كثيرة هي الأسئلة العالقة بلا إجابة أو حد أدنى من التوافق، بين ركام الحرب في غزة التي دخلت شهرها التاسع من دون أن تهدأ حدتها أو تقترب من نهاية بعد، فمن خطط “اليوم التالي” وإعادة الإعمار إلى حكم القطاع ومستقبل حركة “حماس”، يبقى التباين والاختلاف في الرؤى بين إسرائيل والغرب، وحتى الفصائل الفلسطينية والأطراف العربية المنضمة، هو السمة الأبرز لمشهد “حرب القطاع”.
لكن وأمام حجم التباين في ملفات ما بعد الحرب، يعد مستقبل “حماس” التي كانت تسيطر على القطاع سياسياً وعسكرياً حتى السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، واحتمالات بقائها في المشهد بأية صيغة، هي القضية الأكثر جدلاً وتبايناً، ولا سيما وأن “القضاء عليها وإزالة حكمها سياسياً وعسكرياً” كانا من بين الأهداف الرئيسة لمضي تل أبيب في حربها على غزة خلال الشهور التسعة الماضية.
هل فقدت “حماس” احتمالات البقاء بصيغة ما؟ وأي مستقبل ينتظرها؟ وهل يمكن للحركة الحضور ضمن خطط “اليوم التالي”؟ وماذا عن محاولات الاندماج والتوافق الفلسطيني – الفلسطيني تحت مظلة السلطة الوطنية في الضفة الغربية؟
في ضوء المعطيات الميدانية والعسكرية والسياسية وتحليل التصريحات الإسرائيلية والأميركية والفلسطينية والعربية، تحاول “اندبندنت عربية” استقراء مستقبل الحركة عبر مقابلات مع طيف من الخبراء والمحللين الفلسطينيين والعرب والأجانب.
أين تقف “حماس” الآن؟
وفق المعطيات الميدانية والعسكرية فقد عجزت إسرائيل حتى الآن عن إخماد تحرك “حماس” في قطاع غزة بعد أشهر من المواجهات، على رغم تفوق القدرات العسكرية للدولة العبرية على قدرات “حماس”، إذ لا تزال المواجهة قائمة في الميدان بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية، ولم تعلن تل أبيب تحقيق أهدافها بعد بالقضاء على الحركة وإزالة حكمها من القطاع، كما تواصل “حماس” والفصائل المتحالفة معها الاشتباك مع القوات الإسرائيلية واستهداف المدن والبلدات المحاذية لغزة، وإن بوتيرة وقدرة أقل من السابق، ويأتي ذلك في وقت شهدت فيه بنية القطاع التحتية دماراً مهولاً ووصل عدد الضحايا المدنيين لرقم هو من بين الأعلى في تاريخ النزاعات خلال القرن الـ 21، إذ تجاوز الـ37 ألف ضحية وعشرات آلاف المصابين والمفقودين.
وبينما كرر الجيش الإسرائيلي في أكثر من إعلان أنه قضى على ثلثي مقاتلي “حماس” التي يقدر جناحها العسكري بـ 30 ألف مقاتل قبل السابع من أكتوبر 2023، وسعيه إلى القضاء على كتائبها الباقية في مدينة رفح، آخر المناطق التي لجأ إليها سكان القطاع من ويلات الحرب في الجنوب، في عملية توغل بدأها أوائل مايو (أيار) الماضي، إلا أن “حماس” لطالما نفت تلك الادعاءات واعتبرتها “جزءاً من الحرب المعنوية”، وفق تصريحات سابقة لقيادات فيها، مشيرة إلى أن “مقاتلي الحركة لا يزالون قادرين على القتال لأشهر طويلة”.
وعلى الصعيد السياسي وبعد شبه إجماع بين إسرائيل والغرب على دعم أهداف إسرائيل السياسية خلال الأشهر الأولى من الحرب، ممثلة في “القضاء على “حماس” واستعادة الرهائن، وألا تكون غزة مصدر تهديد مرة أخرى للدولة العبرية”، بدا التباين واضحاً من ناحية “واقعية” أهداف إسرائيل والوصول إلى ما يسميه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ”النصر المطلق والحاسم”، على مستوي التصريحات الرسمية، سواء من الداخل الإسرائيلي أو حتى الأميركي الداعم الأكبر لها، وكذلك الغربي، وذلك على رغم استمرار التمسك بمعارضة أي دور لـ “حماس” في حكم قطاع غزة بعد الحرب.
