا؛ الأمر الذي يوظفه المغرب لتعزيز دوره ونفوذه السياسي والأمني في القارة الأفريقية بصفة عامة؛ إذ ستقوم الرباط بتوظيف هذه الشراكة لتعزيز نفوذها بشكل أكبر، وذلك انطلاقاً من اعتماد حلف “الناتو” عليها كشريك رئيسي في تحقيق السلم والأمن على مستوى القارة الأفريقية وحماية الشعوب الأفريقية ضد المخاطر والتهديدات الأمنية المتزايدة، وهو ما يساعد المغرب على تنفيذ مقاربته الاقتصادية والتنموية لمساعدة شعوب الدول الإفريقية على تحقيق التنمية الاقتصادية وتوسيع النفوذ في تلك الدول.

العرب