الخطوة الإيرانية التالية مفتاح ديناميكيات التصعيد في الشرق الأوسط

الخطوة الإيرانية التالية مفتاح ديناميكيات التصعيد في الشرق الأوسط

مع استعداد إيران للرد على اغتيال إسماعيل هنية على أراضيها وتأهب إسرائيل لصده، تشكل ماهية الردّ وحدوده ديناميكيات التصعيد المستقبلية في الشرق الأوسط.

طهران – أدت سلسلة من الضربات الإسرائيلية الناجحة ضد قادة الوكلاء الإيرانيين في طهران وبيروت إلى تصعيد التوترات في الشرق الأوسط، فيما يشير تسلسل الأحداث إلى إستراتيجية أكثر احترافية من جانب الإسرائيليين في استهداف قادة الوكلاء الإيرانيين، وهو ما يعتبر أفضل من العقوبات الجماعية للفلسطينيين المتأثرين بذهان الانتقام الذي تم تبنيه حتى الآن.

ويقول المحلل الإستراتيجي والعسكري شاشي أستانا في تقرير على مودرن بوليسي إن الكرة الآن في ملعب إيران، التي تقيم الخيارات للتعافي من الحرج الناجم عن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على أراضيها. وعلى الرغم من قلة التبادلات المؤقتة التي حدثت بين حزب الله وإسرائيل، والضربة الأميركية على فاعل عراقي غير حكومي والانتقام في قاعدة أميركية بعد الاغتيال، إلا أن هذه التبادلات روتينية حيث لم يأت الانتقام الرئيسي بعد. وقد تشكل الخطوة التالية لإيران ديناميكيات التصعيد المستقبلية في المنطقة.

وقد لا تعترف إسرائيل بدورها في اغتيال الزعيم السياسي والمفاوض البارز في حماس إسماعيل هنية، وأعلنت الولايات المتحدة أنها لم تُبلَّغ بذلك، ولا تشارك فيه، فقد افترض الإيرانيون أن العملية كانت عملية سرية ناجحة نفذها جهاز الموساد الإسرائيلي. وفي حين أن المسؤولية عن مقتل القائد الثاني لحزب الله فؤاد شكر في جنوب بيروت، وعلي نزيه عبدعلي، وهو ضابط كبير في جنوب غرب لبنان، وزعيم حماس محمد ضيف في غزة، وبعض قادة الحرس الجمهوري الإيراني في سوريا، راسخة، إلا أن اغتيال إسماعيل هنية يبدو أنه المحفز الأكثر أهمية للتصعيد.

وهناك العديد من النظريات حول منهجية الاغتيال بقنبلة زرعت قبل أشهر وتم تفعيلها عن بعد من خلال الذكاء الاصطناعي أو رواية الحرس الثوري الإيراني عن الضربة بقذيفة قصيرة المدى، لكن جميعها تشير إلى خرق كبير في البنية الأمنية الإيرانية وإحراج كبير لإيران. ولا يترك هذا لإيران خيارا سوى اتخاذ بعض الإجراءات لإثبات مصداقيتها أمام وكلائها وجمهورها المحلي، الذي تلقى ضربة كبيرة بسبب الكشف عن ضعفها.

ومن منظور عسكري، أدت هذه الاغتيالات إلى تعزيز الروح المعنوية المتدنية للجيش الإسرائيلي، ومددت شريان الحياة السياسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ودفعت جميع مقترحات وقف إطلاق النار خارج النافذة في المستقبل القريب، وخلقت وضعا لا يمكن التنبؤ به لجميع المقاتلين بالوكالة لإيران، ووضعت مصداقية إيران العسكرية على المحك.

ولدى نتنياهو كل الأسباب لتدليل نفسه ووكالاته المعنية، لكن هذا قد يعرض حياة الرهائن المتبقين لخطر جسيم. وقد يتسبب هذا الجانب في بعض الاحتكاكات/المعضلات الداخلية مع الجيش الإسرائيلي والموساد والعديد من أعضاء مجلس الوزراء الذين يدفعون من أجل وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن ونتنياهو مع بعض المتشددين الذين يدفعون من أجل إطالة أمد الحرب لتحقيق هدف غير عملي وهو “التدمير الكامل لحماس” كشرط مسبق لوقف إطلاق النار الدائم.

