عام 2016.. دولة سنية ونهاية داعش في العراق

عام 2016.. دولة سنية ونهاية داعش في العراق

map_iraq_n

العجز العام داخل العراق لا يمكن أن يبقى ساكناً عند حدوده الراهنة فالتدحرج حينما يحصل فإنه يسير بقوة نحو الهاوية فالمشكلة هي في بنية الحكم.

كُثْرٌ من المهتمين بالشأن العراقي قد راهنوا على حصول تغيير في الوضعين السياسي والأمني للعراق خلال عام 2015 وجزء من تلك المراهنات ركّز بصورة أساسية على حصول تغيير جدي في السياسة الأميركية تجاه خلفيات ملف احتلال داعش للعراق السياسية والأمنية بعد إعلان دولة (الخلافة الإسلامية) في كل من العراق وسوريا برئاسة البغدادي في يونيو 2014 وبذلك فرض داعش وحدة الصراع والحرب لكلا البلدين.

وترتبت عن هذا أضرار جسيمة خصوصاً في العراق في الأرواح والممتلكات بينها حق السكن. فقد أعلنت تقارير الأمم المتحدة بأنه خلال عام 2015 قتل 11 ألفا وجرح أكثر من 18 ألف مواطن، وهُجّر وشُرّد أكثر من مليوني إنسان تحول أكثرهم إلى نازحين ولاجئين غير مرغوب بهم في وطنهم، والفاجعة الأكبر هي حرق ونهب بيوت من تمكنوا من العودة إلى المناطق التي تحررت من داعش في ديالى وصلاح الدين حيث اغتصبت أو حرقت أو نهبت من قبل المليشيات التي احتلت تلك البيوت. كانت الآمال معقودة على تجاوب رئيس الوزراء العبادي للمسؤوليات التاريخية التي وضعت أمامه قبل تسليمه المنصب ليس على مستوى تحرير الأرض العراقية من داعش فحسب، وإنما في إحداث مقدمات جدّية للخلاص من النظام الطائفي، وإحلال النظام المدني الديمقراطي القائم على قيم المواطنة العراقية، وتخليص البلاد من المليشيات المسلحة المعوق القوي لأي احتمالات للاستقرار، وإشاعة قيم السلم والمحبة لشعب العراق، وتحويل بيئة المعركة ضد داعش إلى فرصة للانفتاح السياسي، وإطلاق حملة وطنية شاملة تزج فيها جميع الإمكانات الشعبية المدنية والعسكرية، والتخلص من العقد الحزبية والتاريخية الطائفية التي أنهكت وشرذمت الوضع السياسي العراقي.

إجراءات العبادي كانت وما زالت شكلية حيث أقصت بعض الزعامات (النجيفي والمطلك وعلاوي والمالكي) الذي هزأ بقرار العبادي وبقي متمسكا بمنصبه وبكافة صلاحياته وأدواته السياسية والأمنية. فما قيمة عملية الإزاحة والاستبدال التي حصلت من قبل الأميركان إن كان العبادي لم يختلف بالمنهج السياسي عن المالكي.

شهد عام 2015 مزيدا من تفكك العملية السياسية، وتعمقت عناصر فقدان الثقة بين أطراف مثلثها (السني الشيعي الكردي) لدرجة الإقصاء والتخوين والاستفراد، الأكراد لم يعودوا يثقون بمركز الحكم في بغداد، وأخذوا يعلنون عن إقامة استفتاء الدولة الكردية المستقلة، والعرب السنة أصبحوا بعيدين عن الوفاق التبعي مع الأحزاب الشيعية الحاكمة. إضافة إلى عمق الخلافات بين أركان البيت الشيعي إثر تصاعد نفوذ وهيمنة التشكيلات السياسية للمليشيات على الواقع الأمني.

وعلى الرغم من حصول حراك شعبي مدني عُقدت حوله الآمال العامة لإحداث ضغوط شعبية على الحكومة وقيادتها السياسية المتمثلة (بحزب الدعوة) إلا أن تلك الفعالية تم تدجينها وتعطيلها بواسطة أدوات معلنة وخفية من قيادات الأحزاب “الشيعية” الحاكمة لأن شعارات تلك التظاهرات خرجت عن المسموحات، مما هدد سمعة ومصير تلك الأحزاب وزعاماتها. وتحولت تلك الفعاليات الكبيرة أخيراً إلى إعلانات لتجمعات سياسية مدنية رغم أن شعاراتها جذابة لكنها لا تقدم حلاً واقعياً للواقع السياسي الكارثي الذي يعيشه البلد. بل إن جزءاً منها مدعوم بشكل خفي من بعض القيادات الحزبية الشيعية كحزب (الدعوة) ممثلاً بالعبادي الذي يحاول الظهور بمظهر المعتدل عن رفيق دربه المالكي. وكذلك الحال ببعض شعارات الاعتدال السياسي المروج لها حاليا في بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وهي لا تتعدى كونها منتديات فكرية لا تأثير لها في الواقع السياسي.