فخلال الأسابيع الأخيرة تغيرت نبرة التصريحات الأميركية الرسمية، إذ تجلى تشكيك أوسع في مدى قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها، ففي الـ 14 من مايو (أيار) الماضي قال مسؤول أميركي كبير إن واشنطن تستبعد أن تتمكن إسرائيل من تحقيق “نصر كامل”، وذلك بالتوازي مع تصريحات متزامنة أعلنتها الخارجية الأميركية على لسان المتحدث باسمها ماثيو ميلر، قال فيها إن “النصر الكامل على ’حماس‘ لن يتحقق على أرض المعركة فقط”، وإن إدارة الرئيس جو بايدن تسعي إلى الضغط على الدول العربية في ألا تتعاطي مع حركة “حماس”، كما كان الحال قبل السابع من أكتوبر 2023، وهو أمر زادت عليه مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف في الـ 19 من يونيو (حزيران) الجاري قائلة إن “إبعاد حركة ’حماس‘ عن الحكم في قطاع غزة بعد الحرب سيكون صعباً، وأن القضاء عليها لن يكون بالوسائل العسكرية وحدها، بل يتطلب وسائل أخرى”، مما يؤشر بصيغة أو أخرى إلى استعداد الجانب الأميركي لاحتمالات بقاء الحركة في مشهد ما بعد الحرب، وفق ما يقول مراقبون.
وفي إسرائيل، وعلى مستوى نخبتها السياسية، يتسع الخلاف بين نتنياهو ووزراء حكومته من اليمين المتطرف المتمسكين باستمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها، في مقابل معارضة تدعو إلى إنهائها عبر التوصل إلى “صفقة أو اتفاق”، يقضى في النهاية إلى الإفراج عن الأسرى المحتجزين، وذلك في وقت تغيرت النبرة العسكرية ذاتها، كما قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري خلال حديثه الأخير مع القناة الـ13 الإسرائيلية في الـ 19 من يونيو الجاري، حين ألقى بالشكوك على إمكان تدمير حركة “حماس”، معتبراً الحديث عن ذلك “ذراً للرماد في العيون، وطالما لم تجد الحكومة بديلا لـ ’حماس‘ فالحركة ستبقى”، موضحاً أن “’حماس‘ فكرة وحزب ومغروسة في قلوب الناس، ومن يعتقد أن بإمكاننا إخفاءها فهو مخطئ، فهي فكرة لا يمكن القضاء عليها، فالإخوان المسلمون موجودون في المنطقة”.
وأمام تلك الوقائع تتباين آراء المراقبين ممن تحدثوا إلى “اندبندنت عربية” حول قراءة وضع الحركة بعد مرور تسعة أشهر من الحرب في غزة، فمن جانبه يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب إنه “ما من شك في أن إسرائيل ضربت بعمق القوة العسكرية لـ ’حماس‘ طوال الأشهر التسعة الماضية، لكنها إلى الآن لم تتمكن من القضاء عليها”، موضحاً أن “حماس” بعد شهور عدة أعادت تنظيم صفوفها وصياغة تكتيكات المواجهة مع القوات في غزة من خلال تقليل عمليات الاشتباك المباشر، للاحتفاظ بشكل كبير بالذخيرة والإبقاء على جهوزيتها لفترة أطول.
ووفق الرقب فإن “الإدراك الأوسع الآن في الداخل الإسرائيلي وحتى على المستوي الغربي أن ’حماس‘ ستبقى فكرة ولا يمكن القضاء عليها بالوسائل العسكرية وحدها، وهو ما سيفرض بالتبعية حتمية إعادة التعاطي معها مجدداً في المستقبل”، موضحاً أنه “مع فرضية توقف الحرب الآن فستتمكن الحركة من إعادة تنظيم صفوفها، فهي وإن ضعفت أو أنهكت عسكرياً في غزة خلال شهور الحرب، إلا أن أسهم شعبيتها وجماهيريتها ارتفعت في مناطق الضفة الغربية والخارج، وبالتالي فقوتها لا تزال موجودة بشكل أو آخر في مناطق عدة”.
وفي الاتجاه ذاته يقول مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز “مجموعة الأزمات الدولية” للبحوث جوست هيلترمان إن “معطيات الحرب تشير حتى الآن إلى أنه من الصعب للغاية أن تزول ’حماس‘ من الوجود في غزة بشكل أو بآخر إذا انتهت الحرب”، موضحاً في حديثه إلينا أنه “من المؤكد أن ’حماس‘ ستبقي بصيغة أو أخرى، فحتى لو أضعفت أو محيت من غزة فإنها ستتمكن من البقاء في الضفة الغربية والشتات، إذ اكتسبت شعبية كبيرة بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023”.