◙ إيران أعطت إسرائيل والولايات المتحدة الوقت الكافي للاستعداد ضد هجومها المحتمل لتقليل الخسائر

وتتواصل إسرائيل أيضا مع مصر والمملكة العربية السعودية والأردن والبحرين للدفاع ضد الهجوم الإيراني القادم من خلال السماح لها باستخدام مجالها الجوي والمساعدة في تحييد بعض المقذوفات. كما أن إطالة أمد الحرب ورفض قبول حل الدولتين يؤديان أيضا إلى توسيع الفجوة بين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يجد نفسه متورطا بشكل متزايد ومتردد في مطاردة الأهداف غير العملية لنتنياهو وبقائه السياسي.

وكانت إيران أكثر راحة في خوض حرب بالوكالة من خلال وكلائها الإقليميين بدلا من المواجهة المباشرة نظرا لعدم التناسق الكبير في القدرة القتالية التقليدية (بما في ذلك الترسانة النووية) لإسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة وإيران جنبا إلى جنب مع الوكلاء. وتعرف إيران أن الحرب الشاملة لا يمكن أن تمنحها أي نتيجة مواتية إذ ليس لدى إيران والحوثيين منفذ بري إلى إسرائيل، وبالتالي، ليس لديهم خيار سوى شن هجمات عن بعد من خلال الصواريخ والطائرات بدون طيار والصواريخ ذات الشدة والحجم والتأثير المتفاوتين.

وحزب الله هو المجموعة القوية الوحيدة التي لديها بعض القدرة على خوض معركة برية مكثفة، لكنها لا تضاهي القدرة الجماعية لإسرائيل والولايات المتحدة. ولذلك فإنها (إيران) تفضل الهجمات عن بعد والعمليات السرية على الحرب التقليدية.

وضعفت قدرة حماس بشكل كبير ولكنها ستواصل العمليات التكتيكية السرية الصغيرة ضد جيش الدفاع الإسرائيلي بقيادة يحيى السنوار، زعيمها في غزة وأحد المخططين لهجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل، وهو متشدد تم تعيينه الآن رئيسا جديدا لمكتبها السياسي، ليحل محل إسماعيل هنية. وهناك العديد من المفاوضات الخلفية الجارية لكن إيران أعطت إسرائيل والولايات المتحدة الوقت الكافي للاستعداد ضد هجومها المحتمل لتقليل الخسائر. وتشير مصادر إلى أنه قد يكون هناك هجوم رمزي، أكبر من الضربة التي نفذتها في أبريل 2024، ردا على الهجوم الإسرائيلي على قنصليتها في سوريا، لإرضاء وكلائها وجمهورها.

ويزعم حزب الله أن إبقاء إسرائيل منتظرة هو جزء من العقوبة. لكن في غياب الخيارات الموثوقة للهجوم الشامل من قبل إيران، يبدو أن الانتقام الفعلي قد يأتي أيضا من خلال بعض العمليات السرية / أزمة الرهائن الجديدة، والتي سيبحث عنها وكلاؤها عن أهداف في أي مكان. ولا يترك كل هذا أمام الولايات المتحدة خيارا سوى الدفاع عن الموقع الإستراتيجي لإسرائيل، وهي حليفتها الأكثر ثقة، والتي تحافظ على أقوى موطئ قدم لها في الشرق الأوسط.

ويواصل نتنياهو استغلال هذه المعادلة الإستراتيجية لتحقيق أجندته السياسية مما يجبر الولايات المتحدة على الامتثال، على الرغم من مظهر محاولة السيطرة على فرط تجاوزاته، في الوقت الذي لا تزال تحاول دفع المفاوضات لوقف إطلاق النار، والإفراج عن الرهائن وخطة السلام مع جميع الأطراف.

وترسل الولايات المتحدة المزيد من الطائرات المقاتلة والسفن الحربية ومجموعة حاملة الطائرات إلى الشرق الأوسط. ووفقا لوزارة الدفاع الأميركية، فإن الطرادات والمدمرات وسرب المقاتلات الإضافية هي جزء من الانتشار، إلى جانب مجموعة حاملة الطائرات يو.أس.أس أبراهام لينكولن، لتعزيز الدفاعات ومساعدة إسرائيل في دفاعها ضد هجوم عسكري محتمل من قبل إيران ووكلائها حزب الله وحماس والحوثيين.

ويدفع التصعيد الإسرائيلي – الإيراني العالم إلى المزيد من الضغوط التضخمية. وقد يصبح البحر الأحمر أكثر خطورة، وقد يواجه الشحن عبر الخليج العربي تهديدا خطيرا أيضا. وقد يتسبب تدفق النفط المضطرب في ارتفاع الأسعار وبيئة اقتصادية مضطربة.

العرب