تابعت الصين باهتمام بالغ التقارب الياباني الأميركي واعتزامهما وضع أول وثيقة مشتركة بشأن سياسة الردع الموسعة، والتي ستتضمن بنداً يؤكد أن الأسلحة النووية ستكون مدرجة في الأساليب الأميركية للدفاع عن اليابان. وكانت صحيفة يوميوري شيمبون اليابانية، قد نقلت، يوم الأحد الماضي، عن مصادر حكومية لم تسمها، قولها إن وثيقة التقارب الياباني الأميركي ستحدد التدابير التي يمكن لواشنطن اتخاذها في وقت السلم وفي حالات الطوارئ، فضلاً عن الظروف التي يمكن بموجبها اتخاذ إجراءات انتقامية ضد دول ثالثة، وما يمكن أن تكون هذه التدابير على خلفية التهديدات الصينية الروسية. ولفتت إلى أنه من المقرر أن يعقد وزيرا الخارجية والدفاع من كلا البلدين محادثات بشأن الردع النووي وقضايا أخرى في وقت لاحق من هذا الشهر في طوكيو وذلك لتأكيد اتجاه الوثيقة.
المساهمة بالردع بالأسلحة النووية
وحسب المصدر نفسه، فإن الوثيقة ستتضمن على وجه التحديد عزم الولايات المتحدة على المساهمة في حماية اليابان من خلال أسلحتها النووية وقدراتها الأخرى. ومن المتوقع أن تقدم وثيقة التقارب الياباني الأميركي توجيهات بشأن المواقف التي ينبغي لطوكيو أن تواجهها حتى تتمكن واشنطن من الرد. ولم يتم الكشف، حسب الصحيفة، عن تفاصيل المناقشات اليابانية الأميركية بشأن الردع الموسع، لأنها تتضمن تبادل معلومات حساسة بشأن العمليات العسكرية.
ويعد الردع الموسع إجراء أمنياً تعمل بموجبه الدول المتحالفة على منع العدوان من جانب دول ثالثة، من خلال إظهار نيّتها اتخاذ إجراءات انتقامية إذا تعرضت أي منها لهجوم عسكري. وتوفر الولايات المتحدة مظلتها النووية وقدرات الردع الأخرى، بما في ذلك الأسلحة التقليدية، لليابان وكوريا الجنوبية ودول حلف شمال الأطلسي منذ عقود، ولكن في ظل التهديدات النووية المتزايدة من دول مثل الصين وروسيا، تهدف طوكيو وواشنطن إلى زيادة الردع ليشمل استخدام السلاح النووي، من خلال التعبير بوضوح في وثيقة التقارب الياباني الأميركي عن هذا التوجه.
إحياء النقاش يقلق بكين
وعلى الرغم من أن الحديث حول هذه المسألة بدأ في العام 2010 عندما أنشأت واشنطن وطوكيو إطاراً لإجراء محادثات منتظمة بشأن الردع الموسع بين البلدين، فإن إعادة إحياء هذا النقاش تثير قلق بكين. وتساءلت صحيفة غلوبال تايمز الحكومية الصينية، عما إذا كانت الولايات المتحدة ستدافع عن اليابان بالأسلحة النووية، أم ستحوّلها إلى خط النار؟ وقالت: يبدو أن اليابان ترغب في تأمين التزام مكتوب بشأن الحماية النووية قبل الانتخابات الأميركية، لمنع واشنطن من التراجع عن وعودها بناء على هوية وتوجهات الرئيس الأميركي المقبل.
لين وي: التوقيع على الوثيقة وتطبيق بنودها يعنيان أننا سنكون أمام تمدد قوة نووية متاخمة للصين
ولفتت الصحيفة إلى أن اليابان دولة غير نووية، وبالتالي لن تصبح هدفاً رئيسياً للضربات النووية من أي جهة، ومع ذلك، تعمل الولايات المتحدة على جرها إلى دائرة الحماية النووية الخاصة بها، وتدرس نشر الأسلحة النووية في أراضيها. وأوضحت أن هذا الأمر سيجعل دولاً أخرى تنظر إلى اليابان باعتبارها دولة نووية. ما يعني أن واشنطن تدفع طوكيو إلى أن تكون ساحة المعركة المقبلة. وقالت إنه يتعين على اليابان أن تقرر ما تريده، التنمية السلمية أو الدفع بها إلى الصراعات على الخطوط الأمامية.
أهداف التقارب الياباني الأميركي
وفي رده على سؤال لـ”العربي الجديد”، حول مخاوف الصين من التقارب الياباني الأميركي في مسألة توسيع الردع، قال الباحث في معهد جيانغ شي للدراسات السياسية، لين وي، إن ما يحرك المخاوف الصينية هو اطلاع بكين على الدوافع الحقيقية التي تقف وراء هذا التوجه، سواء من طرف طوكيو أو واشنطن. وأضاف أن الإدارة الأميركية أولت أهمية كبيرة في سياساتها الخارجية خلال السنوات الأخيرة لاستراتيجيتها في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، والتي تقوم أساساً على محاولة احتواء صعود الصين، من خلال تضخيم تهديداتها الأمنية واستخدامها ذريعة لجر الحلفاء في المنطقة إلى الشراك الأميركية.
توقع خون وانغ دخول دول أخرى في منظومة الردع النووية الأميركية
وأضاف لين وي: بالتالي فإن الحديث عن توسيع الردع بين طوكيو وواشنطن في هذا التوقيت، على الرغم من مرور 14 عاماً على هذا النقاش، هو تأكيد على رغبة الولايات المتحدة في تعزيز قدراتها الهجومية، وتوسيع مظلتها النووية لتشمل شرق آسيا بما يخدم مصالحها الاستراتيجية. وأوضح أن “التوقيع على هذه الوثيقة وتطبيق بنودها يعنيان أننا سنكون أمام تمدد قوة نووية متاخمة للصين، وهذا من شأنه أن يطلق سباقاً نحو التسلح النووي في منطقة شرق آسيا التي تضم أصلاً العديد من الدول النووية مثل الهند وباكستان والصين وكوريا الشمالية. وهو أمر قد يجعل من هذه الرقعة برميلاً من البارود قابلاً للاشتعال في أي لحظة”.
في المقابل، رأى الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية في تايبيه، خون وانغ، في حديث مع “العربي الجديد”، أن اليابان تملك الحق المشروع في تعزيز قدراتها على الردع في ظل تعاظم القوة الصينية في المنطقة، والتهديدات النووية التي تشكلها جارتها كوريا الشمالية. وأضاف أنه ليس شرطاً أن تكون الدولة نووية لتنضم للمظلة النووية الأميركية، ويكفي أن تتعرض لتهديدات نووية كبيرة، كالتي تمثلها بيونغ يانغ، من خلال تكثيف تجاربها الصاروخية على مرأى ومسمع من العالم. ولفت خون وانغ إلى أن بكين لم تفصح عن نشاطها في هذا المجال ولا أحد يعرف شيئاً عن حجم ترسانتها النووية، ومع ذلك تستكثر على جيرانها الدخول في تحالفات إقليمية ودولية لتعزيز قدراتهم على الردع. وتوقع أن تكون وثيقة التقارب الياباني الأميركي مقدمة لدخول دول أخرى في منظومة الردع النووية الأميركية، وهو الأمر الذي يثير قلق بكين، حسب اعتقاده.