إيران بعد امتلاك القنبلة النووية: قوة رادعة أم نمر من ورق؟

إيران بعد امتلاك القنبلة النووية: قوة رادعة أم نمر من ورق؟

طرح غياب إبراهيم رئيسي من الساحة السياسية في إيران، إلى جانب التغيير في رأس الفئة الحاكمة بالنظام، موضوع استمرار أو تغيير السياسة النووية الإيرانية ومحاولة حيازة السلاح النووي.قبل حادثة سقوط طائرة الهليكوبتر التي كانت تقل إبراهيم رئيسي وحسين أمير عبداللهيان كان أحد المتحدثين غير الرسميين للنظام الإيراني طرح إمكان تغيير “العقيدة النووية”، الأمر الذي يثير تساؤلات فيما إذا اتخذت طهران قراراً بهذا الشأن لكي تصبح قوة نووية، وبذلك تدخل إلى نادي القوى النووية العالمية في ظل التغييرات الراهنة بالمنطقة.

في ما يتعلق بالعقيدة النووية أو التغيير في السياسة النووية الإيرانية يجب بحث الأسباب التي أدت إلى طرح هذا التغيير في الوقت الراهن، هل هو “هرب إلى الأمام” وهل يضمن امتلاك أسلحة نووية بقاء النظام، أم يؤدي إلى انهياره؟ أي هل يؤدي انضمام طهران إلى مجموعة صغيرة من البلدان التي تملك قنابل نووية، إلى منحها قوة ردع أم أن هذه الحالة تكشف عن خطأ في تقييم الحسابات وتجني مزيداً من العقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية وحتى احتمال وقوع مواجهة عسكرية مع جهة خارجية؟

يعاني النظام خلال الفترة الانتقالية بعد وفاة إبراهيم رئيسي وتعيين خليفة له عدم ثبات وحيرة في اتخاذ القرارات، وتمضي وتيرة اتخاذ القرارات في السياسات الكبرى ببطء نتيجة للفراغ الذي أحدثه مقتل الرئيس الإيراني.

كما أن الغموض الذي اكتنف كيفية مقتل رئيسي ترك تأثيراً ليس على رأس السلطة فحسب، بل على هيكل التكنوقراط في النظام، مما يزيد من الضغوط وعدم الثبات في اتخاذ القرارات لدى النخبة الحاكمة.

هذه الحالة تفرض ظروفاً غير طبيعية في وتيرة العمل لدى القطاع الحكومي، وفي حال وقوع تطور غير متوقع مثل سقوط طائرة رئيسي فإن ما تبقى من أصحاب القرار في السلطة، سيلجؤون إلى قرارات متسرعة أو منفعلة وتجلب تبعات غير متوقعة للنظام الإيراني.

على سبيل المثل إذا ما توفي علي خامنئي الذي يبلغ 85 سنة خلال فترة الانتقال سيواجه النظام أزمة جديدة من أجل فرض التمهيدات اللازمة لتعيين خليفة له.

وكان شكل التنافس من أجل الوصول إلى كرسي رئاسة البرلمان قد أثبت وجود حراك داخل التيار المحافظ من أجل الوصول إلى مثل هذه المسؤوليات، على رغم التظاهر بوجود انسجام داخل معسكر المحافظين.

وكان موضوع احتمال تغيير العقيدة النووية قد رشحت تفاصيله من معسكر المحافظين قبل مقتل إبراهيم رئيسي. والقصد من “العقيدة” هنا هو النظرية الشاملة والمعمقة لسياسة تطرح كأيديولوجية جماعية، أو فردية، كدليل لسلوك النظام وإقرار الإمكانات العسكرية والسياسية لبلد ما.

وتقر مثل هذه العقيدة من قبل المؤسسات الثابتة المؤثرة في رسم المعادلات الأمنية الوطنية، وتعد المصالح التي تركز عليها هذه “العقيدة” أعلى من مصالح الحكومة أو الأحزاب والتيارات المختلفة في البلاد.

وخلاصة العقيدة النووية للنظام الإيراني لم ترد تفاصيل رسمية عنها كوثيقة واضحة، وفي الواقع تطرح القضايا المتعلقة بالسياسة النووية من قبل التيارات المتطرفة والعسكر في النظام الإيراني والهدف منها الوصول إلى إمكان إنتاج سلاح نووي يؤدي إلى انضمام طهران إلى النادي النووي.

وكانت العقيدة النووية الحقيقية لإيران قد أقرت خلال العهد الملكي وكانت قد أخذت بنظر الاعتبار أبعاد منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وضرورة نزع هذه الأسلحة من المنطقة، ولم تهدف هذه العقيدة إلى الوصول إلى أسلحة نووية مهما كانت الظروف، حتى إذ رافقت تغيير توازنات للقوى في المنطقة.
وكان رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية ومستشار المرشد كمال خرازي قد طرح موضوع إمكان “تغيير العقيدة النووية” وكان ذلك خلال المؤتمر الثالث لـ”حوارات طهران” وقد حضره وزير الخارجية الراحل حسين أمير عبداللهيان وعدد من ممثلي عدد من البلدان.

