تحرير الرمادي .. بين الإنجاز العسكري والتحديات الجديدة

تحرير الرمادي .. بين الإنجاز العسكري والتحديات الجديدة

02qpt990

مع اعلان القوات العراقية السيطرة على الرمادي مركز محافظة الأنبار ورفع العلم العراقي على المجمع الحكومي وسطها، أختتم العراق عام 2015 بانجاز يستحق الفخر والاحترام ويعيد الاعتبار للجيش العراقي ويوجه ضربة مهمة لتنظيم «الدولة» مع بروز تحديات جديدة في المدينة.
فبعد أشهر من التحضيرات والإعداد المحكم لخطة تحرير الرمادي التي سيطر عليها تنظيم «الدولة» وبعد نقاشات طويلة ومساومات وجدال بين القوى العسكرية والسياسية حول أفضل السبل لتحقيق الإنجاز الاستراتيجي، باشرت القوات العراقية تحرير الرمادي مركز الأنبار.
ويشير الخبراء العسكريون أن القوات العراقية من جيش وشرطة ومكافحة الإرهاب وباسناد من مقاتلي العشائر في المحافظة، إتبعت اسلوبا أثبت فعاليته في مواجهة أساليب الدفاع التي يعتمدها تنظيم «الدولة» حيث أعتمدت خطة الهجوم على مراحل، بدأتها في تطويق المدينة عبر احكام السيطرة على طرقها ومحاورها الأربعة بشكل تدريجي لقطع التواصل والامدادات بين عناصر التنظيم في الرمادي مع باقي المدن التي يسيطر عليها وخاصة الفلوجة القريبة منها، ثم بدأت القوات بالهجوم التدريجي بأسلوب قضم المدن والقرى والمناطق المحيطة بالمدينة بعد تحطيم خطوط الدفاعات التي أعدها التنظيم طوال الفترة التي سيطر فيها على المنطقة، وأخيرا مرحلة الهجوم الواسع على مركز المدينة.
وقد تميزت معركة الرمادي بالاستفادة من تجارب المعارك السابقة مع التنظيم وحسن التعامل لاضعاف أساليبه الدفاعية كالعجلات المفخخة ونشر القناصة والعبوات الناسفة على الطرقات وفي داخل البيوت والمنشآت، إضافة إلى شن الهجمات المباغتة بين وقت وآخر على القطعات والتجمعات للقوات الحكومية والقوات الساندة لها. واستثمرت القوات المسلحة في هذا الصدد، تطور التنسيق والاتصالات بين القطعات الأرضية وبين نشاط القوة الجوية سواء العراقية أو التابعة للتحالف الدولي، إضافة إلى الاستفادة من المستشارين الأمريكان في استخدام المعدات الأمريكية الحديثة التي وصلت أرض المعركة واستخدام تقنيات جديدة لأول مرة مثل الجسور العائمة الأمريكية لنقل الأسلحة الثقيلة عبر نهر الفرات إلى داخل الرمادي.
وقد شكل كل ذلك مفاجأة لعناصر التنظيم وأدى إلى إنهيار معنوياتهم، وفرار الكثير منهم عن طريق الأنفاق التي حفروها في أوقات سابقة، تاركين كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد الذي كان بامكانهم استخدامه في إطالة وقت المعركة.
ولا شك أن النصر في معركة الرمادي ما كان له أن يتحقق لولا توفر عوامل أساسية منها وحدة القرار العسكري والمهنية في التخطيط للمعركة دون تأثيرات سياسية، وتراكم الخبرة، وتوفر المعدات والتجهيزات العسكرية الحديثة، إضافة إلى الدعم الفعال لطيران التحالف الدولي والعراقي.
ومن المؤشرات المهمة في هذه المعركة بروز دور القوى المحلية السنية في المشاركة بفعالية في المعركة سواء في الشرطة المحلية أو المتطوعين في الحشد من أبناء المحافظة الذين وصل عددهم إلى حــوالي 8 آلاف عنـــصر قــام المدربون الأمريكان بتدريبهم وتسليحهم.