ويتابع هيلترمان أنه “ومع ذلك فلا أعتقد أن ’حماس‘ ستلعب دوراً مفتوحاً في الحكومة في غزة بعد انتهاء الحرب، لأنها لا تريد حتى أن تلعب هذا الدور، بل تريد أن تكون القوة المهيمنة على المشهد من تحت الطاولة”، مضيفاً أن “الحركة لا تسعى إلى أن تكون جزءاً من حكومة فلسطينية مستقبلية، ولكنها تريد أن تكون جزءاً من المؤسسات الفلسطينية مثل منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا يتطلب من ’فتح‘ و ’حماس‘ التوصل إلى اتفاق، ولا أعرف إذا كانوا سينجحون في القيام بذلك”.
وعلى عكس تلك الرؤية يجادل الخبير المتخصص بالشؤون الإسرائيلية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة سعيد عكاشة قائلاً إن “الاستغراق في مصطلح أن ’حماس‘ فكرة وأنها غير قابلة للإنهاء غير صحيحة، إذ إن أية فكرة يحكم بقاءها من عدمه مجموعة من العوامل التي يجب توافرها”.
ويوضح عكاشة أن “أية فكرة تستطيع العيش والبقاء فقط إذا كانت قادرة على تحقيق مصالح مجموعة كبيرة من الناس، وإذا انتفت هذه الفرضية فإنها تكون إلى زوال، وعليه فلو فقدت ’حماس‘ قدرتها على تقديم الخدمات لسكان غزة ما بعد الحرب، فيمكن أن تنتهي، وهو السيناريو الأرجح الذي باتت تسعي إليه إسرائيل الآن عبر العمل على خلق بدائل للحركة في القطاع يمكنها إدارة الشؤون الحياتية للسكان”.
ووفق عكاشة فإن “حماس” قد “تورطت في حرب للدفاع عن إيران، والشعب الفلسطيني سيدرك هذا بعد وقف الحرب ورؤية حجم الدمار الذي لحق بغزة، مما سيعزز فكرة انتهاء وجود الحركة”، مضيفاً أنه “في مرحلة ما يمكن لإسرائيل الاعتراف بأن حرب العصابات الدائرة في القطاع لن يمكن حسمها، إلا أنها لن تتخلى عن فكرة تجريد القطاع كلياً من السلاح وعدم تشكيل غزة مصدر تهديد مرة أخرى، مما يقود في النهاية إلى زوال ’حماس‘ بشكل أو بآخر”.
“حماس” وخطط اليوم التالي
وبخلاف المعطيات الميدانية والسياسية فإن حركة “حماس” تواجه مصيراً لا يزال “ملتبساً وغامضاً” في ما يسمي “خطط اليوم التالي”، والتي لم تصل محطتها النهائية بعد، ولا تزال لا تلقى توافقاً بين الأطراف الغربية والعربية وإسرائيل، ولا سيما مع استمرار تعثر مفاوضات “وقف إطلاق النار” التي ترعاها إلى جانب الولايات المتحدة كل من مصر وقطر، في وقت ترفض الحركة والفصائل المتحالفة معها أي حديث عن “خطط تفرض وصاية على الشعب الفلسطيني”.
ومن بين أحدث ما تحدث عن شكل “اليوم التالي” في قطاع غزة مقترح وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن أوائل الشهر الجاري، وتضمن ثلاثة مراحل تقود في النهاية إلى نهاية الحرب، واصفاً ذلك المقترح بأنه “الحل الذي يعيد كل الرهائن لديارهم، ويضمن أمن إسرائيل ويخلق يوماً لاحقاً، أي فترة انتهاء الحرب، أفضل في غزة من دون وجود ’حماس‘ في السلطة، ويمهد الطريق لتسوية سياسية توفر مستقبلاً أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء”، وهو الأمر الذي اتبعه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زيارته الأخيرة إلى المنطقة قبل نحو أسبوعين، معلناً عزم الولايات المتحدة تقديم رؤيتها المفصلة حول “اليوم التالي” بالنسبة إلى غزة خلال الأسابيع المقبلة.
