مبادرة أوروبية تكشف متاعب قطاع الطاقة الجزائري

مبادرة أوروبية تكشف متاعب قطاع الطاقة الجزائري

تم الإعلان مؤخرا عن مبادرة أوروبية للتعاون مع الجزائر بشأن الحد من الممارسات الضارة بالبيئة المتمثلة في حرق الغاز وتنفيسه، وهي فرصة “مربحة للجانبين” تساعد الجزائر على تصدير بعض الكميات إلى أوروبا، ويمكن أن تمثل خطوة محتملة إلى الأمام. وعلى الرغم من جاذبية هذا المخطط، يبقى نجاحه بعيد المنال.

بروكسل – منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات لتقليل اعتماده الكبير على الغاز الروسي بشكل تدريجي، والذي يقارب 45 في المئة من واردات الاتحاد لعام 2021. وفي مايو 2022، أطلق الاتحاد خطة REPowerEU، التي تهدف إلى التخلص التدريجي من واردات الوقود الأحفوري الروسية قبل عام 2030 مع تنويع مصادر الطاقة وإنتاج الطاقة النظيفة.

ويشمل ذلك ضمان “أن تكون إمدادات الغاز الإضافية من موردي الغاز الحاليين والجدد مقترنة بإجراءات هادفة إلى معالجة تسرب غاز الميثان”، ومعالجة التنفيس، أي إطلاق الغاز الطبيعي في الغلاف الجوي، وحرق الغاز. لمعالجة انبعاثات غاز الميثان في قطاع الطاقة، تعلن خطة RePowerEU استعداد الاتحاد الأوروبي لتقديم المساعدة الفنية للشركات خارج الاتحاد من خلال مخطط يسمى “أنت تجمع، ونحن نشتري”.

وخلال مؤتمر كوب 28 الذي عُقد العام الماضي في دبي، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي سوف يقوم بتجريب البرنامج مع الجزائر. وتُعتبر هذه التدفقات أساسية لتحقيق أمن الغاز في بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وقد تزايدت منذ أن بدأت الحرب في أوكرانيا.

وفي عام 2022، احتلت الجزائر المرتبة الرابعة بين دول العالم الأكثر إحراقًا للغاز، بحيث بلغت أحجام الغاز المحترق لديها وفقًا لبيانات البنك الدولي 8.6/8.5 مليار متر مكعب، أي أقل من الكمية المسجلة في إيران والعراق وروسيا. وتتجه صادرات الغاز الجزائرية بشكل أساسي إلى أوروبا، بحيث تمثل حوالي 14 في المئة من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز.

وتعتبر هذه التدفقات أساسية لتحقيق أمن الغاز في بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وقد زادت منذ أن بدأت الحرب في أوكرانيا، بما في ذلك إيطاليا وإسبانيا اللتان تتشاركان خطي أنابيب منفصلين للغاز مع جارتهما الجنوبية. وفي الوقت عينه، تتطلع فرنسا، وهي أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال الروسي في الاتحاد الأوروبي، إلى الجزائر للحصول على شحنات إضافية من الغاز الطبيعي المسال.

ففي وقت سابق من هذا العام، اتفقت شركة النفط الوطنية الجزائرية، سوناطراك، وشركة توتال إنرجي الفرنسية على تمديد تعاونهما في مجال الغاز الطبيعي المسال حتى عام 2025، حيث ستقوم الدولة الواقعة في شمال أفريقيا بتوريد مليوني طن من الغاز الطبيعي المسال إلى شركة توتال.

وبالتالي، تبدو الجزائر خيارا طبيعيا لأوروبا لإيجاد موردين بديلين جدد للغاز الروسي ودعم خفض انبعاثات غاز الميثان. فمن خلال العمل المشترك للحد من حرق الغاز في حقول النفط الجزائرية، لن يتمكن الاتحاد الأوروبي والجزائر نظريًا من تخفيف الاحتباس الحراري العالمي فحسب، بل سيوفران أيضا غازا إضافيا للتصدير.

