في يوليو (تموز) من عام 2022 عكس أحدث إعلان بتدشين حزب جديد في الولايات المتحدة تحت اسم “فورورد” (إلى الأمام)، برئاسة المرشح الديمقراطي السابق للانتخابات التمهيدية أندرو يانغ، والحاكم السابق لولاية نيوجيرسي كريستين تود ويتمان، محاولات قديمة متجددة في الديمقراطية الأميركية لخلق “مسار ثالث” يسعى القائمون عليه إلى توسيع رقعة الأحزاب الفاعلة، واجتذاب شرائح الناخبين الكبيرة المتململة من سطوة الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) على الحياة السياسية في المجتمع الأميركي، إلا أن تلك المحاولة ما لبثت أن خفتت سريعاً ولم تحقق جدوى نشأتها كنظيراتها السابقة، وبقيت المنافسة على تقديم ساسة ومسؤولين للحياة العامة مقتصرة كما الحال على الحزبين الكبيرين.
وعلى وقع المنافسة المحتدمة في انتخابات الرئاسة الأميركية بين المرشح الجمهوري دونالد ترمب والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، تعود الأسئلة حول أسباب فشل كل محاولات “التعددية الحزبية” في الولايات المتحدة في خلق “مسار ثالث” قادر على مواجهة هيمنة ما يعرف اصطلاحاً بنموذج “الثنائية الحزبية”، أمام وجود استثناءات في التاريخ السياسي الأميركي حقق فيها مرشحون من خارج الحزبين الديمقراطي والجمهوري أدواراً انتخابية بارزة في السباق نحو البيت الأبيض، كما حدث عام 1865 حين حصل ميلارد فيلمور (الحزب الأميركي) على 21.5 في المئة من الأصوات، وعام 1968 حين حصل جورج والاس (حزب المستقلين الأميركيين) على 13.5 في المئة من الأصوات، وأخيراً عام 1992 حين حصل روس بيرو (مرشح مستقل) على 19 في المئة من الأصوات.
ومع عدم تطرق الدستور الأميركي أو أي من تعديلاته الـ27 إلى الأحزاب السياسية، أو إقرار قواعد حاكمة أو مقيدة لتشكيلها أو للتعبير عن الرغبة في الترشح وخوض معركة انتخابات الرئاسة الأميركية، إلا أنه ومنذ منتصف القرن الـ19، عند تأسيس الحزب الجمهوري، الذي سبقه تأسيس الحزب الديمقراطي عام 1828، تتركز المنافسة السياسية القائمة على قاعدة “الفائز يحصد جميع مقاعد” الدائرة الانتخابية، بين هذين الحزبين حتى بات النظام السياسي في البلاد يوصف بـ”حكم الحزبين”، وبات جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على البيت الأبيض بعد تلك الفترة منتمين لأحد الحزبين الكبيرين المسيطرين: الديمقراطي والجمهوري، وذلك على رغم نظر الآباء المؤسسين إلى الأحزاب على أنها مثار لـ”الشقاق والخصام”.
قصة هيمنة الحزبين الكبيرين
منذ تأسيس الولايات المتحدة الأميركية تهيمن على البلاد ظاهرة “الثنائية الحزبية” بشكل رئيس، وتعود في ذلك، وفق ما يرجعه المؤرخون والكتاب، للتباين في الرؤى والخلاف حول شكل الدولة ودور وحدود فيدرالية ومركزية النظام السياسي في البلاد.
The House Chaplain James Shera Montgomery is seen here opening with prayer the 75th special session of United States Congress in the House chamber of the U.S. Capitol on November 15, 1937 in Washington.jpg
منذ منتصف القرن الـ19 بات جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على البيت الأبيض منتمين لأحد الحزبين الكبيرين “الديمقراطي والجمهوري” (أ ف ب)
ففي كتابه “منقسمة بعمق: السياسة العنصرية والحركات الاجتماعية في أميركا ما بعد الحرب” (منشور عام 2014)، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة ستانفورد دوق ماكادم والباحثة كارينا كلوس إن بدايات الحزبية في الولايات المتحدة تعود لـ”فترة الصراع في المستعمرات في مرحلة ما قبل الاستقلال عام 1776 بين المؤيدين للمصالح البريطانية الذين عرفوا بالمحافظين، وبين أنصار الحكم الذاتي وسموا بالأحرار”، مشيراً إلى أنه “بعد الاستقلال (عام 1776) ظهر الصراع بين الاتحاديين ومعارضيهم المنادين بالحكم الذاتي”، موضحاً أنه “في فترة الرئاسة الأولى للرئيس المؤسس جورج واشنطن برز الصراع بشكل تحزب حين تزعم ألسكندر هاملتون (عسكري أميركي وأول وزير خزانة عرفته البلاد) ومعه جورج واشنطن (أحد الآباء المؤسسين) الاتجاه نحو الاتحادية (المركزية الفيدرالية) لحماية أصحاب الملاك، في حين تزعم توماس جيفرسون (مؤسس الحزب الجمهوري القديم الذي سمي بالديمقراطي عام 1828 وبقي حتى الآن) الاتجاه المعارض للاتحادية، والمؤكد على أنصار حقوق الفرد، وتحول حزب واشنطن وهاملتون الداعي الى الاتحادية عام 1830 إلى حزب الأحرار قبل أن يتغير اسمه عام 1854 إلى الحزب الجمهوري”. ووفق ماكادم وكلوس كان لـ”الحزب الديمقراطي قاعدة واسعة في ولايات الجنوب الأميركية بين البيض، التي أسهم في ترسيخها كراهية الجنوبيين البيض للحزب الجمهوري كونه الحزب الذي قاد جيش الشمال ضد الولايات الجنوبية المنفصلة خلال الحرب الأهلية”.