وقد اعتبر العراقيون معركة تحرير الرمادي مفتاحا لتحرير باقي مناطق الأنبار والموصل، حيث أعلن القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي «إذا كان عام 2015 عام التحرير فسيكون عام 2016 عام الانتصار النهائي وعام انهاء وجود داعش على أرض العراق».
وكانت أحدى العقبات التي يصعب تجاوزها في سرعة حسم الموقف العسكري باللجوء إلى الكثافة النارية، هي السكان المدنيين الذين كانوا عالقين في الرمادي والذين اتخذهم تنظيم الدولة دروعا بشرية يحتمي بهم من عنف القصف الجوي والمدفعي على المدينة، لذا كان التعامل مع هذه القضية الحساسة والحرص على تجنب إلحاق الأذى بالمدنيين يحتل مجالا كبيرا من التخطيط العسكري لعملية الاقتحام. وقد عمدت الطائرات العراقية إلى إلقاء منشورات من الجو تطالب سكان المدينة بتركها بسرعة مع تحديد ممرات آمنة لسلوكها وصولا إلى مناطق آمنة. ورغم أن التنظيم منع السكان من المغادرة وهدد بقتل من يحاول الفرار، إلا أن القوات العراقية نجحت في مساعدة معظم السكان المدنيين على الخروج من المدينة قبل أو أثناء الهجوم.
وقوبل تحرير الرمادي بترحيب وطني وعربي ودولي، لكونه يعتبر نصرا مهما وهزيمة للتنظيم الذي بات مصدر قلق وإزعاج للجميع ويسعون للتخلص منه ومن آثاره.
فقد اتفق العراقيون جميعا بكافة طوائفهم ومذاهبهم على مباركة الانجاز الحيوي الذي حققته القوات العراقية ورفع معنويات الجميع، حيث عمت مشاعر الارتياح والأمل بامكانية عودة دور الجيش والشرطة الوطنية التي طالما أسهمت في الدفاع عن العراق وحمايته من كل الأعداء.
ودوليا رحبت الأمم المتحدة والجامعة العربية والولايات المتحدة بانجاز الجيش العراقي في الرمادي واعتبرته دليلا على تعافي الجيش العراقي، بينما اعتبر الرئيس الفرنسي، فرنسوا أولاند، أن استعادة القوات العراقية لمدينة الرمادي، غرب بغداد، هي «الانتصار الأهم» حتى اليوم في التصدي لتنظيم الدولة.
ونوه وزير الخارجية البريطاني أن القوات العراقية لعبت دورا فعالا ومهما في منطقة الرمادي مشيرا إلى أن فقدان الرمادي من أيادي تنظيم الدولة خسارة كبيرة جدا له.
وأشارت صحيفة «التليغراف» البريطانية إلى أن القوات العراقية تمكنت من تحقيق النصر على مسلحي تنظيم الدولة ورفع العلم العراقي على المجمع الحكومي العراقي بالرمادي بعد فترة طويلة من الصراع بينها وبين تنظيم الدولة. واعتبرت الإنتصار الذي حققته القوات العراقية وتمكنها من إسترداد الرمادي بمساعدة الضربات الجوية الأمريكة والبريطانية جنبا إلى جنب، واحدا من أهم الإنتكسات التى واجهها مسلحو التنظيم، هذا بجانب الضربات المتتالية التي يتعرض لها فى سوريا.
ويتفق المراقبون على أن التحديات بعد تحرير الرمادي كثيرة وفي مقدمتها إعادة إعمار المدينة التي وصل حجم الدمار فيها الى 80٪ نتيجة أشهر من القصف والغارات والقتال إضافة إلى تخريب تنظيم الدولة للبنى التحتية من مبان وجسور، لكي يمكن اعادة النازحين إليها، كما يتعين على القطعات ايجاد قوة قادرة على مسك الأرض من أهالي المنطقة لمنع عودة التنظيم إليها مستقبلا، وللانطلاق نحو تحرير باقي مناطق العراق من تنظيم «الدولة» كما يتعين على الحكومة اتخاذ اصلاحات سياسية هامة مثل العفو العام والمصالحة الوطنية وإعادة النظر في قانون المسائلة لضمان منع وجود حاضنة لتنظيم جديد آخر مثيل لتنظيم «الدولة» قد يظهر مستقبلا.

مصطفى العبيدي

صحيفة القدس العربي