وترى سابينا هينبرج ، مديرة برنامج أبحاث المبتدئين في معهد واشنطن، في تقرير نشره المعهد نقلا عن مجلة المنارة، أن مشاركة الجزائر لا تزال مقيدة بإصرار البلاد التقليدي على الحد من النفوذ الأجنبي، بما في ذلك التمويل الأجنبي. كما أن محاولة الجزائر الانضمام إلى مجموعة البريكس قد تكون أقل استساغة بالنسبة لأوروبا. وعلى الرغم من هذه المزايا المحتملة، تواجه مبادرة “أنت تجمع، ونحن نشتري” تحديات كبيرة في الجزائر، وهي لم تنفذ على أرض الواقع حتى الآن.

وتشكل القيود الحالية على الإنتاج والتصدير في الجزائر إحدى العقبات. فإيطاليا وإسبانيا تستوردان الغاز الطبيعي المسال الجزائري المنقول بحرًا، وكذلك الغاز المنقول عبر الأنابيب من الدولة الواقعة في شمال أفريقيا عبر خطين تشغيليين: خط “ترانس ميد” الذي يمر عبر تونس إلى إيطاليا، سوق التصدير الرئيسي للجزائر، وخط أنابيب “ميدغاز” إلى إسبانيا. لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت لدى الجزائر قدرة احتياطية كافية في بنيتها التحتية التصديرية لتعزيز إمدادات الغاز إلى أوروبا.

ويشكل الطلب المحلي في البلاد تحديا آخر بما أنه ساهم ربما في انخفاض أحجام الصادرات مرة أخرى خلال الربع الأول من عام 2024. في الوقت عينه، واجهت الجزائر، على الرغم من امتلاكها لبعض أكبر احتياطيات الغاز في أفريقيا، صعوبات في السنوات الأخيرة لناحية استغلال مواردها الطبيعية بنجاح نظرًا لضعف بيئتها الاستثمارية.

وبما أن النظام يدعم بشكل كبير المحروقات لتلبية احتياجات سكانه الذين تتزايد أعدادهم، من غير المرجح أن يتراجع الطلب المحلي في أي وقت قريب. كما أن ارتفاع الإنفاق المحلي على البرامج الاجتماعية يحد أيضًا من رأس المال المتاح للاستثمار في قطاع الطاقة، ولاسيما في تحسين القدرة الإنتاجية.

وعلى الرغم من أن إعادة انتخاب الرئيس عبدالمجيد تبون المحتملة في سبتمبر يمكن أن توفر نظريًا فرصة لرفع الدعم أو الإنفاق الاجتماعي أو إصلاحه في ظل ولاية متجددة، إلا أن ذلك مستبعد إلى حد كبير نظرًا لديناميكيات النظام السياسي الجزائري، الذي يعتمد على مثل هذه الأدوات لاكتساب الشرعية والذي لا يشكل فيه تبون صانع القرار الوحيد.

وفضلا عن ذلك، يُعد مناخ الاستثمار في الجزائر غير مناسب لجذب الاستثمار الأجنبي اللازم إذا أرادت التحول فعلا إلى قطاع طاقة أكثر ملاءمة للبيئة.

وعلى الرغم من أن قانون المحروقات المحدث الذي تم اعتماده في عام 2019 أدى إلى تحسين “الشروط المالية ومرونة العقود”، فإن الشرط المفروض في البلاد بأن تكون مشاريع الطاقة الجديدة مملوكة بأغلبية جزائرية لا يزال يعيق الاستثمار. كما تم انتقاد قانون استثمار جديد لعام 2022 على خلفية فرضه شروطا مرهقة بشكل غير ضروري على المستثمرين.

ومن الناحية المؤسسية، تفتقر شركة الغازالمملوكة للدولة (سوناطراك) للاستقلالية (وكذلك القدرة التقنية على تنفيذ مثل هذه المشاريع) وتخوض باستمرار صراعات سياسية مع وزارة الطاقة والوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات (النفط).

ويعتقد معظم المراقبين أن الإصلاحات الرئيسية التي ستكون ضرورية لمنح سوناطراك المزيد من الاستقلالية والسماح للمستثمرين الأجانب بتولي الدور الذي يسعون إلى الاضطلاع به في قطاع الطاقة الجزائري، مستبعدة على المدى القريب. ويلف عمليات صنع القرار في الجزائر الغموض، ما يولّد إحباطا واسع النطاق بين الجهات الفاعلة الدولية.

العرب