الاتحاد الأوروبي يضع لبنان في قلب خططه لصد موجات اللاجئين

الاتحاد الأوروبي يضع لبنان في قلب خططه لصد موجات اللاجئين

بيروت – أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين الخميس من بيروت عن مساعدات بقيمة مليار يورو دعماً “لاستقرار” لبنان، معوّلة على “تعاون” السلطات لمكافحة عمليات تهريب اللاجئين التي شهدت ازدياداً في الآونة الأخيرة باتجاه قبرص.

لكنّ المساعدات الأوروبية لن تكون عاجلة، ولن يتم البدء بتسليمها قبل 2027، في رسالة تؤكد أن أوروبا لن تقدم دعما مسبقا، وأن الدعم سيكون مشروطا بما يحققه لبنان من نتائج على الأرض في التصدي لموجات المهاجرين المتجهة إلى أوروبا.

وسبق أن أثارت هذه السياسة الحازمة توترا بين الاتحاد الأوروبي وتونس، التي كانت تراهن على أن الدعم الأوروبي سيكون حينيا لمساعدتها على مواجهة الأزمة المالية.

ونجح الأوروبيون في التوصل إلى اتفاقيات سابقة مع تركيا وليبيا وتونس ومصر، لكن لم يكن لهذه الاتفاقيات تأثير فعال في الحد من تدفقات المهاجرين، التي تتزايد باستمرار.

المساعدات لن تكون عاجلة، ولن يتم البدء بتسليمها قبل 2027، في رسالة تؤكد أن أوروبا لن تقدم دعما مسبقا

وتأتي زيارة المسؤولة الأوروبية برفقة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس إلى بيروت، في وقت أعادت نيقوسيا في الفترة الأخيرة قوارب مهاجرين انطلقت بصورة غير نظامية من لبنان، وعلى وقع تكرار بيروت مطالبة المجتمع الدولي بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، بعد توقف المعارك في محافظات سورية عدة.

وقالت فون دير لايين خلال مؤتمر صحفي إثر لقائها والرئيس القبرصي رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي “أستطيع الإعلان عن حزمة مالية بقيمة مليار يورو للبنان، ستكون متاحة بدءاً من العام الجاري حتى 2027” من أجل المساهمة في “الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي”.

وأضافت مخاطبة السلطات “نعوّل على تعاونكم الجيد لمنع الهجرة غير النظامية ومكافحة تهريب المهاجرين”، في إشارة إلى قوارب الهجرة غير النظامية التي تنطلق من سواحل لبنان.

وأكدت كذلك عزم الاتحاد الأوروبي على دعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية عبر “توفير معدات وتدريب على إدارة الحدود”.

وبحسب متحدث باسم الاتحاد الأوروبي في بروكسل، فإن 736 مليون يورو من إجمالي المبلغ ستُخصص “لدعم لبنان في الاستجابة للأزمة السورية وأزمة اللاجئين السوريين وكل ما يتعين على لبنان التعامل معه نتيجة الأزمة السورية” في حين أن المبلغ المتبقي مخصص في إطار التعاون الثنائي لدعم الجيش والأجهزة الأمنية.

ويستضيف لبنان الذي يشهد أزمة اقتصادية حادة منذ العام 2019، نحو مليونَي سوري، أقلّ من 800 ألف منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة، وهو أعلى عدد من اللاجئين في العالم نسبة إلى عدد السكان.

ويعبر الكثيرون من سوريا إلى لبنان عبر طرق التهريب البرية أملاً في ركوب قوارب الهجرة غير القانونية التي أصبح شمال لبنان نقطة انطلاق لها. ويبحث المهاجرون عن حياة أفضل في دول أوروبية، وغالبا ما يتوجهون إلى قبرص، الجزيرة المتوسطية التي تبعد أقل من 200 كيلومتر عن لبنان.

وتقول قبرص إنها تشهد تدفقاً متزايداً للمهاجرين السوريين من لبنان بشكل غير نظامي، خصوصاً منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في السابع من أكتوبر. وتعتبر أن التصعيد عند الحدود بين حزب الله وإسرائيل أضعف جهود لبنان في مراقبة مياهه الإقليمية ومنع مغادرة قوارب المهاجرين.

ومنذ مطلع العام الجاري وحتى الرابع من أبريل، وصل قبرص أكثر من أربعين قارباً على متنها نحو 2500 شخص، وفق تقديرات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، التي لم تحدد عدد القوارب التي انطلقت من لبنان وتلك التي انطلقت من سوريا.

وقال الرئيس القبرصي في المؤتمر الصحفي “لا يمكننا الاستمرار في العمل كالمعتاد، وتجب معالجة المشكلة التي طال أمدها بشكل فعال وحاسم” مشدداً على أن “الوضع الحالي غير مستدام بالنسبة إلى لبنان وقبرص والاتحاد الأوروبي”.

وأعرب عن اعتقاده بأنّ حزمة المساعدات الأوروبية “ستعزز قدرة السلطات اللبنانية على التعامل مع تحديات عدّة بما في ذلك مراقبة الحدود البرية والبحرية (…) ومكافحة تهريب الأشخاص”.

وفي الأسابيع الأخيرة، أعادت نيقوسيا عدداً من القوارب إلى لبنان، في عمليات تصر على أنها قانونية بموجب اتفاقية ثنائية أُبرمت قبل سنوات مع بيروت بشأن إعادة المهاجرين غير النظاميين.

ومنذ استعادة الجيش السوري السيطرة على الجزء الأكبر من مساحة البلاد، تمارس بعض الدول المضيفة للاجئين بينها لبنان ضغوطاً لترحيل اللاجئين من أراضيها بحجة تراجع حدّة المعارك. لكن ذلك لا يعني، وفق منظمات حقوقية ودولية، أن عودة اللاجئين باتت آمنة في ظل بنى تحتية متداعية وظروف اقتصادية صعبة وملاحقات أمنية تشمل اعتقالات تعسفية وتعذيبا.

وجدد ميقاتي الخميس في كلمة خلال المؤتمر الصحفي التأكيد على أن “الواقع الحالي لهذا الموضوع بات أكبر من قدرة لبنان على التحمّل”.

وجدّد مطالبة الاتحاد الأوروبي بـ”دعم النازحين في بلادهم لتشجيعهم على العودة الطوعية”. وأوضح “إذا كنا نشدد على هذه المسألة، فمن منطلق تحذيرنا من تحوّل لبنان بلد عبور من سوريا إلى أوروبا”.

ومنذ سنوات، يتعرض اللاجئون السوريون في لبنان لضغوط متنوعة، من حظر تجول في أوقات معينة وتوقيفات وترحيل قسري إلى مداهمات وفرض قيود على معاملات الإقامة. وتنظر السلطات إلى ملف اللاجئين بوصفه عبئاً وتعتبر أن وجودهم ساهم في تسريع ومفاقمة الانهيار الاقتصادي منذ 2019.

العرب