وقد أكد خرازي في المؤتمر “وجود إمكانات تقنية في بلاده لصنع قنبلة نووية” لكنه طرح موضوع إعلان مرشد النظام المحاولة لامتلاك أسلحة نووية “حراماً”، وكذلك احتمال التحريض على تنافس إقليمي من أجل حيازة السلاح النووي وقد أكد أن موضوع التخلي عن إنتاج مثل هذا السلاح ليس مرتبطاً بالسياسات الإقليمية أو التوجهات الحزبية في الهيئة الحاكمة في إيران.

حتى هذه المرحلة يبدو وجود تطابق بين السياسات النووية للنظام الإيراني الحالي والعقيدة النووية التي أقرت خلال الحكم الملكي.

وأشار كمال خرازي في خطابه إلى البيان المشترك بين إيران ومصر في السبعينيات في شأن النشاط النووي.

وكان شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي، والرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات قد أعلنا في الأمم المتحدة عام 1974 عن مشروع “الشرق الأوسط المنزوع من الأسلحة النووية” وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا المشروع وقد أصبح في ما بعد حافزاً لإيجاد تعديلات على مضمون اتفاق منع انتشار الأسلحة النووية، منذ ذلك العام حتى عام 1980.

وفي عام 1995 أكد مؤتمر دولي عقد لبحث موضوع منع انتشار الأسلحة النووية بالشرق الأوسط ضرورة منع وتحديد هذا السلاح، وكذلك أسلحة الدمار الشامل وتدمير أي نوع من هذه الأسلحة في المنطقة.

لكن الحديث الجديد عن التغيير في العقيدة النووية في النظام الإيراني يعد تطوراً جديداً ويبدو أنه أخذ بنظر الاعتبار الأحداث التي أعقبت هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ضد إسرائيل، ولا يرتكز مثل هذا التوجه إلى تغييرات إقليمية تؤثر في أمن النظام الإيراني أو ضرورة امتلاكه أسلحة نووية من أجل صد تهديد خارجي.

تمتلك باكستان أسلحة نووية لمواجهة التهديد الهندي، وتمتلك كوريا الشمالية هذا السلاح لمواجهة تهديد كوريا الجنوبية، لكن إيران لا تحيط بها مثل هذه التهديدات، فامتلاك إسرائيل أسلحة نووية يهدف إلى الدفاع عن وجود وبقاء البلد ولا يشكل تهديداً ضد إيران.

في الحقيقة تعود استراتيجية التصعيد في البرنامج النووي إلى تيار متطرف داخل النظام الإيراني، ويحظى هذا التيار بدعم من الحرس الثوري.

وتستند هذه التوجهات إلى الاعتقاد أن امتلاك أسلحة نووية يمنح البلاد قوة رادعة أمام أعدائها، ويغفل التيار الداعي إلى امتلاك الأسلحة النووية، إمكان تحريض باقي البلدان في المنطقة من أجل امتلاك مثل هذا السلاح إضافة إلى إثارة قلق خارج إيران.

وقبل الحديث عن التغيير في العقيدة النووية، كشف موقع “أكسيوس” عن لقاء أميركي – إيراني في عمان، حضره عن الجانب الأميركي ماك كرك المستشار الأعلى للإدارة الأميركية والمستشار الأمني للبيت الأبيض في شؤون الشرق الأوسط ومساعد الممثل الأميركي الخاص في شؤون إيران آبرام بيلي، وحضر عن الجانب الإيراني علي باقري الذي يتولى حالياً الإشراف على وزارة الخارجية بعد مقتل وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان.

ولم تنف الإدارة الأميركية مثل هذا اللقاء. وقال مساعد الناطق باسم الخارجية الأميركية دانت باتل إن إدارة جو بايدن “لديها قنوات تواصل وإذا ما تطلبت مصالحنا إيجاد تواصل مع النظام الإيراني فإنها تلجأ إلى هذه القنوات”.

وادعي باتل أن النظام الإيراني لم يقم بأنشطة أساسية من أجل إنتاج أسلحة نووية.

وقال الناطق باسم الاتحاد الأوروبي بيتر استانو تزامناً مع اللقاء السري بين أميركا وإيران في مسقط “نأمل من إيران العدول عن مسارها النووي وأن تتخذ خطوات واضحة وعاجلة من خلال التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

وتدعي إيران أن برنامجها النووي غير عسكري في حين أن كمال خرازي قد أعلن قبل سقوط طائرة رئيسي وأمير عبداللهيان أنه إذا ما شعرت إيران بتهديد وجودي فإنها تعيد النظر في عقيدتها النووية.

ما يدور في أروقة النظام الإيراني في ما يتعلق باستمرار السياسة النووية الحالية أو تغييرها، ينبع من محاولة الرد على هذا السؤال: هل يؤدي اجتياز الخطوط الحمر إلى جلب قوة رادعة للنظام وتثبيت موقعه في المنطقة، أم أن الحصول على القنبلة النووية يؤدي إلى تحويل إيران إلى “نمر من ورق” فقط، ويؤدي إلى تهديد بقاء النظام الإيراني ويسوقه إلى الوقوف على حافة هوة عميقة؟