من جانبه كتب ماثيو ليفندوسك في مؤلفه المنشور 2009، بعنوان “النوع الحزبي: كيف أصبح الليبراليون ديمقراطيين والمحافظون جمهوريين”، أن “الحزب الديمقراطي ورمزه الحمار في بداية نشأته دأب على معارضة تمركز السلطة بيد الحكومة الاتحادية وحماية المصالح الزراعية والدفاع عنها”، مضيفاً “شكل الحزب في ما بعد دعامة أساسية لمعظم التيارات والاتجاهات الليبرالية الإصلاحية، مثل حركات حقوق الإنسان والحركات النسائية المطالبة بالعدالة والمساواة وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي، فضلاً عن تقليص حجم التدخل الأميركي في الشؤون الدولية والتقليل من النفقات العسكرية”، مشيراً إلى أن الحزب الديموقراطي تمكن من السيطرة على مدى ثلث قرن على الحكم في الولايات المتحدة بمساعدة التحالف الذي التف حول الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1932 الذي عرف باسم العهد الجديد، وبرنامجه لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي نشبت عام 1929 بعد فترة الكساد العظيم، وجذب هذا البرنامج صغار المزارعين والنخب المثقفة من البيض والنقابات العمالية وكثيراً من السود والمحافظون البيض في الجنوب”.
وعلى رغم أن هذا التحالف (العهد الجديد) جذب جماعات عدة متنافرة عرقياً وأيديولوجياً، إلا أنه شكل مصدر قوة للحزب الديمقراطي ضمن له هيمنة شبه كاملة على الكونغرس لعقود عدة. كما كان تحالف الخصوم هذا سبباً مهماً في فوز الرئيس الديمقراطي جون كيندي في انتخابات الرئاسة عام 1960، إذ كان لأصوات الناخبين السود دور مهم في فوز كيندي بولايات جمهورية، بينما دعم الناخبون البيض كيندي في ولايات الجنوب.
في المقابل ووفق المؤلف الأميركي هيثر ليهر واجنر، في كتابه “تاريخ الحزب الجمهوري”، فإن الأخير وهو حزب محافظ ومعروف بـ”الحزب القديم الكبير” ورمزه “الفيل” نشأ “في الولايات الشمالية في عام 1854 من جانب الناشطين المناهضين للرق، وأصبح بسرعة المعارض الرئيس للحزب الديمقراطي المسيطر، ظل تاريخياً مدافعاً عن الليبرالية التقليدية والتقدمية”، مشيراً إلى أنه يشتمل بشكله الحديث على مجموعات عدة ذات توجهات عقائدية مختلفة تشمل المحافظين والمحافظين الاجتماعيين والليبراليين الاقتصاديين والمحافظين ضريبياً والمحافظين الجدد والشعبويين والمعتدلين والتحرريين واليمين الديني”، ومن أبرز ما يدعو إليه منذ زمن خفض الضرائب وتقليص حجم الحكومة والحق في حيازة السلاح وتشديد القيود على الهجرة والإجهاض.
