تكشف معاناة سوريا من الاحتباس الحراري مدى تضاؤل هامش المناورة للحكومة بشأن مكافحة الفقر المائي الحاد في ظل التحديات المالية الكبيرة لتأمين كفاية السكان من هذه الموارد، التي يرى محللون أنه لا حل لمعالجتها في ظل شلل محركات النمو المُكبَلة بقيود الحظر الأميركي.
دمشق – ترك الاحتباس الحراري آثارا أكثر قسوة على السوريين على مدار أشهر طويلة مع افتقادهم للموارد المائية اللازمة، سواء للشرب أو لري المزارع، في ظل النقص الشديد في الأمطار.
ولطالما حذّر خبراء من تقاطع تحديات المناخ مع مخاطر الوضع القائم منذ اندلاع الحرب في 2011، ما يستوجب الإسراع بخطوات نحو التصدي لواقع بلد مجهد مائيا جراء الجفاف، وسط تأكيدات على أن التحديات الراهنة تتطلب رؤية حقيقية لتفادي الأسوأ مستقبلا.
وتواجه أغلب البلدان العربية التي تعاني من انعكاسات التغيرات المناخية موجة تصحر غير مسبوقة، ومنها سوريا التي صنفها معهد الموارد العالمية في أغسطس الماضي ضمن 15 دولة في المنطقة تتعرض لإجهاد مائي مرتفع للغاية.
ولا يختلف وضع البلد، الذي تدمر اقتصاده بفعل الحرب والعقوبات الأميركية، عن جيرانه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تعاني دول المنطقة من موجة احتباس حراري قاسية، وهو ما أثّر على مخزون المياه والأمن الغذائي.
وتظهر التقديرات أن حصة الفرد في سوريا تبلغ 700 متر مكعب سنويا، وهي دون عتبة الفقر المائي المقدّرة لدى الأمم المتحدة بألف متر مكعب.
ويبدو قطاع الزراعة أحد أهم المجالات المتضررة من نقص المياه بسبب شح الأمطار، ناهيك عن عدم قدرة الحكومة على تقديم الدعم الكافي للمزارعين في مناطق سيطرتها.
والأمر ذاته ينطبق على مناطق شرق البلاد المعروفة بحقولها الشاسعة لزراعة الحبوب، والتي يسيطر عليها الأكراد المدعومون من الولايات المتحدة، إلى جانب أجزاء من الشمال خارج سيطرة دمشق.
ويقر المسؤولون السوريون بأن بلدهم يشهد حالة من التصحر واسعة النطاق بسبب تغير المناخ والأزمة المستمرة، التي أثرت على جميع المناطق نتيجة انحباس الأمطار.
ويؤكد محمد الزعبي، مدير إدارة أبحاث الموارد الطبيعية في الهيئة العامة للبحوث الزراعية، أن غياب الغطاء النباتي وحرائق الغابات التي تحدث ساهما في اتساع نطاق التصحر في سوريا، ما أدى إلى نقص كبير في المياه.
وقال الزعبي، وهو أكاديمي وباحث زراعي، لوكالة شينخوا “نواجه في سوريا حاليا مشكلة كبيرة تتمثل في ازدياد رقعة التصحر”.
ولفت إلى أن تغير المناخ والأزمات ساهما بشكل كبير في تدمير أنظمة الري والغابات والمحميات، وهو ما ساهم بدوره في توسيع نطاق التصحر.
والأمطار هي المورد الرئيسي للمياه في البلاد، رغم أنها لا تسهم حاليا إلا بعشرين في المئة فقط، ونقصها يؤثر على توافر جميع الموارد المائية الأخرى.
ويقدر متوسط موارد مياه الأمطار السنوية بحوالي 46 مليار متر مكعب. وفي سنوات الجفاف ينخفض هذا الرقم كثيرا.
وقال الزعبي إن “المجموعات المسلحة دمرت شبكات الري، خاصة في مناطق مثل حوض الفرات، ما أدى إلى إزالة الغطاء النباتي وتفاقم مشكلة التصحر”.
أما بالنسبة إلى التغير المناخي فإن هناك عدة خطوات يمكن اتخاذها للتخفيف من الانعكاسات السلبية لقضية المناخ.
وقال “عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ هناك طرق عديدة للتكيف مع هذا التغير، على سبيل المثال يمكننا تنفيذ الممارسات الزراعية الجيدة، وحصاد مياه الأمطار، واستخدام الأساليب الزراعية الحديثة للتخفيف من آثار تغير المناخ”.
