مساران مختلفان لتطور العلاقة بين تركيا والعراق: تقدم التعاون الاقتصادي وجمود ملف المياه

مساران مختلفان لتطور العلاقة بين تركيا والعراق: تقدم التعاون الاقتصادي وجمود ملف المياه

بغداد- لم يمنع التطور الملموس المسجل في التعاون الاقتصادي بين تركيا والعراق من تواصل تعثّر حلحلة الخلافات بين الطرفين بشأن ملف المياه بسبب عدم رغبة حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تقديم أيّ تنازلات للطرف العراقي ومنحه أيّ شيء ملموس يساعده في مواجهة الأزمة المائية التي تزداد حدّة مع مرور السنوات، واعتمادها بدلا من ذلك على المماطلة والتسويف في تكتيكها للتعاطي مع الملف.

وبينما كانت جهات عراقية تنتظر أن تحمل الزيارة التي قام بها أردوغان مؤخّرا إلى بغداد تطوّرا ملموسا باتجاه تخفيف الضائقة المائية الشديدة التي يواجهها العراق، بالنظر إلى الأجواء الإيجابية التي سبقتها وحالة الوفاق التي ميّزتها وما تمّ التوصّل إليه خلالها من اتفاقات استثنائية في مجال التعاون الاقتصادي، لم تسفر الزيارة سوى عن اتفاق هزيل بشأن تشكيل لجان مشتركة للنظر في ملف إمكانية زيادة حصص العراق من مياه نهري دجلة والفرات، الأمر الذي سبب خيبة أمل لأوساط سياسية وبرلمانية عراقية اعتبرت الاتفاق عملية تسويف ومماطلة تركية جديدة بشأن حلحلة ملف المياه.

وقال عضو لجنة الزراعة والمياه النيابية النائب ثائر الجبوري إنّ “الحقيقة التي يجب الانتباه إليها من خلال زيارة الرئيس أردوغان إلى بغداد أنّه لم يعطِ موافقة واضحة بزيادة حصص المياه للعراق”، معبّرا عن أمله في أن تفضي المفاوضات الجارية حاليا إلى تقليل آثار الجفاف وزيادة حصص العراق من مياه النهرين.

وأضاف الجبوري متحّدثا لوكالة بغداد اليوم الإخبارية أنّ “الموضوع بشكل عام لا يحتاج إلى تشكيل لجان خاصة وأن القانون الدولي فرض جملة من الالتزامات على الدول المتشاطئة بضمان حصص عادلة ومنصفة من المياه”.

وأكّد أنّ “ملف المياه أولوية قصوى في العراق بعد معاناة السنوات الماضية وتبعات الجفاف القاسية”، مشيرا إلى “دور وزارة الموارد المائية في تقليل حجم الكارثة من خلال سلسلة خطوات بدأت تؤتي ثمارها خاصة تنظيم تدفق المياه وتبطين الأنهر والجداول والتحرك نحو أنظمة الري الحديثة”.

ويشير النائب إلى التغييرات التي شرعت الدولة العراقية في إدخالها على أساليب الري وتعميمها تدريجيا في اتّجاه التخلّي عن أساليب الري التقليدية النهمة للمياه والتي كانت معتمدة في سنوات الوفرة المائية لكنّها باتت غير مناسبة في ظل حالة الشحّ الناتجة من جهة عن التغيرات المناخية الحادّة، وأيضا عن تكثيف الجارة تركيا لحبس مياه نهري دجلة والفرات في السدود، وكذلك الاستغلال المفرط من قبل الجارة الأخرى إيران لمياه الروافد المتجهة من أراضيها صوب الأراضي العراقية من جهة أخرى.

وكشفت وزارة الموارد المائية العراقية، الخميس، عن سلسلة من المشاريع تعمل على تنفيذها في مجال ترشيد استهلاك المياه. وقال المتحدث باسم الوزارة علي راضي ثامر إن “أغلب المشاريع التي تقوم بها الوزارة هي مشاريع متعلقة بمواجهة التغييرات المناخية وظروف الشحة المائية، إضافة الى تطوير منظومات الخزن والري بما يتناسب مع توجهات الدولة العراقية في تقنين استخدام المياه واستخدام التقنيات الحديثة، بهدف الحفاظ على الثروة ومواجهة تحديات الشحة المائية”.

وأضاف ثامر أن “وزارة المواد المائية تعمل على مشاريع تحسين كفاءة الإرواء والاستفادة من كل الإيرادات المتاحة سواء من المياه السطحية أو الجوفية والاستفادة من مياه الأمطار والسيول”.

وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد تحدّث في وقت سابق من هذا الأسبوع عن “ثورة” سيشهدها العراق “في مشاريع استثمار الثروة المائية بما ينعكس على مجمل الواقع الزراعي في البلاد”.

وكانت تركيا قد حمّلت العراق مسؤولية الأزمة المائية التي يعيشها معتبرة أنّه يسيء التصرّف في الموارد المائية المتاحة له، وسرعان ما رأت الحكومة التركية التي تتميّز سياساتها ببراغماتية مفرطة، في أزمة المياه بالعراق فرصة أخرى للاستفادة بأن عرضت على بغداد خبراتها في مجال تحديث أساليب الري والتحكم بالمياه داعية إياها إلى التعاقد مع الشركات التركية المختصة في المجال.

وقبل زيارته الأخيرة إلى العراق وضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حلّ الخلافات بين بلاده والعراق حول مشكلة المياه بندا رئيسيا على أجندة الزيارة ليتبين أنّ حديثه في الموضوع كان مجرّد كلام سياسي فضفاض ورسالة مجاملة للمسؤولين العراقيين.

ولم تفض مساعي بذلها المسؤولون العراقيون لدى أنقرة على مدى سنوات لإقناع الحكومة التركية بتمكين العراق من حصته كاملة من مياه نهري دجلة والفرات، إلى نتيجة تذكر، بينما واصلت تركيا حجز المزيد من مياه النهرين في سدودها الضخمة لتلبية النهم المتزايد لمشاريعها التنموية الكبيرة ولتلبية طلب سكانها على المياه في ظل تناقص كمياتها جرّاء التغيرات المناخية التي بدأت بإحداث آثار كارثية على البيئة والزراعة ومختلف مظاهر الحياة في العراق.

وبدأ الملف خلال الفترة الأخيرة يتحوّل إلى مدار حراك نشط وتواصل كثيف بين الجانبين العراقي والتركي، لكن على مستوى الحوار العام المنفصل عن أيّ إجراءات عملية، وذلك في إطار أشمل يتجاوز الملف بحدّ ذاته إلى وجود مخطط تركي للدخول بقوة إلى الساحة العراقية وتوسيع النفوذ داخلها والاستفادة منها اقتصاديا وأمنيا إلى أقصى قدر ممكن.

العرب