تتزايد القناعة بأن مسح قطاع النقل البحري المنسجم مع خطط خفض الانبعاثات يبدو مليئا بالتحديات في ظل توترات البحر الأحمر، حيث تفرض الأزمة زيادة مسارات الشحن ودعم أساطيل السفن لتأمين الإمدادات في طريق إنعاش التجارة العالمية.
لندن – يتعرض تعهد صناعة الشحن بالحد من بصمتها الكربونية لانتكاسة بفعل أزمة البحر الأحمر التي تدفعها إلى استخدام المزيد من السفن واتخاذ مسارات أطول لضمان الإبحار السلس للتجارة البحرية العالمية.
وأدت هجمات الحوثيين على سفن الشحن، التي تمر عبر باب المندب مرورا بالبحر الأحمر منذ نوفمبر الماضي، بعد أسابيع قليلة من هجوم إسرائيلي واسع النطاق على قطاع غزة، إلى خنق التجارة عبر قناة السويس.
ودفع هذا الوضع المقلق العديد من شركات شحن الحاويات إلى إضافة 10 إلى 14 يوما إلى الرحلات بين آسيا وأوروبا وإضافة المزيد من السفن، وتكبد من المزيد من التكاليف والمصاريف.
ونتيجة لذلك، أثار هذا الاضطراب الشكوك بين أوساط الصناعة والمحللين، حول قدرة القطاع على البقاء على المسار الصحيح للوفاء بتفويض المنظمة البحرية الدولية بخفض بنسبة 20 في المئة بحلول نهاية العقد الحالي.
لكن مبادرة أس.بي.تي.آي، التي نُشرت في الخريف الماضي، تؤكد أن القطاع يجب أن يخفض انبعاثاته بنسبة 45 في المئة بحلول 2030 لتتماشى مع أهداف باريس التي تحاول الحد من ارتفاع درجات الحرارة الإجمالية إلى 1.5 درجة مئوية.
ويمثل النقل البحري، الذي ينقل قرابة 90 في المئة من التجارة العالمية، ما يقرب من 3 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم، وهي حصة من المتوقع أن تتوسع في العقود المقبلة دون اتخاذ تدابير أكثر صرامة لمكافحة التلوث.
ويعتقد يانيس بارجاناس رئيس قسم الأبحاث في شركة إنترمودال للوساطة البحرية أن أوقات السفر تتطلب سفينتين إضافيتين على الأقل للحفاظ على الخدمات الأسبوعية بين آسيا وأوروبا لكل مشغل، ما يزيد من الانبعاثات من الأسطول للكمية نفسها من البضائع.
ونسبت رويترز إلى بارجاناس قوله إن “تغيير المسار، الذي يؤدي إلى ارتفاع استهلاك الوقود، من المتوقع أن يؤدي إلى زيادة بنسبة 42 في المئة في الانبعاثات لكل سفينة بالنسبة لخدمة الخطوط الملاحية المنتظمة الأسبوعية القياسية بين آسيا وشمال أوروبا”.
وتظهر أحدث المؤشرات والإحصائيات الدولية الموثوق فيها وبيانات تتبع انبعاثات السفن أن الكربون الصادر عن سفن الحاويات بلغت بنهاية العام الماضي، نحو 231 مليون طن، لتلامس مستويات ما قبل الوباء.
ويحتاج قطاع الشحن، الذي يتعامل مع أكثر من 80 في المئة من جميع البضائع المتداولة عالميا، ويستهلك 5 ملايين برميل من النفط يوميا، إلى التحول إلى البدائل وبسرعة أكبر.
ونظرا لأن عمر السفن يتراوح بين 20 إلى 25 عاما، فمن الممكن أن تظل السفن المطلوبة قيد الاستخدام بحلول منتصف هذا القرن، ما يعني أنه يجب أن تكون قادرة على العمل بالوقود النظيف، حتى لو لم تكن الإمدادات موجودة على نطاق واسع.
