أمريكا وإيران.. هل يتغير مسار العلاقات في عهد الإصلاحيين؟

أمريكا وإيران.. هل يتغير مسار العلاقات في عهد الإصلاحيين؟

عاكست نتائج الانتخابات الإيرانية التوقعات. تمكن الإصلاحيون من العودة إلى سدة الحكم. وفور إعلان فوز مسعود بزشكيان، قفز إلى صدارة المشهد الحديث عن مستقبل العلاقات بين أمريكا وطهران في وجود الرئيس الإصلاحي خاصة مع تزايد احتمالات عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجددًا.

هذه هي المعضلة الحقيقية التي تواجه النظام الإصلاحي الإيراني بعد الانتخابات. طهران تتمتع بسلطة دينية نافذة يترأسها المرشد الأعلى، وأخرى تنفيذية يقودها الرئيس المنتخب.

في غالبية الفترات، لا تمنح السلطة الدينية دائرة حركة واسعة للسلطة التنفيذية. الرئيس المنتخب، سواء كان إصلاحيًا أم محافظًا، يدور في فلك المرشد الأعلى، وتمنح له مساحة الحركة وفق محددات داخلية وخارجية.

هذه المرة تحديدًا هناك تفاؤل كبير بإمكانية حدوث تطور نحو الأفضل في بنية النظام الإيراني. الولاية الثانية لترامب تختلف نسبيًا عن ولايته الأولى فيما يتعلق بالعلاقات مع طهران. حال عودته مجددًا، هناك متغير رئيسي يتمثل في وجود إصلاحي على رأس السلطة في طهران.

محددات مساحة الحركة
نتائج الانتخابات الإيرانية تكشف عن رغبة الشريحة الأكبر من الإيرانيين في التغيير والانفتاح، سواء داخليًا من خلال الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، أو خارجيًا عبر تحسين العلاقات مع الدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة.

طهران تواجه ضغوطًا اقتصادية كبيرة، ولن تتحمل ارتفاعات إضافية في معدلات التضخم نتيجة فرض أي عقوبات مستقبلية. وجود قيادات إصلاحية بالتزامن مع تطلعات الشعب نحو إقامة علاقات طبيعية مع القوى الكبرى، قد يضع ضغوطًا على النظام لاتخاذ خطوات أكثر انفتاحًا.

في الولاية التي لم تكتمل للرئيس الإيراني السابق، كان الأداء الرئاسي متشابهًا حد التطابق مع سياسات المرشد الأعلى. يقينًا قد يواجه الرئيس الإيراني الجديد صعوبات كبيرة في توسيع دائرة حركته بعيدًا عن المرشد الأعلى، نظرًا لأن السلطة الحقيقية في القضايا الاستراتيجية والسياسة الخارجية تبقى بيد المرشد الأعلى ومؤسسات الدولة المتشددة.

على الرغم من ذلك، يمكن للرئيس الإصلاحي أن يحاول دفع بعض الإصلاحات والتغييرات ضمن الحدود المتاحة له، والتأثير على الرأي العام والدبلوماسية الدولية.

عامل آخر لا يمكن إغفاله قد يُمكن الرئيس الإصلاحي من ممارسة نفوذ أكثر تأثيرًا، يتمثل في قدرة الإصلاحيين على حشد دعم شعبي واسع وتحقيق مكاسب ملموسة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

كما يمكن للدعم الشعبي أن يضغط على المؤسسات المتشددة للتعاون مع الإصلاحيين أو على الأقل تقليص معارضتهم لبعض السياسات.

بالإضافة إلى ذلك، تحسن العلاقات الدولية والنجاحات في المفاوضات مع القوى العالمية يمكن أن يعزز موقف الرئيس الإصلاحي داخليًا وخارجيًا.

سياقات مستقبل العلاقات
من محددات الحركة إلى طبيعة العلاقة مع الإدارة الأمريكية التي تتشكل في الأفق. إيران عانت كثيرًا خلال ولاية ترامب الأولى، فهل معنى ذلك أنها قد تعاني ثانية حال عودة ترامب؟ محاولات قراءة مستقبل العلاقات الأمريكية – الإيرانية لابد أن تتم وفق عدد من السياقات:

أولاً: الرأي العام في كلا البلدين يمكن أن يؤثر على صناع القرار، حيث استمرار الضغط الشعبي في طهران من أجل استمرار الإصلاحات وتحسين العلاقات مع دول العالم، بالتزامن مع تنامي المطالب الأمريكية بتبني سياسة خارجية أكثر توازنًا قد يجعل هناك تحسنًا ملحوظًا في العلاقات الثنائية.

ثانيًا: مدى الدعم المقدم من النظام الإيراني للجماعات المسلحة من غير الدول في الشرق الأوسط، خاصة جماعة الحوثيين في اليمن، وحركة حماس في قطاع غزة. زيادة أو تقليص هذا الدعم يؤثر سلبًا أو إيجابًا على العلاقات بين البلدين.

ثالثًا: جدية النظام الإيراني في تقديم ضمانات ملموسة للدول الخليجية والمجتمع الدولي فيما يتعلق بالبرنامج النووي للأغراض السلمية، والالتزام الكامل بالاتفاقيات الدولية، مثل خطة العمل الشاملة المشتركة، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

رابعًا: مواقف الدول الكبرى الأخرى، وتحديدًا روسيا والصين. تقارب طهران مع موسكو وبكين هو هاجس يؤرق الإدارة الأمريكية، وفي سبيل عدم تحقيق هذا التقارب قد تعزز واشنطن من قنوات التواصل مع النظام الإيراني.

خامسًا: تبني طهران لـ”الدبلوماسية المرنة” في حل النزاعات العالقة، والمشاركة في الفعاليات والمؤتمرات الإقليمية والدولية لتعزيز التعاون والتفاهم، قد يساهم في تحسين صورة إيران لدى الرأي العام العالمي.

بيت القصيد.. التحديات الداخلية والخارجية أمام الرئيس الإيراني المنتخب كبيرة. الرغبة الحثيثة في الانفتاح على العالم الخارجي، قد تصطدم بحقيقة أن السلطة النهائية بيد المرشد الأعلى.

نجاح الرئيس الإصلاحي في تحقيق نتائج ملموسة داخليًا وخارجيًا قد يقلص معارضة المؤسسات المتشددة للتعاون مع الإصلاحيين.

إبداء طهران نوايا حسنة في القضايا الإقليمية وعلى رأسها مكافحة الإرهاب يساهم في تحسين علاقاتها مع دول الجوار. الأجواء مواتية على كافة الأصعدة نحو تخفيف حدة التوترات وتعزيز الثقة المتبادلة.