من جانبه، وبعد طول رفض حول مناقشة أية تفاصيل عن شكل “اليوم التالي” في غزة، كشف أخيراً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أول مقابلة معه منذ بدء الحرب تجريها قناة تلفزيونية إسرائيلية، 23 يونيو الجاري، عن رؤيته حول مرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة، قائلاً للقناة الـ14 الإسرائيلية إن “الدولة العبرية سيكون لها دور تؤديه على المدى القصير من خلال سيطرة عسكرية”، وأوضح “نريد أيضاً إنشاء إدارة مدنية بالتعاون مع فلسطينيين محليين إن أمكن، وربما بدعم خارجي من دول المنطقة، بغية إدارة الإمدادات الإنسانية، وفي وقت لاحق الشؤون المدنية في قطاع غزة”، مشدداً على أنه لن يقبل أي اتفاق جزئي، وقائلاً إن “الهدف هو استعادة الرهائن واجتثاث نظام ’حماس‘ في غزة”.
وفي المقابل تؤيد الدول الغربية فكرة إدارة قطاع غزة بعد الحرب من قبل السلطة الفلسطينية بعد إعادة هيكلتها، وهي السلطة التي يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن وتتمتع بحكم ذاتي محدود في مناطق داخل الضفة الغربية، وتتخذ من رام الله مقراً لها، ويعتبرها كثيرون على مستوى العالم ممثلاً للفلسطينيين، وتتلقى مساعدات أمنية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
لكن وأمام الرؤية الإسرائيلية والأميركية والرغبة الغربية، تتصاعد الأسئلة حول مدى تحقيقه من ناحية إبعاد “حماس” عن أي دور مستقبلي، وهو الأمر الذي تباينت حوله آراء المراقبون ممن تحدثوا إلى “اندبندنت عربية”.
ويقول رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية خالد شنيكات “بالنسبة إلى مستقبل ’حماس‘ بعد الحرب فإنه يعتمد على نتائج الحرب بشكل رئيس”، موضحاً خلال حديثه إلينا أن “حركة ’حماس‘ وفق رؤية إسرائيل والولايات المتحدة خلال الأشهر الأولى من الحرب كان يجب إزالتها نهائياً والقضاء عليها على مستوى التنظيم والأفكار والأيديولوجية، وعلى مستوى القيادات، وأن اليوم التالي للحرب لن تكون فيه ’حماس‘ أو أي فصيل مقاومة، وهذه كانت الفكرة الرئيسة للحرب”، ويستدرك شنيكات “لكن الآن ومع طول أمد الحرب وخلق حقائق لا يمكن تجاهلها فلم يعد يطرح هذا الأمر بالصورة السابقة، إذ أصبح هناك واقعية في الرؤية لما سيكون عليه الوضع”.
ووفق رؤية شنيكات فإن “المتتبع للتصريحات الأميركية والغربية خلال الأسابيع الأخيرة يدرك أن فكرة إزالة ’حماس‘ من الوجود تراجعت بشكل كبير، وبات هناك ميل تجاه قبول وجودها بصيغة ما، وهذا الأمر نابع بشكل رئيس من الحقائق التي أظهرتها الحرب حتى الآن، إذ لم يحسم الجيش الإسرائيلي المعركة، وهناك صعوبات جمة وكبيرة تواجهه مما دفع بمراجعة بعض القيادات الإسرائيلية لتقييماتهم لتكون أكثر واقعية في ما يتعلق بالوضع ككل في قطاع غزة”.
ويتابع شنيكات أنه “وفق المقترح الأميركي المطروح على الطاولة فسيكون هناك تفاوض بين ’حماس‘ وإسرائيل، وإن بشكل غير مباشر، طوال المراحل الثلاثة من اتفاق وقف إطلاق النار، مما يعني الاعتراف بوجود الحركة”، مضيفاً “في اعتقادي أن ما سيحدد مستقبل ’حماس‘ بشكل رئيس هو كيف ستكون عملية وقف إطلاق النار، وهل ستكون على قاعدة وقف إطلاق نار نهائي، أم تستأنف الحرب بعد تحرير الأسرى، وبالتالي استمرار الأهداف الإسرائيلية كما هي”.
من جانبه يقول المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية رئيس مركز النيل للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة أحمد بان، “أتصور أن حركة ’حماس‘ لا يمكن حذفها من المشهد الفلسطيني، لأنها ستبقى حتى لو ارتكبت بعض الأخطاء الإستراتيجية، لكن هذه الأخطاء ربما يبددها حجم التضحيات التي قدمت وقدرتها على إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد العالمي”.