الأخطر من ذلك كله هو الانهيار الاقتصادي بعد انخفاض أسعار النفط، وانكشاف نتائج النهب الأسطوري الملياري للمال العام من قبل مافيات الفساد داخل الأحزاب والحكومة والتي لم يتم التحرش بها وبمكانتها وهيمنتها، وبدلاً من ذلك تم استهداف فئة الموظفين بقطع رواتبهم (قطع الأرزاق) بعد أن منح صندوق النقد الدولي قرضاً بمليار ومائتي ألف دولار، وهو ما يعادل صفقة سرقة واحدة من سرقات أموال الشعب وهي الحالة التي لم تصل إليها الدولة العراقية لآخر مرحلة من مراحلها حينما فرض الحصار الدولي الظالم لاثنتي عشرة سنة، بل وفرت الدولة “المستبدة الدكتاتورية” جميع سبل حماية الأمن الغذائي للمواطن عن طريق البطاقة التموينية إضافة إلى الأمن العام وحماية أسوار الوطن من الاختراقات التي تلعب اليوم بالبلد من شماله إلى جنوبه.

لقد كان عام 2015 مراً بجميع المقاييس حتى وإن شهدت أيامه الأخيرة احتمالات تطهير الرمادي من “داعش” الإرهابي، والطريق حسب القيادات الميدانية الأميركية ما زال طويلاً لتحرير كل العراق، وهناك اعتراف أممي وأميركي بأن تغييب أهل المحافظات العربية (السنية) عن المعركة لن يحسمها، وهذا ما يقود إلى احتمالات سياسية سيشهدها العراق على مستوى خيارات مصيره، فمعركة الموصل المنتظرة تمر بمنعطفات سياسية ذات أبعاد إقليمية ودولية، مرتبطة بالملف السوري وتشابكاته الدولية بعد دخول الروس الدراماتيكي الذي أجهض على الكثير من السيناريوهات الأميركية السائدة قبل هذا الواقع اللوجيستي الجديد. وقد أصبح الوضع أكثر تعقيداً بعد تصاعد الاستقطابين (الروسي الإيراني) مقابل (التحالف العسكري الإسلامي) الذي تقوده السعودية بمشاركة 34 دولة عربية وإسلامية، فيما تلعب “واشنطن أوباما” على تعميق هذين الاستقطابين لإنضاج سيناريو التقسيم الطائفي في المنطقة رغم الشعارات المعلنة في الحرص على “وحدة كل من العراق وسوريا”.

إن العجز العام داخل العراق لا يمكن أن يبقى ساكناً عند حدوده الراهنة، فالتدحرج حينما يحصل فإنه يسير بقوة نحو الهاوية، والمشكلة هي في بنية الحكم، رغم الوسائل وأدوات الحماية المعنوية والمادية المقدمة من قبل إيران وأميركا. والموضوع لا يتعلق بالأشخاص، وإنما بالتوجهات والمناهج الطائفية التي تعمقت في مختلف المظاهر المدعومة من قبل طهران وواشنطن وهذه هي المشكلة الجوهرية في البلد، وكذلك حالة الفساد ومافياتها التي لم تترك الفتات لغيرها لكي لا يطمعوا في إزاحة الحيتان الكبيرة عن مكانة الهيمنة.

وإذا كان من المؤمل أن يتم القضاء على داعش في العراق خلال عام 2016 رغم الصعوبات اللوجيستية على الحدود مع سوريا، فإن عهد ما بعد داعش هو الذي يحضر له على المستويات الاستراتيجية والسياسية في العراق والمنطقة، وهناك مشروع (الدولة السنية) قيد الإعداد بإشراف أميركي وبمشاركة دول عربية سنية في المنطقة. قوى هذه الدولة المحلية المقترحة هي الزعامات السنية (النجيفي إخوان والمطلك وغيرهم من خارج العملية السياسية ومسعود البرزاني) وهناك خرائط جغرافية رسمت لتقسيم منطقة كردستان إلى قسمين أحدهما من حصة الدولة الجديدة والثانية تتضمن السليمانية وجزءا من كركوك تذهب إلى الحاضنة الإيرانية وفق (الكيان الشيعي) هل يشهد عام 2016 نهاية داعش في العراق وقيام الدولة السنية. هذا ما ننتظره خلال الشهور المقبلة.

ماجد السامرائي

صحيفة العرب اللندنية