AFP__20240722__364L2GH__v2__Preview__UsPoliticsPresidentialElectionRallyHumphrey.jpg
لم تحقق الأحزاب الصغيرة في الولايات المتحدة أي تأثير يذكر على مدار الحياة السياسية سوى في محطات محدودة عبر تاريخ البلاد (أ ف ب)
وبينما يقول المؤرخون والباحثون إن الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة لم تكن ظهرت في البلاد عند صياغة الدستور وإقراره في أواخر القرن الـ18، بل تشكلت بعد ممارسة الحكومة أعمالها وكنتيجة للسياسات التي اتبعها الرئيس الأول جورج واشنطن، يشير هارولد زينك، وهوار دينيمان وجيسي هاثورن، في كتابهم “نظام الحكم والسياسة في الولايات المتحدة”، إلى أبرز الوظائف التي باتت تتمتع بها الأحزاب بشكل رئيس في أميركا، وتتمثل في “تأدية دور في انتخاب الموظفين العموميين وعلى رأسهم الرئيس وعرض المشكلات العامة والرقابة على الموظفين الحكوميين وتوجيه الناخبين إلى صناديق الاقتراع وإشعال جذوة الصراع السياسي”.
وعليه أصبح الحزبان الجمهوري والديمقراطي بقدراتهما المالية والتنظيمية الكبيرة المهيمنين الرئيسين على الحياة السياسية، والمجتمع الأميركي على رغم وجود أحزاب صغيرة أخرى، مثل الحزب التحرري وحزب الخضر، لم تصل إلى أي تأثير يذكر على مدار الحياة السياسية الأميركية سوى في محطات محدودة في تاريخ البلاد.
محاولات لم تكتمل
وبتتبع التاريخ الأميركي الحديث صعدت وخفتت أحزاب أميركية خلاف الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إذ شهدت البلاد تجارب حزبية سرعان ما اختفت عن المشهد كما بالنسبة إلى الحزب الفيدرالي الذي انحل عام 1824 وحزب اليمين الذي انتهى وجوده عام 1860 والحزب الجمهوري -الديمقراطي الذي انحل بدوره عام 1825، في المقابل ظهرت تجارب استمرت لسنوات في محالة إزاحة سطوة الحزبين الكبيرين، مثال على ذلك الحزب الذي حمل اسم “الحزب الشعبوي” ورفع شعارات مدافعة عن فقراء الفلاحين في تسعينيات القرن الـ19 خلال فترة وجيزة، لدرجة هددت معها هيمنة الحزبين الكبيرين في البلاد، وذلك قبل أن يتفكك بحلول عام 1900.
كذلك سجل ظهور “حزب التربة الحرة” عام 1948، وهو الحزب الذي طالب بإلغاء العبودية في المناطق الجنوبية الغربية من الولايات المتحدة، وعلى رغم فشله في تمرير أي قانون حول مسألة العبودية اتجه الحزب عام 1848 لترشيح الرئيس السابق مارتن فان بورين في انتخابات العام ذاته، إلا أنه وبحلول عام 1854 حل هذا الحزب بسبب فشله السياسي وتزايد الخلافات داخله.
وفي عام 1879 بعد سنوات قليلة من الحرب الأهلية الأميركية، شهدت ولاية فرجينيا الأميركية ظهور “حزب التعديل” الذي تشكل بهدف حلحلة الأزمة الاقتصادية والديون المتراكمة التي تهدد الولاية، وعلى رغم أنه وبعد فترة وجيزة تمكن الحزب من تقليل نحو ثلث ديون الحرب وأجراء إصلاحات ضريبية أملاً في تجميع ما تبقى من المبالغ اللازمة لسداد الديون، إلا أنه أدت خسارة الحزب لغالب مقاعدة بالولاية عام 1883، إلى حله بشكل نهائي.
وفي ولاية نيفادا الأميركية ظهر عام 1892 “حزب الفضة” (كانت الولاية حينها رائدة بمجال إنتاج الفضة بفضل مناجمها الغنية) على قاعدة معارضة النظام النقدي الوطني القائم على الذهب والعملة الورقية غير المدعومة، وبالسنوات التالية انتخبت نيفادا عدداً من ممثلي هذا الحزب بالكونغرس، وذلك قبل أن يتراجع التعدين بالولاية، مما قاد إلى تعثر الحزب وانهاره التام عام 1911.
وبعد ذلك بعام شهد الحزب الجمهوري انقسام الجناح الأكثر تقدماً به، بقيادة الرئيس السابق ثيدور روزفلت، وتشكل “الحزب التقدمي”، وذهب روزفلت لاقتناص حصة أكبر من أصوات منافسه الجمهوري ويليام تافت، لكن كليهما خسر الانتخابات أمام الرئيس الديمقراطي وودرو ويلسون.
