عدن- لم تعد الانتقادات التي يواجهها المجلس الانتقالي الجنوبي بشأن الانفصال عن مؤسسات الشرعية اليمنية مرتبطة بجمهوره وأنصاره على مواقع التواصل وإنما توسعت لتشمل قيادات بارزة داخل المجلس تطالب بتسريع الانفصال والكف عن التردد لما لذلك من تأثير على مستقبل قضية الجنوب.
وصدر أبرز التصريحات عن عضو الهيئة القيادة بالمجلس الانتقالي علي هيثم الغريب الذي قال “لقد حان الوقت بعد كل هذه السنوات الطويلة والشاقة من التضحيات والانتصارات وبعد اكتمال تأهيل وتدريب نصف مليون ضابط وجندي جنوبي لاستعادة الدولة الجنوبية”.
وأضاف “أقول هذه الجزئية لمن يعتقد واهما بأن الانتقالي رهين أحزاب الشرعية، وليس سياسة ثابتة يمثل فيها الرئيس عيدروس (الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي) الشرعية الجنوبية”.
وحمل حديث غريب رسالة واضحة مفادها أن المجلس ما يزال يمتلك أوراق القوة بين يديه، وأهمها القوة العسكرية، وأنه متى أراد الانفصال عن الشرعية وعن الشمال ككل لا شيء سيمنعه من ذلك.
لكن الأهم في هذه الرسالة هو التأكيد على أن الانتقالي الجنوبي لا يثق بأيّ جهة، وأن عضويته في مؤسسات الشرعية ودخول بعض قياداته الأمنية والعسكرية إليها لا يمنعه من استمرار الجهوزية لتنفيذ أجندته الخاصة.
وفي ما ترى أوساط يمنية أن الكشف عن امتلاك نصف مليون ضابط وجندي تحت إمرة الانتقالي سيحرج قيادته السياسية التي لا تفتأ تعلن التزامها باتفاق الرياض وتنفيذ ما عليها من واجبات، لكن أنصار الانتقالي الجنوبي يرون أن مختلف مكونات الشرعية تتجهز بدورها وبنفس الوتيرة لمرحلة ما بعد تفكك الشراكة، وهو أمر معلوم لدى الجميع بما في ذلك لدى الضامن السعودي للشراكة.
وقوبل كلام الغريب بتفاعل كبير من النشطاء الجنوبيين على مواقع التواصل الذين حثوا القيادة السياسية على الاستماع لرأي التيار الأغلبي داخل المجلس الانتقالي وبين الجنوبيين عموما، أو على الأقل استثماره في المطالبة بالمزيد من المكاسب الاقتصادية والمالية في التفاوض مع الحكومة أو المجلس الرئاسي، محذرين من مغبة أن يضع المجلس نفسه في وضع الضعيف الذي يتنازل لإنجاح الشراكة فذلك يعني أنه سيظل يتنازل إلى ما لا نهاية.
وقبل أيام، قال عبدالرب النقيب عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي إنه يتوجب على المجلس تدارك الأوضاع وتصحيح الأخطاء الحاصلة من قبل بعض القيادات.
وحث في كلمة له بمهرجان تراثي في مديرية يافع بمحافظة لحج المجلس الانتقالي على تجنب السياسات التي قد تتسبب بخسارته لقواعده الشعبية، داعيا إلى عدم إسقاط خيار “العودة إلى الجبال والنضال مجددا لانتزاع استقلال الجنوب”.
وعلّق حسين لقور بن عيدان الناشط السياسي المعروف بدفاعه الشديد عن قضية الجنوب على كلام النقيب معتبرا ما قاله انعكاسا لآراء الكثيرين من أنصار المجلس وداعميه.
وأضاف عبر حسابه في منصة إكس “أن يأتي النقد من شخص كالنقيب ومن موقعه السياسي والاجتماعي، فهذا أمر يكشف عن خلل بنيوي وسلوكي في عمل المجلس لن تبقى تبعاته محصورة في الأشخاص المقصودين بالنقد وإنما تنعكس على مصير قضية شعب الجنوب وهو أمر لم يعد السكوت عليه مقبولا”.
لكن حماس القيادات الجنوبية المختلفة لا يقدر خفايا التساؤلات التي تبديها قيادة المجلس الانتقالي وبعض قيادات الصف الثاني الموالية لها من نوع: هل أعدّ المجلس الانتقالي إستراتيجية أمنية وسياسية واقتصادية لمواجهة تبعات ما بعد فك الشراكة؟
وبعيدا عن الحماس المشروع لاستعادة دولة الجنوب، فإن المجلس يجد نفسه مجبرا على توفير الشروط القادرة على إنجاح الانفصال، وهي حاليا غير متوفرة. والقوة العسكرية وحدها لا تكفي لبناء دولة والحفاظ على أمنها. وتكفي الإشارة إلى محدودية البدائل لدى المجلس في قضية الخدمات والرواتب، حيث أنه يجد نفسه مضطرا لانتظار قرار الحكومة والقوى النافذة داخلها والجهات المانحة.
حديث هيثم غريب يحمل رسالة واضحة مفادها أن المجلس الانتقالي ما يزال يمتلك أوراق قوة تجعله يقرر الانفصال متى أراد
وتصدّرت الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية في مناطق الجنوب خلال الفترة الأخيرة واجهة الخلافات بين المجلس الانتقالي وحكومة أحمد عوض بن مبارك، حيث أصبح المجلس يرى في فشل الحكومة في إدارة تلك الملفات عبئا سياسيا كبيرا عليه يجعله في وضع حرج إزاء جماهيره داخل مناطق نفوذه وعلى رأسها عدن عاصمة دولة الجنوب المنشودة.
ويتساءل نشطاء جنوبيون: كيف يمكن أن تبرر قيادة المجلس الانتقالي انسحابها من مؤسسات الشرعية لشركائها الخارجيين خاصة دول التحالف العربي والرباعية الدولية والمبعوث الأممي إلى اليمن، مشيرين إلى أنه لا يكفي أن يرغب الجنوبيون في الانفصال حتى ينفذوا القرار بسرعة كبيرة، فهناك التزامات سياسية ومصداقية خارجية وأيّ تخل عنها سيعني خسارة المجلس الانتقالي لوضعه كشريك رئيسي في الحل باليمن.
وكان رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي قد قال في سياق التفاعل مع الجدل الجنوبي إن المجلس لن ينتظر إلى ما لا نهاية، وإنه قد يراجع جميع قراراته إذا لم تسع الحكومة إلى حل مشكلة الخدمات في العاصمة عدن. وهو ما فُهم على أنه تلويح بالانسحاب من الشرعية اليمنية، بما في ذلك حكومة بن مبارك، ومن مجلس القيادة الرئاسي.
العرب