وكشف الزعبي عن إعلان حالة الطوارئ البيئية في سوريا بالتعاون مع السلطات لمعالجة الوضع البيئي الخطير في البلاد.
واستجابة للحالة البيئية الطارئة تعمل وزارة الإدارة المحلية والبيئة مع إدارة بحوث الموارد الطبيعية على معالجة المخاطر الكبرى التي يشكلها التغير المناخي والجفاف.
ويقول خبراء إن ما بدأته الحرب في سوريا أكمله الجفاف، إذ يؤكد مزارعون أن تغير المناخ أثر بشدة على الإنتاج الزراعي وأن البلد الذي كان الوحيد في المنطقة الذي يحقق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، أصبح سكانه مهددين بالجوع والعطش.
ولا يعاني المزارعون من موجة حر لم يسبق لها مثيل، خاصة في فصل الصيف، فقط وإنما أيضا من انقطاع المياه وإمدادات الكهرباء، وكلاهما ضروري للحفاظ على مزارعهم.
وكانت سوريا قبل الأزمة من أكثر اقتصاديات الدول النامية تنوعا، وكانت تنتج بين 75 و85 في المئة من أغذيتها وأدويتها وألبستها وأحذيتها ويصدر الفائض منها إلى أكثر من 60 دولة، حسب الصندوق العربي للإنماء ومكتب الإحصاء السوري.
وتملك سوريا سبعة أحواض مائية، تعاني معظمها أو جميعها من شح المياه، باستثناء الحوض الساحلي، وفق الزعبي الذي أكد أن الحرب أثرت على أنظمة الري والغابات والمحميات في البلاد، والتي تضررت بشكل كبير.
20 في المئة نسبة ما تمثله الأمطار من الموارد المائية للبلاد، وفق بعض التقديرات
ويقدر متوسط إمدادات المياه السطحية بنحو 10 مليارات متر مكعب، بينما تشير الأرقام إلى أن متوسط إمدادات المياه الجوفية المتجددة يبلغ 6 مليارات متر مكعب.
وبالنسبة إلى مشاريع تحلية مياه البحر فلها قيمة ثانوية فحسب إذ تبلغ الطاقة الإجمالية لعدد محدود من المحطات 8.18 متر مكعب يوميا، أي أقل من ثلاثة ملايين متر مكعب سنويا.
ويعتمد الجزء الأكبر من محصول القمح في سوريا، وبالتحديد 70 في المئة تقريبا، على هطول الأمطار مع تداعي أنظمة الري بسبب الحرب.
وتقول دمشق إن الحرب سببت أضرارا هائلة في قطاع المياه تجاوزت قيمتها 1.2 مليار دولار، وإن العقوبات الغربية أعاقت تمويل مشاريع المياه.
وسلط محمد أبوحمود، مدير صندوق إغاثة الجفاف والكوارث الطبيعية، الضوء على التأثير المزدوج لتغير المناخ خلال الأزمة، مشيرا إلى سرقة موارد البلاد وتدمير البنية التحتية وفرض العقوبات الاقتصادية الغربية الظالمة.
وقال إن عقوبات “قيصر” هي واحدة من “أسوأ الأسلحة التي يمكن أن تستخدمها أي دولة، وتتعارض مع كافة القوانين والأعراف الدولية”.
وأكد أبوحمود أن الوضع القائم أدى إلى عدم الاكتفاء الذاتي وتعرض الأمن الغذائي للخطر، مشددا على أهمية وضع خطة مرنة لاستغلال الموارد المتاحة بشكل فعال وتحقيق الاكتفاء الذاتي في ظل تحديات التغير المناخي والعقوبات.
وحذر قائلا “لقد بدأنا نعاني من عدم الاكتفاء الذاتي، وأمننا الغذائي الآن في خطر لأننا فقدنا المواد الغذائية الأساسية بسبب الحصار والعقوبات الاقتصادية”.
وأشار إلى أن وزارة الزراعة قررت وضع خطة مرنة للاستفادة من الموارد المتاحة والموارد الطبيعية بأقل قدر من الخسارة، في ظل إدارة سليمة لهذه الموارد، للوصول إلى أفضل منتج يتكيف مع تغير المناخ ويتوافق مع العقوبات
العرب