اقرأ المزيد
هل أصبحت الديمقراطية الأميركية “على المحك”؟
“عجوز غريب” و”ليبرالية مجنونة”… ترمب وهاريس يتراشقان
كيف تصان الديمقراطية الأميركية؟
مشكلة أميركا أكبر من ترمب وهاريس والحزبين
كيف يؤثر ترشح ترمب للرئاسة على الحزبين الجمهوري والديمقراطي؟
في هذه الواقعة ووفق ما كتبه الباحث ميريل ماثيوز من معهد “ابتكار السياسات” في دالاس، في صحيفة “ذا هيل” الأميركية، “كان الرئيس الأميركي الأسبق ثيودور روزفلت نائب الرئيس الجمهوري وليام ماكينلي، الذي اغتيل في 1901 خلال فترة رئاسته الثانية أصبح رئيساً خلفا لماكينلي، ثم فاز بسهولة بإعادة انتخابه عام 1904. لكنه وعد بعدم الترشح لولاية ثالثة عام 1908، ونتيجة لذلك أصبح وليام هوارد تافت مرشحاً للحزب الجمهوري وفاز في انتخابات 1908″، ويتابع “وضع الحزب الجمهوري تافت لإعادة انتخابه عام 1912، لكن ثيودور روزفلت لم يكن راضياً لأن الجمهوريين لم يدعموا سياساته التقدمية، لذلك ترشح روزفلت على بطاقة طرف ثالث، وهو الحزب التقدمي، الذي أسسه آنذاك. وكان أداؤه جيداً، ولكن ليس جيداً بما يكفي. وحصل تافت على 23.2 في المئة من الأصوات الشعبية بينما حصل روزفلت على 27.4 في المئة، مما أدى إلى تقسيم أصوات الجمهوريين. وهكذا فاز المرشح الديمقراطي وودرو ويلسون بنسبة 41.8 في المئة، وغالبية ساحقة بلغت 435 صوتاً في الهيئة الانتخابية (المجمع الانتخابي)”.
تململ متسع لدى الناخبين
مع بقاء هيمنة الحزبين الكبيرين على الحياة السياسية في الولايات المتحدة الأميركية، عكس كثير من استطلاعات الرأي لدى مراكز الفكر في البلاد على مدار العقدين الأخيرين تململ شرائح واسعة من المواطنين من تلك الظاهرة، وذلك في وقت لم تتمكن فيه أي من الأحزاب المسماة “الثالثة” من شق طريق لها نحو إزاحة تلك الهيمنة السياسية للحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وعلى رغم تلك التجارب المريرة في خلق مسار ثالث في السياسية الحزبية الأميركية إلا أن استطلاعات الرأي وعلى مدار العقدين الماضيين، أظهرت حجم التململ الواسع لدى قطاعات من الناخبين تجاه نظام “الثنائية الحزبية” ودعوتهم باستمرار إلى ضرورة ظهور أحزاب أخرى قوية، ففي استطلاع شهير لمعهد “غالوب” لاستطلاعات الرأي عام 2010، كشف عن أن نحو 29 في المئة من الأميركيين يعدون أنفسهم بأنهم جمهوريون، في مقابل 31 في المئة لمصلحة الحزب الديمقراطي، و38 في المئة من المستقلين، وهو ما يظهر انخفاضاً في عدد الجمهوريين، إذ عرف 31 في المئة عن أنفسهم بأنهم جمهوريون في عام 1988. وفي مسح آخر لذات المعهد عام 2014 انخفض هذا العدد إلى 25 في المئة، وهو الأدنى في السنوات الـ25 الماضية في الأقل.
AFP__20240728__366G2QT__v1__Preview__UsVotePoliticsTrumpVance.jpg
المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب خلال أحد التجمعات الانتخابية (أ ف ب)
كذلك نشر “غالوب” نتائج استطلاع رأي في عام 2021 أجرته “مؤسسة الأبحاث الأميركية”، أن 62 في المئة من الناخبين يعتقدون أن الحزبين الرئيسين يقدمان أداء ضعيفاً لدرجة أن هناك حاجة إلى حزب بديل. في الاتجاه ذاته أظهر استطلاع للرأي نشره مركز “بيو” للأبحاث عام 2022 أن نسبة الناخبين الذين لديهم وجهة نظر غير موالية لكلا الحزبين السياسيين ارتفعت من ستة في المئة عام 1994 إلى 27 في المئة الآن. وعندما طلب من المستطلعين الرد على العبارة التي تقول “عادة ما أشعر أن هناك مرشحاً واحداً في الأقل يشاركني معظم آرائي”، لم يوافق 43 في المئة مقارنة بـ36 في المئة ردوا على السؤال نفسه في استطلاع مماثل عام 2018. كما أعرب 38 في المئة عن تأييدهم الشديد تعليقاً على عبارة “أتمنى أن يكون هناك مزيد من الأحزاب السياسية للاختيار من بينها في هذا البلد”، ووفقاً لـ”المركز الأميركي” فإن هذه النسبة تشمل 48 في المئة من المستقلين، و38 في المئة من الديمقراطيين، وفقط 21 في المئة من الجمهوريين الذين شملهم الاستطلاع.