◙ 2.6 في المئة نسبة ارتفاع التجارة العالمية هذا العام بعد تراجعها بنحو 1.2 في المئة خلال 2023
وتقدر شركة بي.جي.سي الاستشارية أن الحصول على صافي الكربون في الشحن يتطلب 2.4 تريليون دولار من الاستثمار، وسيتعين أن يكون 70 في المئة من الوقود المستخدم تم إنتاجه من مصادر مستدامة.
وقال نيلز راسموسن كبير محللي الشحن في جمعية مالكي السفن بيمكو لرويترز إن “المسار الأطول استلزم زيادة بنسبة 8 إلى 10 في المئة من استخدام سفن الحاويات، مقارنة بالعام السابق، مما أدى إلى زيادة مماثلة في الانبعاثات”.
ويمكن أن ترتفع انبعاثات سفن الحاويات بنسبة تصل إلى 11 في المئة إلى 257 مليون طن في عام 2024 إذا استمرت الاضطرابات بما في ذلك في البحر الأحمر وقناة بنما، وفقا لشركة الاستشارات أليكس بارتنارز.
كما أدت أزمة البحر الأحمر إلى تأجيل خطط بعض المشغلين لاستبدال الأساطيل المتقادمة بسفن أحدث أكثر كفاءة في استهلاك الوقود.
وقال سيميون بارياروس كبير المسؤولين الإداريين في شركة يوروسيز المالكة للسفينة إن “الأرقام (أسعار الشحن) صحية للغاية وأولئك الذين يعتزمون التخلص من سفينتهم أرجأوا قرارهم”.
ورغم التفاؤل بانتعاش التجارة الدولية هذا العام، لكن النزاعات والتوترات الجيوسياسية وعدم اليقين في السياسة الاقتصادية تشكل مخاطر سلبية كبيرة على التوقعات.
وكشفت منظمة التجارة العالمية الأربعاء الماضي في توقعاتها السنوية أن أحجام المبادلات انخفضت بشكل غير متوقع بنسبة 1.2 في المئة في العام 2023.
وقال كبير الاقتصاديين في منظمة رالف أوسا لوكالة فرانس برس إن الانخفاض “يعود بشكل رئيسي إلى أداء أوروبا الذي كان أسوأ من المتوقع”، فيما ساهم استمرار ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم في انخفاض الطلب على السلع.
وشهد اقتصاد منطقة اليورو ركودا في الربع الأخير من العام الماضي، مع انكماش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.3 في المئة، لكنّ تعافي التجارة العالمية للسلع بدأ يتعافى ويعزى ذلك جزئيا إلى تباطؤ التضخم.
وتوقعت المنظمة أن يواصل الاقتصاد العالمي النمو خلال العامين المقبلين بنسبة 2.6 في المئة هذا العام، و2.7 في المئة عام 2025 على أن يرتفع حجم التجارة بواقع 2.6 في المئة هذا العام وبنحو 3.3 في المئة العام المقبل.
وتوقعات العام 2024 أقل من الزيادة البالغة 3.3 في المئة التي توقعتها المنظمة في أكتوبر الماضي.
وقالت المديرة العامة المنظمة نغوزي أوكونغو إيويالا في بيان “نحن نحرز تقدما نحو انتعاش التجارة العالمية” لكن “من الضروري الحد من المخاطر مثل الاضطرابات الجيوسياسية وتفكك التجارة للحفاظ على النمو الاقتصادي والاستقرار”.
ولا تقدّم المنظمة توقعات محددة حول تطور التجارة الدولية في الخدمات، لكنها رجحت تواصل نموها هذا العام، خصوصا في قطاعي السياحة والنقل تزامنا مع دورة الألعاب الأولمبية في باريس وبطولة أمم أوروبا لكرة القدم.
ومع أن الضغوط التضخمية التي أثرت على التجارة العام الماضي قد تتراجع في عام 2024، لكن المنظمة حذرت من أن “التوترات الجيوسياسية وعدم اليقين السياسي يمكن أن يحد من مدى انتعاش التجارة”.
العرب