تكديس الاحتياطي النقدي يولد آثارا عكسية في حماية الليرة التركية

تكديس الاحتياطي النقدي يولد آثارا عكسية في حماية الليرة التركية

تصطدم الحكومة التركية بعوائق جديدة في مسار إصلاح الاقتصاد، حيث برزت خلال الآونة الأخيرة نتائج عكسية في سبيل حماية الليرة جراء تكديس البنك المركزي للاحتياطات النقدية.

وينظر المسؤولون إلى 2024 على أنه العام، الذي يبدأ فيه التضخم السنوي في الانخفاض، وتزداد فيه كفاية الاحتياطيات النقدية، وينتهي نظام حماية النقد الأجنبي، ويبدأ التحسن الدائم في الحساب الجاري، وترسيخ الانضباط المالي.

ويسعى البنك المركزي، الذي تعرض لانتقادات يوما ما بسبب بيع احتياطاته لدعم الليرة، أن يتخذ مسارا عكسيا من أجل وقف الارتفاع المفرط لقيمة العملة المحلية.

ولكن علاج ما وصفه وزير المالية محمد شيشمك بأنه “ارتفاع مفرط لقيمة العملة” يتمثل في إغراق النظام المالي بسيولة نقدية بمئات المليارات من الليرات، والذي سيضطر البنك المركزي الآن إلى التخلص من آثاره.وبحسب بيانات مجموعة غولدمان ساكس غروب الاستثمارية، فقد بلغ إجمالي مشتريات المركزي التركي من النقد الأجنبي 43 مليار دولار في الأسابيع الأربعة الماضية عند تعديلها وفقا لتأثيرات التقييم. واعتبر المصرفيون في بنك أس.إي.بي السويدي أن نتيجة هذا الوضع أفرزت عملة مُدارة تشبه اليوان الصيني والروبية الإندونيسية.

ومنذ تراجع الليرة قبل الانتخابات المحلية في شهر مارس الماضي، ارتفعت قيمتها بحوالي 0.4 في المئة فقط مقابل الدولار الأميركي، مقارنة بمكاسب تزيد عن اثنين في المئة لعملة مثل راند جنوب أفريقيا.

وقال الاقتصاديان في غولدمان كليمنس غراف وباشاك إديزجيل في مذكرة مؤخرا إن “المشكلة التي تواجه المركزي التركي تحولت من ضعف سعر الصرف إلى صعوبة تجنب الارتفاع الاسمي”.

وأشارا إلى أن ذلك الأمر يأتي وسط تزايد التدفقات الأجنبية وموسمية الحساب الجاري الأكثر ملاءمة والتخلص من مشتريات العملات الأجنبية.

واستهلت العملة التركية العام 2024 على وقع تراجع ليصل إلى مستوى قياسي منخفض جديد عند 32.2 ليرة لكل دولار، لتواصل سلسلة خسائر تسارعت قليلا في أواخر عام 2023 إذ أنهت العام منخفضة نحو 37 في المئة.

ومنذ فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بفترة رئاسية جديدة في مايو الماضي، أجرت الحكومة تحولا جذريا في السياسة النقدية وتخلت عن سياسة أسعار الفائدة المنخفضة غير التقليدية لصالح التشديد النقدي. وتراجعت الليرة بشكل حاد في الصيف الماضي مع تخفيف السلطات قبضتها على العملة، قبل أن تتباطأ الانخفاضات في الخريف.

ويعد الضغط على الليرة بغرض رفع قيمتها في حد ذاته أثرا جانبيا لأسعار الفائدة المحلية التي تعد الأعلى بين دول مجموعة العشرين، حيث يحاول صناع السياسة النقدية السيطرة على تزايد الأسعار بما يتجاوز 70 في المئة.

وقال محافظ البنك المركزي فاتح كاراهان الجمعة الماضي، إن “السياسة النقدية يجب أن تكون متشددة حتى تنخفض توقعات التضخم، مع توقع بتراجع أسعار الفائدة من قبل معظم الاقتصاديين في موعد لا يتجاوز الربع الأخير من العام”. وأتاحت التوقعات فرصة هائلة لتجارة المراجحة بالنسبة إلى المستثمرين، الذين يقترضون بفائدة منخفضة واستثمارها في المناطق التي تشهد معدلات مرتفعة.

غغ

وزادت التدفقات الاستثمارية إلى السوق التركية والمرتبطة بتجارة الفائدة بنحو 16 مليار دولار منذ الانتخابات المحلية التي أُجريت في شهر مارس، وفقا لتقديرات منصة بلومبيرغ إيكونوميكس.

ويرى بنك غولدمان ساكس التدفقات الأجنبية ستستمر طالما أن توقعات التضخم المرتفعة تؤدي إلى تأخير تخفيضات أسعار الفائدة. ويعتقد خبراء البنك الاستثماري الأميركي إن هذا الأمر يضع الليرة تحت “ضغط ارتفاع كبير في القيمة، على الرغم من أن العملة ليست رخيصة بالقيمة الحقيقية”.

وقالت سيلفا بحر بازيكي، خبيرة اقتصادية في بلومبيرغ إيكونوميكس إن “الربع الثاني الضعيف لليرة، إلى جانب فروق أسعار الفائدة التي من المرجح أن تتسع أكثر لصالحها يشير إلى توقعات مستقرة نسبيا للعملة التركية”. وأضافت “وعليه، فإننا نتوقع أن يستمر تزايد التدفقات المرتبطة بتجارة الفائدة في تركيا على المدى القريب”.

ويتيح تدفق رؤوس الأموال إلى تركيا، للبنك المركزي إعادة بناء احتياطيه المتراجع من العملة الصعبة، لكنه لم يسحب بالكامل الليرات التي تم ضخها في الاقتصاد، مما اضطر صناع السياسات إلى إدخال إجراءات التعقيم النقدي بعد إبقاء الفائدة دون تغيير الخميس الماضي.

وثمة مصدر قلق آخر يتمثل في أن “الليرة الخاضعة للسيطرة” تفرز “حوافز مشوهة لزيادة الواردات”، وفق إريك ميرسون، كبير إستراتيجي الأسواق الناشئة في بنك أس.إي.بي. وقال في مذكرة بحثية إنه “بالإضافة إلى احتياطيات المركزي المحدودة نسبيا، قد لا يكون هذا النهج مستداما على المدى الطويل”.