وتنقل هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” عن الباحث في العلوم السياسية بجامعة ييل إيان شابيرو أن الأحزاب السياسية فقدت نفوذها وتأثيرها في السنوات الأخيرة، وهذا يؤثر في النظام الديمقراطي برمته. وكتب شابيرو في عام 2018 “إن الأحزاب السياسية هي قوام المساءلة الديمقراطية، لأن الأحزاب، وليس الأفراد الذين يؤيدونها ويشكلونها، تقترح رؤى مدروسة لتحقيق الصالح العام”، وذلك لأن الناخبين ليس لديهم الوقت ولا الخبرة لإجراء أبحاث عن تكاليف السياسات ومزاياها ولا يمكنهم تغليب مصلحة الغالبية على مصالحهم الخاصة على المدى الطويل.
لكن في مقابل تلك الرؤية لا يوافق بعضهم على أن الأحزاب السياسية باتت أضعف مما كانت عليه في الماضي، مرجعين الأمر إلى ظاهرة الاستقطاب السياسي الحاد المنتشرة أدت إلى زيادة تمسك الجمهور بالأحزاب التي ينتمون إليها، واكتسب زعماء الأحزاب نفوذا أكبر من أي وقت مضى، بسبب جهود الأحزاب في حشد أصوات الناخبين أو منع فئات بعينها من التصويت في الانتخابات للتأثير في النتائج.
ولم يسبق أن لعب أي مرشح من خارج الحزبين الرئيسين في دور انتخابي بارز باستثناء ثلاث حالات حقق فيها مرشحون من خارج الحزبين الديمقراطي والجمهوري أدواراً انتخابية بارزة في السباق نحو البيت الأبيض، كما حدث عام 1865 حين حصل ميلارد فيلمور (الحزب الأميركي) على 21.5 في المئة من الأصوات، وعام 1968 حين حصل جورج والاس (حزب المستقلين الأميركيين) على 13.5 في المئة من الأصوات، وأخيراً عام 1992 حين حصل روس بيرو (مرشح مستقل) على 19 في المئة من الأصوات في مواجهة الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الأب ومنافسه الديمقراطي بيل كلينتون الذي فاز بالرئاسة آنذاك.
AFP__20240711__363X68T__v1__Preview__UsElectionPoliticsVoteHarrisCampaign.jpg
المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأميركية كامالا هاريس خلال تجمع انتخابي بعد أن أعلن الرئيس جو بايدن تنحيه عن خوض المنافسة المقبلة (أ ف ب)
يذكر أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة لا تقتصر فيها المنافسة على مرشحي الحزبين الكبيرين في البلاد الجمهوري والديمقراطي ترمب وهاريس على الترتيب، إذ يخوضها بجانبهما عدد من المرشحين المستقلين ومن أحزاب أخرى، أبرزهم الكاتبة ماريان وليامسون صاحبة 72 سنة التي ترشحت سابقاً عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية الرئاسية لعام 2020، لكنها انسحبت من ذلك السباق قبل بدء أي تصويت.
كذلك يخوض روبرت إف. كنيدي الابن (70 سنة)، الناشط المناهض للقاحات، السباق مستقلاً بعد أن نافس الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن في البداية على ترشيح الحزب الديمقراطي، وكينيدي هو نجل السناتور الأميركي روبرت إف. كنيدي، الذي اغتيل عام 1968 أثناء حملته الانتخابية الرئاسية.
ومن بين المستقلين الذين يخوضون المنافسة الناشط السياسي والفيلسوف والأكاديمي كورنيل وست (71 سنة)، الذي أعلن في يونيو (حزيران) الماضي ترشحه كمستقل، واعداً بالقضاء على الفقر وتوفير السكن، في تحرك منه إلى تدشين مسعى من طرف ثالث للوصول إلى منصب الرئيس، قد يجتذب الناخبين التقدميين ذوي الميول الديمقراطية.
أما الحزبيون ممن يخوضون المنافسة بخلاف ترمب وهاريس، تأتي الطبيبة جيل ستاين (74 سنة) مرشحة عن حزب الخضر كما فعلت في عام 2016، فضلاً عن تشيس أوليفر (38 سنة) الذي ترشح لمقعد في مجلس الشيوخ عن ولاية جورجيا عام 2022، وحصل على اثنين في المئة من الأصوات، ليكون مرشحاً عن حزب التحرريين.