ويوضح بان أن “الحديث عن مسح ’حماس‘ من الخريطة هو نتاج فكر التطرف اليمني الإسرائيلي ولن ينتج واقع على الأرض، وبالتالي أتصور أن تكون ’حماس‘ جزءاً من المشهد بأي صيغة في المستقبل”.
ووفق بان فإنه “لم تطرح إلى الآن مبادرة سياسية جادة يمكن أن تقدم تعاط حقيقي مع الأزمة، فإسرائيل وشركاؤها الغربيون لا يقدمون أية مقترحات سياسية يمكن أن تفتح الأفق نحو المستقبل، بل فقط شروط إذعان وحرب، مما يعني استمرار الصراع وعدم الوصول إلى نقطة نهاية مرتقبة”.
أي مستقبل ينتظر الحركة بين “ركام” الحرب؟
مع ميل معظم أراء المراقبين، ممن تحدثوا إلينا، إلى صعوبة القضاء على حركة “حماس” لأنها تبقى فكرة لا يمكن إزالتها بالوسائل العسكرية وحدها، استطلعنا آرائهم حول الصيغة المتوقعة لما ستكون عليه في المستقبل، وعما إذا كانت ستبقى في حكم غزة بأية صيغة أو خارجها، أم يمكنها الانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية، أو بدائل أخرى، ولا سيما أن الحركة بأفكارها ورؤاها تواجه عقبات كبرى أمام فرضيات بقائها بعد السابع من أكتوبر 2023.
يرى مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) هاني المصري أن “حركة ’حماس‘ جزء مهم من الحركة الوطنية الفلسطينية ولا يمكن استبعادها”، مضيفاً خلال حديثه إلى “اندبندنت عربية” أنها “ستبقى لاعباً مهماً على الساحة الفلسطينية، ومن الممكن أن تكون اللاعب الأهم بعدما جرى”.
ووفق رؤية المصري فإن “مشاركة ’حماس‘ في اليوم التالي قائم وإن بطرق مختلفة، ولا سيما عبر الاندماج والدخول مع منظمة التحرير الفلسطينية”، مشدداً على أنه الخيار الذي يجب أن يكون وتدركه جميع الفصائل، ويقطع الطريق أمام إسرائيل لإعادة الاستثمار في الانقسام الفلسطيني المستمر منذ نحو عقدين من الزمن، مشدداً أنه “إذا كنا موحدين فسنجبر الأطراف الأخرى على التعامل مع الحقائق على الأرض”.
لكن هذا الخيار يواجه صعوبة كبيرة في تحقيقه، إذ لم تنجح محاولات تحقيق التوافق الفلسطيني في جسر الهوة بين حركتي “فتح” و”حماس” قبل السابع من أكتوبر 2023 وحتى بعد اندلاع الحرب الأخيرة، وهو ما تجلى في محاولة كل من بكين وموسكو تحقيق تلك المصالحة خلال الشهور الماضية، إذ تهمين حركة “فتح” بقيادة محمود عباس أبو مازن ومن قبله ياسر عرفات، بلا منازع، على أوراق القضية الفلسطينية لعقود من الزمن حتى صعود “حماس”، وأدارت السلطة الفلسطينية قطاع غزة حتى عام 2007 عندما طردت “حماس” حركة “فتح” من القطاع بعد اقتتال بينهما عقب عام من هزيمة الأخيرة في الانتخابات البرلمانية، وهي المرة الأخيرة التي أدلى فيها الفلسطينيون بأصواتهم. وعلى رغم المحادثات فإن الخصومة والخلافات بين الحركتين تعني أن احتمالات التوصل إلى اتفاق لإعادة توحيد إدارة الأراضي الفلسطينية لا تزال ضعيفة، ويزيد الانقسام بين “حماس” و”فتح” من تعقيد هذا الهدف، فالحركتان لديهما وجهات نظر متباينة للغاية في شأن الإستراتيجية، إذ تلتزم “فتح” بالمفاوضات مع إسرائيل لإقامة دولة مستقلة، بينما تدعم “حماس” الكفاح المسلح ولا تعترف بإسرائيل.
ودعا الميثاق التأسيسي لـ “حماس” عام 1988 إلى تدمير إسرائيل، وفي عام 2017 قالت “حماس” إنها وافقت على إقامة دولة فلسطينية انتقالية داخل حدود ما قبل حرب عام 1967، على رغم أنها لا تزال تعارض الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، وهي تؤكد هذا الموقف منذ اندلاع الحرب في غزة.